قبل البدء أتقدم باسمي الخاص لكل زملائي في قطاع الصحة دون استثناء و أسأل العلي القدير أن يحفظهم الله ويرعاهم برعايته.
لا يزال موضوع فايروس الكورونا يسيل الكثير من الحبر و يطرح العديد من الافتراضيات ليخوض كل فيه بحسب تخصصه، و قد تطرقت لهذا الموضوع في مقالات سابقة في صحيفة أخبار اليوم الجزائرية و كذا صفحة المسير الاستشفائي التي أتقدم لها بشكر خاص لما يبذله مسيروها من جهد في سبيل إيصال المعلومة لمستخدمي و مهني قطاع الصحة .
لعل الملاحظ في طريقة تناول موضوع فايروس كورونا أنه تقريبا لا دولة وجدت التفسير الحقيقي لمصدر الفايروس و هل كان مؤامرة أم أنه وباء يصيب المعمورة كباقي الفايروسات التي ظهرت منذ قرون خلت ، لكن ما شد انتباهي في الجزائر أن قطاع الصحة حررته كورونا ليس بتغيير جذري كما نتمنى كلنا و لكن نوعا ما رُفعت قيود كانت في السابق لا تُرفع ، و لربما لا يُسمح برفعها و لا نعرف السبب تحديدا ، بالأمس كان الالتفات لقطاع الصحة ضئيل و لا يظهر في ساحة تحديث البحث العلمي أو في ساحة التجريب للقاح ما مثلا أو في ساحة تبادل خبرة تجريبية لمشروع ما مع دولة أخرى ، بخلاف التبادل المُشاهد بين دولة الجزائر و دولة كوبا ، لكن هذا لم يكن كافيا لأن الأصل هو مد الجسور بين الدول العربية المتفوقة في الطب بحكم الارتباط التاريخي و لكن لم نلمس شيئا من هذا القبيل ، لا علينا .
من جهة ، بدى أن صراع الأطباء بالأمس في مسيرات للمطالبة بتحسين نوعية الخدمة المدنية و بتوفير الوسائل ضرورة لتدخل كورونا اليوم في أن تُقر بأحقية هذا المطلب ، ثم أجور عمال الصحة مقارنة بقطاعات أخرى لا وجه للمقارنة لضاءلتها و بحضور و تشريف كورونا من تقدم لميدان الخطر هم مستخدمو الصحة ولم يتقدم مستخدمي سوناطراك أو أصحاب قطاع التعليم او أي قطاع آخر ، بمعنى أن كورونا جاءت لتنصف و لا أقول لتغير لأن التغيير متوقف على إرادة صانعي القرار و على مدى استعداد مستخدمي الصحة في أن يتجندوا صفا لصف لبناء وطن ، يعني في عصر كورونا لا داعي للالتفاف حول الأحقاد و مساوئ الماضي ، و ان كنت ذكرت نوعا من هذا الماضي في قطاع الصحة فهذا لأبرز ما فعلته كورونامن كشف اللثام عن النقائص التي يجب الانتباه اليها و بصدق ، و التغيير ليس متوقفا علي كورونا لأنها كانت مجرد سبب رباني و علينا جميعا كل بحسب درجة مسؤولياته و مهامه أن يقدم ما عليه من استطاعة ، صحيح كان فيه سلب للحقوق في عصر ما مضى و كان فيه تسويف للأمور و كان فيه عدم انصات للمقترحات و للطلبات و التي معظمها تناولتها في مقالاتي السابقة و يمكنكم الرجوع اليها ، لكن الشيء الذي لم أفهمه لحد كتابتي لهذا المقال :
لماذا من بيده القرار لا يريد تحضرا للقطاع من جذوره ؟ لنقول أن المنظومة الصحية اليوم بحاجة الى تغيير جذري و عميق بشكل لافت للأخذ بعين الاعتبار مقومات الشعب الجزائري الذي تنتمي له فئة مستخدمي قطاع الصحة في أمانيهم و آمالهم كونهم يريدون بيئة مهنية متوازنة و معتدلة من حيث الحقوق في المساواة في نيل الرضى النفسي و المعنوي و من حيث تجهيز المستشفيات بما يلزم من معدات ووسائل و من حيث تحيين القوانين لتأخذ مجراها الآن ، و كورونا أنصفت أطباءنا و ممرضينا بقدومها للجزائر و كأن لسان حالها يقول لهم : كان لكم الحق في الماضي حينما ناديتم بحقوقكم ، فحتى السلاح الذي سيُستخدم ضدي لن يكون دبابة أو رشاش أو تحية عسكرية للقضاء علي بل يجب توفر تقنية بيولوجية تبحث في مكنونات RNA لـ(DNA الحمض النووي) ، يعني ما كان ينادي به علماء الصحة في الخارج من ضرورة احداث تغيير في النظام الصحي معناه أنه كان في حكومتهم نظرات استشرافية توقعت ظهور هذا الفايروس بسبب ارتباط الاقتصاد و الصحة لديها بالجانب السياسي ، لأن العلم يتطور و مع تطور العلم لابد من تطور الذهنيات و كذا آليات العيش و العمل من خلال اقحام نظام التقنية فيما يسمى بالصحة الرقمية ، و أعتقد أن مشكل المنظومة الصحية في الجزائر هو غياب المصداقية و الاستمرارية في إتمام أي مشروع يُطرح على ساحة القطاع الصحي ، ثم طريقة التغيير كانت تبدو في تغيير المدراء و المسؤولين على مستوى المستشفيات و هذا ليس بتغيير بل مجرد تغيير أصحاب مناصب فقط تطبيقا لفكرة تجديد و ضخ دماء جديدة لكن هذه الدماء الجديدة لم تجد لها البيئة الملائمة و المناسبة لتتوافق إرادة العمل مع طموح الإنجاز ، كان فيه اختلال و سوء تسيير و لابد من الوقوف وقفة مصارحة فيما بيننا لنفهم ما الذي أحدثته كورونا في قطاع الصحة بالجزائر .
ثم منحى التعامل مع كورونا لا يزال تقليديا في بعض جوانبه باتباع بروتوكول علاجي اتبعته دول مثل فرنسا و أمريكا، لكن الجزائر لم تبحث لها عن بروتوكول و بعقل جزائري و بتخمين جزائري و هذا ما يُوضح أن كورونا أنصفت في البدء مستخدمي الصحة و بينت أنها أقوى من كل المجهودات المبذولة لأنه فايروس قاتل و معروف عليه سرعة الانتشار لكن العقل الجزائري بقي تقليديا في التصدي له من خلال الاكتفاء بإحضار كمامات و بعض المعدات و هذا أراه اجراء ناقص و غير دقيق لن يكون كافيا في مجابهة أي حرب بيولوجية قادمة ، لأن كورونا بعد أن أنصفت أطباء الجزائر و ممرضيها بقولها أنهم مجاهدون حقيقة و أنهم هم من يُسند اليهم الأمر في حالة الخطر المفاجئ ، هذا يريح نوعا ما عمال قطاع الصحة بالجزائر لكن كورونا بعد انصافها تبقى تبحث عن علاج أو لقاح أو دواء من صنع جزائري و هذا هو السؤال الذي سيُطرح بكثرة مستقبلا :
هل المنظومة الصحية الجزائرية قادرة على فك لغز أي فايروس مستقبلا؟.
صحيح طريقة الحجر الصحي هي من السنة و ما كان من السنة لا يلغيه عقل أو يُشكك فيه ناطق يخالف السنة النبوية ، لكن اُصنف جائحة كورونا بالنازلة لأنه لحد الساعة الجزائر لم تعرف مصدره الحقيقي و لا علاجه الحقيقي و تبقى التبعية هي من تسطر بروتوكول العلاج بالجزائر لتظل كورونا تُصر على ضرورة أن ينهض العالم العربي من كبوته و لا يعتمد على الخارج في بحور العلم و الاكتشاف لأن هذا الخارج قد يستعمل العلاج كطعم بمقابل الترخيص باقتنائه شيئا آخر ثمينا في الجزائر يعني أي دولة من الخارج لا تمنحنا لقاحها بدون مقابل ،فسؤالي يتكرر دائما :
متى تنتهي الجزائر من التبعية ؟ ، ليبقى انصاف كورونا لقطاع الصحة الجزائري انصاف رباني عادل فحتى من يموت اليوم بسبب كورونا يُعتبر شهيدا و من لا يزال في الميدان يكافح كورونا هو مجاهد و من قيبي في البيت هو الآن في مراجعة مع نفسه و لأعماله و لإنجازاته و لعلاقته بربه خاصة ، يعني في كل الأحوال هناك إيجابيات عديدة لكورونا ، و من حسن الشكر لقدر الله ان يُقابل بشكر مثله ، لأتساءل :
أين علمائنا من الميدان في تجريب العلاج و من أصل جزائري ، و قد يقول لي البعض فيه علاج الدكتور بوناطيرو ، حقيقة السيد لا أعرفه سوى معرفتي أنه مختص في علم الفلك ، ما يجعل بعض الأسئلة حول تخصصه و علاقته بكورونا ، لكن هذا لا يمنع أن تُعطى فرصة للمجموعة التي معه ان ما كان تخصصها في علم الفايروسات و المناعة أو تخصص في بيولوجيا الحمض النووي ، يعني ذهنية الاكتفاء بما كان سابقا في عدم فتح الأبواب كطريقة مستمدة من منهج مُتبع في الماضي ، هذا لن يخدم الجزائر على المدى القادم الا بشرط واحد و هو توقف العولمة لكن هذا أيضا ليس حجة أو ذريعة للاطمئنان أن عهد الفايروسات ولى ، لأن الدول التي تسعى للعالمية في الحكم و السيطرة ستظل تبحث لها عن آليات لإضعاف جيرانها من الدول المنافسة لها، و على الجزائر أن لا تبقى بعيدا بتقوقعها على نفسها بل الواجب الاستشرافي يُلخص لها الكثير مما يحدث في العالم و يعطيها نتيجة ما تسعى اليه منظمة الصحة العالمية مع الدولة التي لها مصلحة في نشر فايروس كورونا ، و هو ما سيكون مضمون مقالي القادم بحول الله تعالى .
فعلى صانعي القرار في الجزائر و بعد انصاف كورونا لقطاع الصحة الجزائري أن يقوموا بعملية تصحيح أولا للأخطاء و بعدها الاستماع للمبادرات و فتح الأبواب و القنوات أمام من تتوفر فيهم المصداقية و الوطنية، و اُركز على الوطنية لأن الغير وطني لن يخدم لنا وطن في ظل الجمهورية الجديدة التي ما زلنا نحلم بتحقيقها في الميدان حقيقة و ليس مجرد مسمى.
ألقاكم على خير و عافية و بمعنويات مرتفعة بالإيمان و اليقين بالله ..ثقوا زملائي أنها أزمة و تمر ككل الأزمات على وجه الأرض ، فقط علينا باستخلاص العبر و الدروس و تفعيل قيمنا تجاه بعضنا البعض في التسامح و التضامن و التآزر و نبذ الأحقاد حتى فيمن كان سببا في إيذاء موظفي قطاع الصحة في الماضي ، يجب أن نكون على خلق نبينا و من أذانا فله الله يكفيه ،لأن الجزائر بحاجة الى صفاء قلوبنا في هذه المحنة ، ووقتنا يجب أن لا نضيعه في الحسابات بل في معية الله بالدعاء و التضرع و المعنويات التي تسُخلصنا من الوهن و الضعف و الفشل..نحن أمة مسلمة لا تعترف بالمستحيل و ما تأخر حضوره في تغيير المنظومة الصحية في الماضي يكفي أن كورونا أنصفت مستخدمي القطاع ووضحت أنهم القلب النابض للأمة الجزائرية للتصدي لأي خطر صحي ، و عليه وجب على صانعي القرار الالتفات الان وفورا للحقوق المهمشة و المُضيعة و استدراك ما يُمكن استدراكه قبل فوات الأوان .
تقبلوا تحياتي أينما كنتم عبر ربوع الوطن كله و حتى خارج الوطن .
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية