ميدوسا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ميدوسا

ما وراء الطبيعة [6]

  نشر في 29 يوليوز 2021 .

[1] الحبكة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتم استدعاء رفعت إسماعيل من قبل صديقة له لمساعدتها في حل لغز يتعلق بالعثور على رأس ميدوسا أثناء كشف أثري تحول عقبه المكتشف إلى حجر.

هذه هي أقوى روايات سلسلة هادم الأساطير بالتوازي مع النداهة؛تتابع أسطوري في افتتاحية الرواية مستقى من الأساطير الإغريقية. حبكة بوليسية جيدة وظف فيها حيلة ذكية متعلقة باللغة,حيل اللغة سترجع مرة أخرى في أسطورة العشيرة. نهاية منطقية وغير متوقعة بالرغم من أنها لم تكون بالقوة المطلوبة.

أقرب الخدع -التي هدمها رفعت إسماعيل بصفته هادما للأساطير- للحقيقة مع أيقونة رعبية من الميثيولوجيا الإغريقية,في أول مغامرة لرفعت إسماعيل في اليونان. والقصة مقتبسة من الأساطير الإغريقية بواسطة أشهر فيلم اقتبس منها -ما يشكل نقطة ضعف أفلاطونية في الرواية كونها اقتباس أدبي من اقتباس سينمائي- صراع الجبابرة Clash of the Titans الفيلم العظيم الصادر في عام 1981.

ثغرة أخرى تتجلى في الحبكة متمثلة في الدعوة التي تلقاها رفعت إسماعيل؛نفس الدعوة كانت في مصاص الدماء ووحش البحيرة,لماذا يدعوه هؤلاء القوم دوما للمصائب!.

وثغرة أخرى في كون رفعت إسماعيل هادما للأساطير,حيث يعبر رفعت إسماعيل عن نفسه قائلا

-أنني مجرد هاو يبحث عن الأساطير ليهدمها.

وهو ما يوحي بأن المؤلف كان يخطط لجعل السلسلة كلها بوليسية تهدم الأساطير,وهناك شواهد أخرى تشير إلى ذلك.

1-القفزة الغير مفسرة بين الرعب المزيف والرعب الحقيقي والتردد الواضح في القصص أثناء الدخول إلى عالم الماورائيات؛تحديدا مصاص الدماء ووحش البحيرة والعساس ولعنة الفرعون والبيت. أغلبها يصعب التحديد فيها هل هي أساطير أم خوارق فعلا.

2-كتاب هادم الأساطير للكاتب وفيه حقق حلمه المبتدئ في السلسلة بهدم الأساطير التي يعتقدها الناس حقائق.

3-عشق الكاتب لكتابات أجاثا كريستي واعتبارها الأعظم وقد صرح الكاتب بذلك في مقاله المشهور بلهاء في الأقياونوسية. ولربما كان لنبيل فاروق تأثير في ذلك عليه أيضا.

4-صرّح الكاتب أنه كان يخطط للعدد الخمسين كحد أقصى لما ستبلغه السلسلة. وهو أمر يتناسب مع مخططه حول هدم الأساطير.

[2] الإيقاع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إيقاع بوليسي ممزوج بالرعب -يتخلله بعض التطويل- أقرب إلى عوالم الريادة لأجاثا كريستي وآرثر كونان دويل. ناتج عن حبكة محكمة حيث تتعقد الأمور أكثر كلما توالت الأحداث ويصير اللغز أكثر استغلاقا مع أجواء غامضة ملبدة بسحب الميثولوجيا الإغريقية,التي لم تمطر وحوشا في النهاية. بالرغم من كم الوحوش المتواجد في الافتتاحية. الصالحة كقطعة نصية متفردة بذاتها,مستقلة عن النص. تذكرني بصياغة دريني خشبة للميثولوجيا الإغريقية في ترجمته المعنونة "أساطير الحب والجمال عند اليونان". وهي مقدمة توحي للقارئ أنه أخيرا سيدخل إلى أسطورة حقيقية ليأتي رفعت ويهدمها فوق رؤوسنا وفوق رأس صديقته تابيثا. والرواية ككل اقتباس جيد من الميثولوجيا الإغريقية المظلوم حضورها والغائب ذكرها في السلسلة. بالرغم من أن فتح الصندوق الذي به رأس ميدوسا يسترجع للذهن فتح رفعت لاحقا في السلسلة لصندوق بندورا. بندورا وميدوسا هما أفظع نساء الأساطير اليونانية. (يقتبس أحمد خالد أسطورة بندورا لاحقا في رواية أخرى من السلسلة).

ونستعرض المقدمة مرة أخرى ها هنا,وهي المعنونة في الفصل بـ الأسطورة.

"تقول الاسطورة الإغريقية إن برسيوس البطل المغوار كان واحدا من هؤلاء الأبطال الذين تزخر بهم الأساطير اليونانية؛شديد الوسامة شديد البأس. وهو -كالعادة- ابن زيوس من امرأة بشرية.

وعلى حين كان إخوته من الأب يمارسون أعمالهم .. هرقل مشغول بقتل الهيدرا,وأطلس منهمك في رفع الكرة الأرضية (وهو اعتقاد شائع وخاطئ لأنه يرفع قبة السماء مشكلا عامودا فيها وليس الكرة الأرضية),وبرومثيوس معلق بين الجبال يتلقى عقابه الأبدي, وجاسون يبحث عن الفروة الذهبية؛كانت هناك مهمة أكثر تعقيدا (ولم يقل أصعب) تنتظر برسيوس.

كانت كاسيوبيا الحسناء المغرورة قد بالغت في غرورها ووقاحتها إلى درجة أثارت حنق سادة الأوليمب؛لهذا سلطوا على جزيرتها الفيضانات والزلازل. ثم جاءت الطامة الكبرى حين أرسلوا للجزيرة تنينا مرعبا اسمه الكراكون (وهو ليس تنينا بل وحش بحري عملاق أقرب إلى الأخطبوط),وكان هذا التنين يطلب -كالعادة- أن يقدموا له القرابين البشرية,وإلا أغرق الجزيرة بما عليها.

وهكذا وجدت كاسيوبيا نفسها مرغمة على تقديم ابنتها الجميلة أندروميدا لإشباع شهية التنين الشره. وهكذا كانت أندروميدا هي الضحية القادمة ما لم يحدث شيء ما.

وفي هذه اللحظة يصل برسيوس إلى الجزيرة. وطبعا يقع في حب الفتاة المختارة لقربان التنين,ويصمم على قتل الوحش لإنقاذ فتاته,ولكن كيف؟.

إن هناك طريقة واحدة لكنها أفظع من التنين نفسه .. رأس ميدوسا.

إن ميدوسا وأختيها هن أشنع ما ذكر في الأساطير اليونانية من مخلوقات(يوجد الكثير من المخلوقات الأخرى التي لا تقل هولا عنهن مثل هولة البحر سكيلا),ويسمونهم (الجرجونات الثلاث). لقد كانت ميدوسا وأختاها فتيات طبيعيات جدا حتى غضب عليهن (زيوس) فأحالهن إلى ....

أولا: تحولت الأيدى إلى نحاس.

ثانيا: إزددن بشاعة (الأحرى أن يقول تبدل جمالهن بشاعة) وصار لسانهن مشقوقا كلسان الأفاعي.

ثالثا: تحول شعرهن إلى ثعابين ذات فحيح,ولدغتها قاتلة.

رابعا: -وهذا أسوأ ما في الأمر- صارت نظرتهن كافية لأن تحول من تلتقي عيناه بأعينهن إلى حجر.

خامسا: نفين إلى جزيرة في البحر المتوسط لم تحددها الأسطورة حيث يعشن في الكهوف, وسط عشرات التماثيل الحجرية لأولئك البحارة التعساء الذين ألقى بهم الحظ العاثر على شاطئ تلك الجزيرة.

إنه عقاب قاسي لكنه ليس أقسى عقاب في الأساطير الإغريقية (وهنا يأخذ اقتطاعة ذكية لمزيد من التجوال في الميثولوجيا الإغريقية),فكما ذكرنا كان هناك عقاب بروميثيوس (يقتبس أحمد خالد أسطورة بروميثيوس بشكل رمزي في رواية أخرى من السلسلة) الذي قُيد بين جبلين وفي كل يوم يلتهم الرخ (نسر عملاق قيل أن جناحاه تحجب عين الشمس) كبده. وفي الليل ينبت له كبد جديد. وعقاب سيزيف العبثي (ما حل بـ سيزيف وبروميثيوس من الأحكام الأكثر عبثية في تاريخ الأساطير والأدب وقد ساهما في الإلهام لرائعتي شيلي وكامو فرانكنشتاين وسيزيف) الذي حكم عليه بدحرجة صخرة إلى قمة الجبل فكلما وصل القمة سقطت الصخرة للسفح. وعقاب تنتالوس (لا يقل هولا والله) الذي كلما حاول الشرب هرب الماء منه,وكلما حاول الوصول لتفاحة إرتفعت الأغصان لأعلى. (هناك عقاب مشابه نفذته طيور الهاربي فينوس -ليست الإلهة فينوس بالطبع- الأعمى). دعك من عقاب إيكو (تحولت إلى بقرة تردد نهايات الكلمات في الصدى) وبرسفونية (خطفها إله الجحيم نفسه لتعيش معه هناك). وسواهم.

والآن.

عليك يا برسيوس أن تقطع رأس ميدوسا!!

ولكن كيف؟.. كيف يمكن مواجهة مخلوق بهذه الصفات؟.. دعك من السؤال الأهم .. كيف تقتل مخلوقا دون أن تراه ..؟!..

لكن برسيوس - مثله مثل مثل هرق وثيذيوس- بطل إغريقي أصيل. يبحث عن المتاعب حيث وجدت ويحمل قدره على كفه ولا يملك الاختيار (ملاحظة نقدية ذكية),لهذا يروق كثيرا لسادة الأوليمب,ولهذا يتلقى زيارة من هرمز (رسول الآلهة) يحمل له بعض الهدايا التي تبرع بها كل من وجد لديه شيئا يتبرع به.

الخوذة التي تخفي من يترتديها,والسيف الذي لا يضرب إلا ويصيب هدفه,ثم الدرع البراق الشبيه بالمرآة. (أول بطل خارق على طراز الكوميكس الأمريكي كان في اليونان) لا بأس بتاتا.

والآن ينطلق برسيوس مع رفاقه عبر مياه البحر المتوسط قاصدين جزيرة الجرجونات الثلاث. بالطبع حدثت لهم مئات المصائب والغرائب في رحلتهم مثل ما حدث لـ جالون وأوليس العائد من حرب طروادة (اقتطاعة ذكية مرة أخرى لعرض مزيد من اللمحات من الأساطير اليونانية),ونحن لا نعرف مسار الرحلة بالضبط ولا الجزيرة المختارة لكن من الواضح أنها قريبة جدا من جزيرة كريت,ولن أطيل سرد القصة.

دخل برسيوس كهف ميدوسا وقدماه ترتجفان كالـ (جيلي) وهذا من حقه. حوله عشرات التماثيل الشنيعة لبحارة ماتوا قبل أن يفهموا ما الذي قتلهم,الوجوه الصارخة,الأكف المرفوعة. كيف شعروا في اللحظة التي خرجت لهم ميدوسا من الكهف لترمقهم بعينيها الداميتين؟. هل فهموا لحظتها أن حظهم العاثر اختار لهم -بين كل جزر البحر المتوسط- جزيرة الجرجونات الثلاث ليغرقوا عندها؟. ترى هل تألموا؟.. إذا لم يكونوا قد تألموا فلماذا صرخوا؟.

أسئلة عديدة لابد أنها دارت في رأس برسيوس ورفاقه وهم ينسلون في حذر ما بين التماثيل باحثين عن ضالتهم عالمين أن هذه التماثيل ستزداد عددا بعد دقائق ما لم تحدث معجزة ما.

(وصف رائع للرعب الذي يجحتاح أعضاء المهمة بإسلوب أحمد خالد الساخر)

إن من شاهدوا هذه المشاهد في فيلم صدام الجبابرة -والتي خلقتها عبقرية ساحر المؤثرات البصرية راي هاري هاوزن- لن ينسوا هذا الجو الكابوسي أبدا. (المقدمة تعد مراجعة للفيلم قبل أن تكون تمهيدا للأحداث) إلا أن ميدوسا لم تكن تزحف كالثعبان ولم تكن تطلق السهام. ولم تكن تعيش وحدها!.

والآن (هذه ثالث تتكرر كلمة "الآن") تصحو ميدوسا من النوم وتفح الثعابين في شعرها,فيخفي الرجال وجوههم خلف الدروع,وتصرخ.

-من ذا الذي يجرؤ على إزعاج ميدوسا؟!

فيصيح برسيوس مداريا وجهه

-أنا برسيوس,جئت لأقتلك.

وتتقدم ميدوسا -وشقيقتاها نائمتان لحسن الحظ- نحو أول الرجال فيتعثر وتلتقي عيناه بعينيها فيصرخ صرخة رعب لا توصف,ويتحول لحمه إلى حجر.

وهنا توجد نهاياتان مختلفتان للأسطورة.

النهاية الأولى: تقول إنها رأت وجهها في انعكاس برسيوس فصرخت وتحولت لحجر.

النهاية الثانية: تقول إنها تقدمت نحو برسيوس الذي استجمع شجاعته وحاسة المكان عنده ليطير رقبتها بضربة واحدة ثم يبادر بالفرار قبل أن تصحو أختاها.

إن هناك شيئا واحدا مؤكدا -إذا أمكننا أن نقول ذلك عن أسطورة- هو أن برسيوس قد قتلها, ولم يمس شقيقتيها,وأنه عاد بالرأس في كيس ليظهره أمام التنين في اللحظة المناسبة قبل أن يبتلع هذا حبيبته أندروميدا -حبيبة برسيوس طبعا وليس التنين- وليتحول الوحش إلى تمثال حجري. وتسود السعادة البلاد.

الآن (مرة أخرى (الآن) والأخيرة) حق لبرسيوس أن يستريح ويتزوج ويهنأ بالا.

أما نحن فلن نستريح حتى نعرف الإجابة على سؤالين..

ماذا حدث للرأس؟. وماذا كان مصير الجرجونتين الباقيتين؟ بالنسبة للسؤال الأول لم تتفق الأساطير على إجابته. ثمة حكايات تقول أن برسيوس رمى الرأس في مياه البحر,وثمة حكايات تقول إنه أهداه لـ حيرا / هيرا زوجة زيوس لتتخلص به من أعدائها,وثمة حكايات تتجاهل الأمر برمته تاركة ذلك لخيالنا.

السؤال الثاني ظل -وسيظل- بلا إجابة. ماذا حدث للشقيقتين؟.

والآن تعالوا نغلق كتاب الأساطير تاركين (عودة أخيرة لعالم الأساطير اليونانية) برسيوس مع عروسه الجميلة,وثيذيوس في المتاهة مع المينوطور (يقتبس أحمد خالد أسطورة المينوطور لاحقا في رواية أخرى من السلسلة),وديدالوس يرفرف بجناحين من شمع مع ابنه إيكاروس الذي أرجو ألا يقترب كثيرا من الشمس. (يقتبس أحمد خالد أسطورة إيكاروس بشكل رمزي في رواية أخرى خارج السلسلة) تعالوا نترك كيوبيد وبسشيه يتهامسان, وشارون مبعوث الجحيم مع كلبه ذي الرأسين.

لنترك هذا العالم الساحر ونعود إلى أرض الواقع.

إلى الجزيرة الصغيرة الهادئة حيث يقوم عالم الآثار اليوناني ستافروس دندرينوس ببض الحفريات,وحيث ستحدث كارثة بعد قليل.."

ويؤكد على حضور الأسطورة إسلوب تداعي الأفكار المميز في السلسلة,والعبارة الحاضرة فيه هي

"تري هل تألموا؟.. اذا لم يكونوا قد تألموا فلماذا صرخوا؟".

[3] الخطاب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما تبينا في النداهة فالمرأة لها حضور مخيف شيطاني في الأساطير حول العالم,وفي ميدوسا أسطورة تجمع بين المرأة والعين. العين الشيطانية / السحرية لها حضورها العالمي أيضا. فنجد لدى الغرب في مهدهم الإغريقي؛ميدوسا والسايكلوبس,وحتى أودين الأعور من الأساطير الإسكندنافية. وفي حاضرهم نجد العين الماسونية. ولدى الشرق نجد أماتيراسو التي ولدت من عين الآلهة. وعند العرب نجد الحسد والمسيخ الدجال.

وميدوسا حاضرة في الثقافة نجد ذكرها في عدد من من الأعمال,مثل جحيم دانتي اليجيري في الكوميديا الإلهية,ومن ثم الجحيم لدان براون. ولا نحتاج للتعريف بها فقد فعل على الكاتب في مقدمته المذكورة أعلاه.


نشر سابقا في (لأبعد مدى)



  • رايفين فرجاني
    ناقد أدبي وسينمائي نشر عدد من المقالات على الشبكة,وكاتب روائي يعمل على عدد من الروايات والقصص القصيرة التي لم تنشر بعد.
   نشر في 29 يوليوز 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا