إنتحار فني 2 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إنتحار فني 2

  نشر في 21 يوليوز 2021 .

حملت الصينية النحاسية المطرزة و جهزتها كما يليق بها ، وضعت وردة اوركيد بمزهرية صغيرة لأكمل لوحة الجمال تلك

كنت امارس الفن في كل شيء من حولي ،و أجسده على طريقتي الخاصة .

كانت إيفا مشغولة و غارقة في اللوحات ،

دون ان اقاطع إبحارها ، وضعت الصينية فوق الطاولة بهدوء .

حملت ورود الاوركيد و اتجهت نحو المزهرية بالشرفة لأغير زهورها الميتة

كنت احب الاوركيد كثيرا ،كان و الياسمين من الورود المفضلة و المحببة إلى قلبي

تشعرني دائما بشيء من التجديد ، أرى فيها ذلك الإلحاح الموقد للتغيير دائما و الخروج عن النمطية التي  تقيدنا نحن البشر ..

سؤال غريب تسرب إلى عقلي و انا أزيح الورود الذابلة ، كيف عرفت باني احب الاوركيد ، هل كانت صدفة ..

لم أشارك حبي للاوركيد مع العامة من قبل ،ربما كانت ضربة حظ لا أكثر .

أخيرا عادت الحياة إلى المزهرية و انتعشت من جديد .

قلة قليلة من يمنحون للأشياء عمرا آخر و حياة ثانية نعجز نحن المقربون على منحها

هته الجميلة لا تدري بعد أنها أنقذت لتوها شخصا و مزهرية من الموت

لوحت إلي من داخل الغرفة بابتسامة

يبدو انها شرعت في احتساء قهوتها .

عدت إلى الداخل أحمل الورود الذابلة ،وضعتها بوعاء زجاجي كبير مع الكثير من الورود الذابلة ، لم يكن للجمال اندثار في نظري ، حتى و لو ذبلت الورود و فقدت عطرها ، ستضل جميلة و سيبقى لها مكانتها و معناها و سحرها الذي ربما لا يراه الجميع .

جلست بكرسي خشبي مقابل الأريكة ، وقلت لها ممازحا ، إذن بدات الحفلة بدوني..

ابتسمت ،قائلة:آسفة لقد كنت غارقة في البعد الآخر من لوحاتك ، ربما رائحة القهوة و عبقها المميز هي ما انقذني من عالمك الغريب .

وجهت نظراتي نحو الكوب و سالتها :

كيف وجدتها ؟

و هل لقهوتك وصف ، لا توصف

اكثر مما تخيلتها ، متفردة بذوقها ،مثلك تماما ، أشكرك

هذا من أناقة ذوقك ، و أضفت ممازحا لا تشكريني ، أشكري حظك

أعجبتك اللوحات ؟

لقد تمعنت فيها جيدا و المشكلة أني أحسست ان لوحاتك لوحة واحدة و أحجية لا تتجزأ ، في الحقيقة لم أكن أدري أنني سأقف عاجزة أمامها هكذا ..

قبل اليوم لم أكن أجد صعوبة في انتقاء اللوحات، أفصل في الأمر من النظرة الأولى .

ها أنا اليوم أمامك حائرة كما لم يحدث معي من قبل ، أحس أن شيء مفقود بكل لوحة ، ما جعل من مهمتي أصعب ، الغموض الذي يغلف كل لوحة ،و ربما لأنها لوحات فنان راق مثلك تظلمه الأضواء و الكاميرات و نظرات الفن الفارغة من البعض أيضا .

نظرت إلى الساعة بمعصمها و قالت :لدي موعد بعد ساعة من الآن ،و لن أستطيع إمضاء اليوم هنا في محاولات فاشلة للإختيار .

أعتذر مجددا ، يبدو أنني أخذت من وقتك ، باقتحامي الصباحي المفاجيء دون تحديد موعد مسبق .

ابتسمت وقلت لها :إطلاقا لا ،لقد كان إقتحاما مفاجئا و مميزا جدا ،جاء في وقته المناسب تماما .

وقلت بنفسي لو أنك تأخرت بدقائق فقط ، لأخذت لي صورا بالأسفل و أنا مستلق فوق سيارة الفيراري الحمراء .

يا للمهزلة .

واصلت حديثها وكنت أن منغمس بأفكاري شارد في عوالمي .

قاطعت شرودي بطلبها

لو تسمح لي بالتقاط صور للوحاتك ، كي أتأملها على مهل و أختار الأنسب بينها لمعرضي .

قلت لها هذا من دواعي سروري ، تفضلي .

أنهت كوب قهوتها و سحبت آلة التصوير و باشرت بالتقاط الصور .

كنت أراقبها وهي تلتقط الصور ببراعة ،تتمايل هنا وهناك و تغير الزوايا من حين لآخر .

كانت الجزء الذي ينقص لوحاتي ،أحسستها وهي تقف أمامها مثل خاتمة لقصة لم تنتهي ،كانت مثل القطعة المفقودة بكل لوحاتي ..

اكتملت اللوحات بذهني و تجلى المعنى بحضورها اللافت هذا الصباح .

ربما لو لحقت على بالمعرض الذي أقمته أمس ، لكانت أضافت شيئا للمعرض وربما غيرت اشياء أخرى و أكملت الجزء الناقص الذي غادر مع احداهن ذات يوم .

جلست إلى الطاولة سكبت قليلا من الماء

كانت رائحة عطرها تهزني من حين لآخر

عطر فرنسي غني عن التعريف

كنت أصطفي العطور دون أن أهتم لإسم الماركة ، أنتقي ما يناسب ذوقي

كنت أرى من الحمق أن أبتاع شيئا يعاكس ذوقي فقط لأنه حديث تلك الفئة من الأرستقراطيين من حولي .

ربما هكذا صار البعض بالفن مؤخرا يشترون إسم الفنان و ليس فنه ، غيرا آبهين للوحاته او إلى ما تلمح إليه أو تعنيه .

لم أكن أهتم لأمر العطور او أسعى لذلك

معرفتي للعطور بدأت معها ، المشكلة أنها غادرت ، و لكن عطرها بقي .

و ربما عاد للظهور أمامي في امراة أخرى

لقد كان ذلك العطر بقدر ما أسعدني في حضورها ، بقدر ما صار يخنقني في غيابها

لاحظت إيفا التغيرات و التقلبات المفاجئة التي بدت على ملامحي فجأة .

احتارت وسألتني :هل انت على ما يرام ؟

وضعت يدي على جبيني و طمأنتها ،لا تقلقي مجرد نوبات ضداع تزورني من حين لآخر .

خذ لك حبة آسبيرين أو شيئا ما يساعدك على التخلص من هذا الصداع ، او اضرب بك موعدا مع دكتور مختص ،وأضافت لتلطيف الجو ، ليس قبل موعدي بالطبع ،انا أخاف على لوحاتي الثمينة .

إبتسمت لكي لا اثير شكوكها ،انا بخير ، و لا تقلقي ستكون اللوحات بانتظارك .

أعادت آلة التصوير إلى الحقيبة ، شكرتني على القهوة التي تمنت لو توقف بها الزمن و هي تشربها ،لو كان بإمكانها تدوين ذلك الإحساس بالورقة و القلم ، ربما كانت الذاكرة أجدر بتلك المهمة الصعبة كما ذكرت .

حددت معي موعد غداء باليوم التالي ، قالت انها ستغتنم زيارتها هته للتنزه رفقة قريبتها بشوارع و مدن إيطاليا المشهورة مرورا بأهم و أبرز المراكز الثقافية بها ،إضافة إلى جولة سريعة بمعرض اوفيزي بمدينة فلورنسا الذي يضم الكثير من الأعمال لأشهر الفنانين الإيطاليين

لم يكن مزاجي يسمح لي بمغادرة المنزل إطلاقا ، حاولت اختلاق مواعيد و أعذار وهمية ، حاولت أن أرفض موعدها ، و لكنها ألحت بعينيها و ألغت بنظرة منها كل المواعيد و الأكاذيب التي لفقتها .

كان الجمال إحدى أكبر نقاط ضعفي ، بإمكان فاتنة أن تحتل قلاعي بجمالها و تبيد ممالكي بنظرة من عينيها ..

لم أستطع مقاومة إلحاحها و حضورها الطاغي .

بطريقة ما استطاعت اجباري على الموافقة ،

كانت تمتلك أسلوبا فريدا في الإقناع .

تركت بطاقتها الخاصة فوق الطاولة و قالت سأتصل بك و أعلمك بمكان الموعد ،بالطبع بعد ان اقوم بعملية فرز عسيرة للوحاتك ،

و كانها احست بي ، أضافت لا تقلق لن يكون المكان بعيدا عن شقتك ، حملت حقيبتها ،رافقتها إلى الباب و ودعتها .

اغلقت الباب أخيرا ،بعد ان ظننت أنني لن أكون قادرا على بلوغ النهاية

لقد أفسدت كل شيء بزيارتها تلك ، بعد ان عجزت عن إيجاد الدافع للبقاء ، ها قد أتى الدافع بنفسه إلي .

سكبت كوب قهوة ، توجهت نحو الشرفة ألقيت نظرة من ذلك العلو على تلك المدينة المزدحمة بقواربها .

وجهت نظري أسفل الشرفة ، تبا لقد اختفت سيارة الفيراري أيضا .

يتبع ....

#موساوي عبد الغني ♤


  • 3

  • Abdelghani moussaoui
    أنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
   نشر في 21 يوليوز 2021 .

التعليقات

Fatma Alnoaimi منذ 3 سنة
تسلسل قصصي مدهش يغري مساحة الفضول في الذهن بمواصلة الغوص في جمال تلك التفاصيل الصغيرة والقطعة المفقودة في اللوحات؛
وتخمين اسم العطر،رائحته وملامح تلك الجميلة،
وتلك المشاعر التي بدءت تتشكل في لحظات لقاء عابر.

بدا خيالي يضع سيناريوهات كثيرة للجزء القادم.
و للإنتظار نكهة شهية.
سأكون في الجوار أحمل باقة من الأمنيات الطيبة لك لمواصلة الإبداع.
حفظك الله وزادك من فضله.
3
Abdelghani moussaoui
شكرا جزيلا على تعليقك الذي قرأته مرات و مرات
أسعدني مرورك الراقي ، و تحليلك الدقيق الذي ما هو الى دليل على انغماسك و تعمقك في قصتي البسيطة
التي زادها حضورك اشراقا و توهجا ..
أتمنى لك التوفيق بدوري ، سيكون للقصة بقية بوجود المنتظرين ، أصحاب الاقلام المميزة مثلك
تحياتي

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا