ملحمة الفهم والتفسير 2 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ملحمة الفهم والتفسير 2

الجزء الثاني : الفكر العلمي التجزيئى

  نشر في 06 مارس 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

ظل الأنسان معتمدًا على طريقتين لتفسير وفهم الواقع الذى يعيش فية . المصدر الأول << التجربة والخطأ Trial and Error >> أو بمعنى أخر الخبرة العملية التى يحصل عليها من فشله ونجاحاته و أسلوبه فى التعامل مع المشكلات اليومية والتساؤلات الملحة . والمصدر الثانى <<منظومة الفكر الأسطورى >> الذى تحدثنا عنها فى المقالة السابقة . بما تحتوى من تصورات وتهيؤات أبدعها خيال الأنسان ووضع لها وسائل لتحافظ عليها وتنتقل بأمان إلى اجيال أخرى عن طريق تقديسها .

ورغم قوى هذة المنظومة إلا انها بدءت فى التآكل ، بسبب أحد الحركات الفكرية التى قامت مع بداية القرن الخامس عشر وأستمرت حتى القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر . حيث تشكلت هذة الحركه من ثلاثة دعائم رئيسية : حركة الاجتهاد الدينى و الحركة الإنسانية والحركة العقلانية . وفى قلب هذه الحركة كان ميلاد 'منظومة العلم الحديث ' فى صورتة الاولى .

العلم (تمهيد) ثورة الفكر الكبرى : شهد تاريخ الأنسان العديد من النقلات الفكرية والتحديثات العلمية عبر العصور المختلفة ، ولكن أكثرهم أثرًا حدثت فى مطلع القرن السابع عشر ببداية ظهور 'منظومة العلم الحديث ' كامنظومة ذهنية تتيح للأنسان تصور أفضل حول أموره . فما إن قارب تحديدًا القرن السادس عشر على الانتهاء حتى بدءت ملامح هذة الثورة فى التشكيل . وكانت الثورة هى 'الثورة العلمية ' والتى سبقها عدة عوامل أدت لظهورها ، مثل : الرغبة فى حيازة القوة ، النظر لموضوعات الطبيعة كامواضيع تحتاج للبحث والتقصى ،وأخيرُا تطورت أدوات البحث والتجريب . ويتم تسجيل أوائل الرواد وأعمالهم ، ومن ابرزهم فرانسيس بيكون Francis Bacon مؤلف الـ << أورجانوم الجديد Novum Organum >> ، جاليليو جاليلى Galileo Galilei صاحب <<حوار حول النظامين الرئيسيين في العالم >> . رينيه ديكارت Rene Descartes ومؤلفاته العديدة . أذا قمنا بالتركيز على هذه الإنجازات سوف نصل إلى السبب والمفتاح الرئيسى للوصول إليها وهو ' منهج التفكير العلمى ' القائم على ثلاثة ركائز :

الإمبريقية : وتعنى الاعتماد على الشواهد المحسوسة ، أو بمعنى أخر مرجعية الواقع .

العقلانية : وهى كما تعنى أستخدام العقل وأدواته ، كالتفكير المنطقى وتحليل الشواهد الإمبريقية وأستخلاص النتائج منها .

الشك : وهى من أهم الركائز الأساسية , حيث أنة يجب إخضاع المعرفة دائمًا للشك والنقد بهدف التأكد منها أو لتعديلها وهى أيضًا من أحد الوسائل لإنتاج معرفة جديدة . <<فالمعرفة العلمية هي تلك المعرفة القابلة للـ ' تنفيذ Falsifiability طبقًا لفليسوف العلم الشهير كارل بوبر Karl Popper >> . أيضًا عنده المنهج العلمى هو ' منهج صياغة الفروض الجزئية والمحاولات البارعة والعنيفة لتنفيذها ' (Popper , 1965 ) .

وهكذا ولدت منظومة العلم كامنظومة تعلم ومنظومة معارف تسعى للكشف عن المزيد من اسرار الكون واحوال المجتمعات .

العلم كامنظومة تعلم :

تُعرف موسوعة أستانفورد للفلسفة العلم بأنة ' أى نشاط ممنهج ومنضبط ، يسعى وراء الحقائق المتعلقة بعالمنا ، ويتضمن قدرًا كبيرًا من الشواهد الأمبريفية ' ( Plantinga , 2008 ) . او بمعنى أخر إذا نظرنا للعلم على انة مباراة عقلية ، سوف نجد غن تلك المباراة تستخدم أدوات ذهنية معينة وقواعد محددة .مباراة بين الانسان والواقع الذى يرد أستكشافة أو بين الأنسان والأنسان للحصول على تلك المعرفة .

ويقوم العلم ع غرار تلك المنظومة بإنتاج المعرفة . ولإتباع عملية انتاج المعرفة يجب دراستها من ثلاثة جوانب .

الاختزالية Reductionism ،والتكرارية Repeatability ، والأختبارية Testability . دعونا نبسط هذه الأعمدة الأساسية لبناء منظومة المعرفة .

الاختزالية Reductionism : والأختزال هنا يعنى تبسيط الموضوعات لتسهيل فحص كل منها على حدى . يشبة الأختزال عملية قراءه الكتب فإذا كان حجم الكتاب كبيرًا وانت تريد فحصة بدقة سوف تقراء يومًا فصل او صفحات قليلة منه وتستخرج النقاط الأساسية والمهمة ، ثم تكمل فى اليوم الثاني بعض الصفحات وهكذا .

ولمفهوم الأختزالية ثلاثة أوجه مختلفة التفكيك (التجزئة أو التحليل ) وهذا الوجه يعتامل مع التعقيدات الشديدة ، والتشابُكات بأنواعها ويركز هذا المنهج على <<الأفتراض الكارتيزى Cartesian Assumption >> والذى معناه ان << خصائص وسلوك الجزء الذى فصل عن الكل الذى يضمة لا تتأثران بهذا الفصل >> وبعيدًا عن دقة هذا الكلام وصلاحيتة ، لأن الوجه الثانى سوف يحلل هذه النقطة . والذى هو التجريب والذى يعتمد على فحص الموضوعات عن طريق التجربة والمشاهدة وأستنباط النتائج أو أستقراءها ، وعملية التجريب هنا قدم تحتاج سلوك الشئ كاجزء لتكون التجربة بعيدة عن اى غموض و تعقيد . والجانب الثالث والاخير لمفهوم الاختزالية ، هو التفسير وهذا الجزء خاص بنتائج عملية التجريب ، حيث يعتمد على أستخدام أقل عدد ممكن من الأفتراضات عند شرح أو تفسير النتائج التى تم الحصول عليها . ويقوم هذا الأستخدام على مبدء شفرة أوكام الذى وضعه ويليام أوكام وينص فى إحدى صيغة << عندما تتوافر عدة تفسيرات محتملة لنفس الظاهرة ، ينبغى اختيار أبسطها >>.

التكرارية Repeatability : ومعنى التكرار هنا هو حرية العمومية للعلم ، بمعنى انة بما إن المعرفة العلمية معرفة عامة إذًا لا يتوقف قبلها والأقرار بصحتها على شخص أو مجتمع بعينة . فقبول _على سبيل المثال _ قانون التربيع العكسي ليس محل تقديرنا الشخصى ولا إعجاب ببساطته بل إنه تلازم وتواتر للنتائج ، التى تنبأ بها القانون .اى العمومية . وهنا وبمعنى أخر المعرفة العلمية تنص على إن ما يحدث فى تجربة مهما كان مكانها وزمانها لابد وإن تتكرر النتائج مع أختلاف التفسيرات أو الزوائد ولكن النتائج الاساسية تظل ثابتة . وبالطبع تختلف المعرفة العلمية العامة عن المعرفة العلمية الخاصة التى تعتمد على كافة المعارف البشرية الاخرى ، التى تعتمد على خصوصية الانسان فردًا كان أو مجتمع .

الأختبارية Testability : يرتبط المعنى أرتباطًا وثيقًا بالمقارنة العلمية لمحاولة الكشف عن أسرار الطبيعة عقلانية كانت أو أمبريقية . وهنا ينبغى التميز بين نوعين من التجارب العلمية : التجارب البيكونية Boconian Experiments والتى هدفها جمع الحقائق عن طريق المشاهدة والملاحظة والقياس الدقيق للمعطيات وتسجيلها . والتجارب الجاليلية Galilean Experiments التى تسعى لأختبار الفروض النظرية والتمييز بين التفسيرات المحتملة لظاهرة ما .


العلم كامنظومة معارف :

ان المعرفة العلمية هى مجموعة الحقائق المؤقتة والقابلة للتنفيذ ، التى تصف ظواهر الواقع وتحاول تفسير اسباب حدوثها وسلوكها . تتمتع المعرفة العلمية بالعديد من الخصائص التى تميزها كامنظومة تعلم . 

التواصلية : والتى تعنى تواصل تلك المعرفة العلمية القديمة مع المستجده وأعطاء وصف شامل عن موضوع البحث ، فهو قد يكون أضافة لمعطيات جديدة أو لنظريات مبتكرة . وقد يكون نقدًا أو تعديلًا .

المشاعية : التى تجعل المعرفة العلمية معرفة عمومية للانسانية ينتجها البعض ويتاح للبعض الأخر التأكد من صحتها . وتنشأ هذة الخاصية كمحصلة للعديد من الصفات الجزئية ، التى تتميز بها المعرفة العلمية  مثل طبيعتها اللاشخصية التى تجعلها غير مرتبطة بأشخاص أو مجتمعات .

التجددية : النابعة من أنة لا يوجد فى عرف العلم حقائق نهائية لاتقبل المناقشة والتعديد ، فهى منظومة منفتحة تقبل تصحيح وتعديدل كل ما يثبت خطأه ، او ما يتأكد عدم فعاليتة من الحقائق . وهذا ما يطلق علية مبدء التنفيذ Falsifiablity الذى يؤدى بالضرورة إلى انة <<لا عصمة للمعرفة العلمية >> . فهى ليست معصومة من الوقوع فى الخطأ .

كانت هذة ملامح << منظومة العلم الحديث >> فى صورتة الاولى التى شكلت اهم الاسس التى قام عليها المجتمع الحديث مجتمع << حضارة الصناعة >> وهى المنظومة التى تتمتع بقدر كبير من التطور والتجيد .






   نشر في 06 مارس 2016  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا