رسالة إلى مولانا الوالي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رسالة إلى مولانا الوالي

  نشر في 02 مارس 2018 .

 المكان : مكان ما على كوكب الأرض

الزمان : منتصف الليل الأخير

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته سيادة الوالي أدام الله كرسيك ، و حفظكم من شر بلايا بطنكم أما بعد ،

 قررت أن أكتب لكم اليوم عسى أن تصلكم رسالتي هذه و أنتم في أتم الرفاهية سيدنا ، و أعتذر سلفا على ركاكة خطي ، فأنا كما تعلم أو لا تعلم على الأرجح ، رجل معمر تحيط بي التجاعيد و الترهلات ، و التشققات ، غير أني لا زلت ثابثا ، أقاوم تعرية الأزمنة المحيطة ، لذلك لا تنزعج ، فقوتي كل قوتي تكمن في ضعفي ، و ضعفي يكمن في قلوب من يستقوون بغيري علي !

 اعذرني على الإطالة ، و اعذرني على الفلسفة التي تكمن في جملتي الأخيرة ، فمع مرور السنين ، تعلمت فلسفات جديدة لمخاطبة الولاة ، فعذرا عذرا إذا شغلني كلامي عن التعريف بنفسي ينادونني القدس ، أبلغ من العمر عتيا ، ألاف الأعوام ، و في رواية ينادونني بالأقصى ، و هي كلمة لن يعيها فهمكم الشريف ، غير أنها تأخذ في كل زمان معنى آخر ، مغاير تماما عن الذي قبله ، و في هذا الزمان ، و اعتمادا على فهمكم الجليل ، أعتقد أن الكلمة تعني ، أنني رجل أقصى ، و هي تعني في قاموس الزمان الذي نعيشه أنني الرجل البعيد عن قلوب أمثالك سيدي الوالي ! رجل مهمل في ثنايا قبة و صخرة ، و جدار للبكاء ، غير أن لدي اسما آخر أكثر إثارة في بطاقة تعريفي العبرية ، فكما لا يخفى عليك ، لم أستطع أن أعيش بدون بطاقة هوية ، فاستخرج لي على مقاسي بطاقة عبرية ، دون فيها اسمي على الشكل التالي

 الإسم الكامل : هيكل شولومون

السن : آلاف السنين

الوظيفة : ممتهن

 العنوان : من النيل إلى الفرات

 و إني أعلمكم أنهم يصرفون لي معاشا يوميا أعيش عليه منعما ، بالإضافة إلى الزيارات المتكررة لبعض العجائز هنا ، أصحاب الشعور الطويلة السوداء ، يزورونني لنلهو معا ، و لنتحدث بعض الشيء لكي نقتل فراغ الوقت!قد تستغرب السبب الذي جعلني أكتب إليك في هذه الساعة من الليل ، لا تجزع ! فلقد أرسلت مثل رسالتي هذه إلى زملائك في جميع الأقطار التي تدين بدين الأمين ! لا أروم أن أزعج نومكم الهادئ الذي تغطون فيه منذ مئات السنين ، بل كتبت لأجل الكتابة فقط ، فلتتحملني أعينكم النعسانة شيئا من الزمان فلن أطيل أكثر مما طال علي زمن الإهانة ، تلك المهنة التي أصبحت أجيدها جيدا ، حتى إذا آويت إلى فرشي المرصع بكل ما هو جميل أتذكركم جميعا ، و أتذكر أنك لا تنعمون بما به أنا الآن أنعم .

الجو في هذا المكان الذي أعيش فيه رفقة أبنائي و أحفادي جميل جدا ، أنعم فيه بالهدوء و السكينة ، إلى جانب المرتب الضخم الذي يصلني كل يوم من طرف الممتهن الذي أشتغل عنده أنا و أصحابي ، فنحن يا سيادة الوالي لا تصلنا مرتباتنا  كل شهر كما هو الحال معكم ، بل نحصل عليها كما نشاء وقتما نشاء و أينما نشاء ! قبل ساعات قليلة فقط ، زففنا شابا من قبيلتنا هنا ، زففناه إلى الأرض ، و أهلنا عليه بعض الأتربة ، و راح في نومة خفيفة ، كنومة العروس ليلة العرس ، و كتبنا على ذلك المكان : منزل فلان بن فلان ، فهذه هي البيوت و الشقق المفروشة التي نقطن ، بعضها منعم جدا ، و قد يصل التنعم فيها حد النظر ، و المسك و العنبر ، غير أننا قبل أن نسكنها ، لا بد لنا من أن نرويها بسائل أحمر يسري في عروقنا ، لم نعد نذكر اسمه ، و لا أصبحنا نبالي بضياعه من شدة تعودنا عليه و على إعطائه !

 منازلنا للأسف لا تتوفر على مصابيح و ثريا كما هو الحال في قصوركم الفخمة ، غير أن نورا يقينيا ينير بعضها ، و هذا ما أعتقده و أوقن به !قبل عام تقريبا ، إذا أسعفتكم ذاكرتكم الشريفة سيدي الوالي ، نظمنا هنا في مدينة السلام واحدا من أكبر احتفالات البشرية في هذا القرن ، زففنا فيه الآلاف من شبابنا و أطفالنا و نسائنا ، في عرس كبير كبير ، حضره العديد من الشخصيات المهمة ، بل و دعونا إليه حتى بعض الحيوانات ، و أولها القردة و الخنازير ، التي أتت و هنأتنا ، و اصطحبت معها هدايا ، و عبارات جميلة ، و مفرقعات ، أدخلت البهجة على قلوب أطفالنا هنا ! قد تستغرب أننا نزف أطفالنا مبكرا ، غير أني أخبرك أن أطفالنا لا يشبهون أطفال سيادتكم فهم يرتقون بسرعة كبيرة عجيبة في سلم الرجولة ، فلا نجد بدا من أن نزفهم إلى عرائسهم ، ليتحملوا قليلا من المسؤولية التي تحملها الأجداد ، فكما تعلم ، أو كما لا تعلم على الأرجح أيضا ، كل فرد في مدينة السلام مدينتي شارك في هذا الإحتفال الكبير ! و لا غرو أنكم شاهدتموه ، فقد حرصنا على نقله في جميع وكالات العالم التلفزيونية ، و دعونا ما استطعنا من الصحفيين ، ليكون احتفالنا أكثر جمالا و بهجة ، و حرصت أنا بنفسي أن يكون البث في قصورك أنت و زملاؤك متواصلا ، بعد أن اعتذرتم الواحد تلو الآخر عن الحضور ، كل حسب اعتذاره ، و صراحة ، قبلتها بصدر رحب ، لأنني وجدتها أعذارا تستحق القبول ، فليس هينا أن تدير الثروات و القصور و النساء و الولدان التي أنتم مسؤولون عليها ، فأرسلت أوامري باعتباري من معمري المدينة ، أن ترسل الدعوات لجنابكم الشريف أن يعينكم على ما ابتلاكم به ، و أن يديم عليكم نعمة الأمن و الأمان و الطمأنينة التي سلبتها و تسلبها منكم كل تلك النعم ! مر العرس الذي دام قرابة الشهر و نصف على أكمل ما يرام ، حتى أن المدعويين أصابتهم التخمة من شدة ما ألقمته بطونهم ، و دقت الطبول و الدفوف ، و زغردت النساء ، و خرج الرجال بالنبابيت و العصي ، فرحا بأولادهم و نسائهم ، و رجالهم ، فلا أخفيك ، أن الزواج و الزفاف في مدينتي يتخد شعارا آخر و هو : الشرف أغلى من الدم ، فجميع من زفوا ، خضعوا قبلا لكشف دقيق ، حول الشرف في قلوبهم و عيونهم ! و عدنا إلى بيوتنا فرحين ، نمسح من على جباهنا الأتربة العالقة من جراء بنائنا لبيوت من زففناهم !المهم عندنا أن كل شيء مر في سلام و سعادة و لا أخفيك أمرا ، أننا نعد في كل يوم أشخاصا للزفاف ، فمن زففناهم في العام الماضي ، أنجبوا لنا أطفالا كثر ، هم الآن في طور الإعداد ، لا تستغرب ، فكما قلت لك فأطفالنا ليسوا كأطفالكم ، ليس لأن أطفالكم أقل نضوجا منهم حاشا لله ، فقط لأن أطفالنا يتمردون علينا فنحرجهم و نطردهم إلى مسؤولياتهم الكبيرة ! فأطفال جنابكم ، أطفال لا يعقون آباءهم كما يعقنا أطفالنا !

 أتركك الآن لأن موعد عملي قد حان ، و أتى ممتهني من أجل أن يوقع بي عملية المهانة ، ، بالإضافة إلى الحفريات التي أقوم بها تحت منزلي علني أجد كنزا مدفونا أتقوى به في باقي الأيام ، فأنا رجل عجوز ، و أقول لك أخيرا ، دام ظلك و زملائك و دمت لنا حاميا ، و سندا سيدنا الوالي

 الإمضاء : هيكل شولومون

ترجمة مهدي يعقوب




  • يعقوب مهدي
    اشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة
   نشر في 02 مارس 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !




مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا