الانتخابات البرلمانية في لعبة الصراعات السياسية الداخلية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الانتخابات البرلمانية في لعبة الصراعات السياسية الداخلية

  نشر في 07 ديسمبر 2015 .

الانتخابات البرلمانية هي أحد الاستحقاقات الديموقراطية التي تمكن نواب الشعب من مراقبة الحكومة، وتشريع القوانين، وإقرار السياسة العامة للدولة، وهي مثال للديموقراطية غير المباشرة، التي من خلالها يتم بناء أحد أعمدة النظام السياسي؛ لضمان استمراره واستقراره.

هذا بالنسبة في الدول المستقرة ديموقراطيًا والتي وصلت لمرحلة الترسيخ الديموقراطي، أما في (أغلب) دول العالم الثالث التي إما تمر بمراحل تحول ديموقراطي، أو مازالت تعيش في كنف الاستبداد والطغيان، فإن تلك القواعد تختلف لتشكل بطريقة ذاتية قواعد جديدة تحكم العملية السياسية بداخلها، سواء ما يتعلق:

أولًا: بعملية التحول الديموقراطي عمومًا وما يرتبط بها من استحقاقات ديموقراطية، سواء كانت انتخابات رئاسية أو برلمانية، وهنا نركز على طبيعة المخرج الناتج عن هذه العملية، فتاريخيًا نتجت عمليات التحول في تلك الدول عن ظهور ما أطلق عليه النظم السياسية الهجين (Hybrid Regimes)، وهي نظم تشكل مزيجًا بين مظاهر ديموقراطية ومظاهر غير ديموقراطية، تأخذ شكل الديموقراطية دون جوهرها، وقد ظهر هذا المصطلح مع الموجة الثالثة من التحول الديموقراطي في دول جنوب وشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا وأفريقيا، ويتم التأريخ لها منذ بداية الثورة البرتغالية (1974) حيث أخرجت أغلب حالات التحول في تلك الدول في هذه المرحلة نظمًا هجينة.

وبرغم أن الانتخابات الحرة والنزيهة تمثل أحد آليات النظام الديموقراطي، إلا أنها ليست كافية لقيام نظام ديموقراطي حقيقي والتي تتطلب تعددية سياسية، وتداولًا سلميًّا للسلطة، وفصل بين السلطات وتحقيق التوازن بينهم، وسيادة حكم القانون، وتحقيق الرقابة والمساءلة، ووجود مجتمع مدني قوي، وكفالة الحقوق السياسية والحريات المدنية لجميع المواطنين.

ثانيًا بالانتخابات البرلمانية على وجه الخصوص؛ نظرًا لما تلعبه من دور مركزي في الصراعات السياسية الداخلية في دول العالم الثالث بالأخص الدول العربية، وهنا يمكن الإشارة لحقيقتين تتعلقان بهذه الانتخابات:

الحقيقة الأولى تتعلق بدور هذه الانتخابات في استقرار أي نظام سياسي واستمراره، فجزء من فلسفة هذه الانتخابات أنها تسعى لاحتواء المعارضة داخل أروقة البرلمان، بدلًا من أن يكون البديل الشوارع والميادين؛ لتكون منفسًا لها تعبر من خلاله عن أوجه ونقاط معارضتها للحكومة؛ وبالتالي أي نظام حاكم يحاول أن يتخذ الإجراءات والقوانين الانتخابية التي تمهد لوصول بطانته ومؤيديه فقط للبرلمان، فإنه يضع استقرار حكمه على المحك، ليس فقط لإفتقاد البرلمان للمعارضة الجادة التي توضح أوجه الخلل؛ بل لأن الشارع أصبح البديل الوحيد أمامها للتعبير عن معارضتها وغضبها.

ولنقم مقارنة بين انتخابات برلمان 2010 وانتخابات 2005 في عهد مبارك، ونطرح سؤالًا لماذا لم تقم الثورة في 2005 بدلًا من 2010 برغم تطابق الظروف والمعطيات؟ إن الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بحديثنا عن دور البرلمان في احتواء المعارضة، لا أقصد هنا أن التزوير الفج في انتخابات 2010، واستحواذ الحزب الوطني آنذاك على مقاعد البرلمان هو سبب قيام الثورة، إنما هو أحد العوامل بجانب عوامل أخرى أدت لقيام الثورة، على عكس انتخابات 2005 التي سمح النظام في ذلك الوقت للإخوان بـ80 مقعدًا برغم قدرة الإخوان على الحصول على أكثر من ذلك، لكن النظام في هذه المرة قوض من قوتهم، أما في 2010 فإنه منع هذه القوة.

إن الأنظمة السلطوية الاستبدادية تحتاج أيضًا لقدر من الإدارة السياسية الحكيمة، تمكنها من الحفاظ على سلطويتها من خلال ترشيد هذا الاستبداد، فلابد لكي تحافظ على ديمومتها أن تحافظ على الحد الأدنى من المشاركة السياسية والمجتمعية لمكونات المجتمع العاملة في الميدان السياسي والمجتمعي، ولقد سار مبارك على هذه القاعدة مكنته من الاستمرار 30 عامًا، ثم قامت ثورة خلعته من منصبه بعد خروجه عن هذه القاعدة بالتأكيد مع عوامل أخرى.

الحقيقة الثانية وهي تتعلق باستغلال الأنظمة غير ديموقراطية الاستحقاقات الديموقراطية بالأخص الانتخابات البرلمانية كأداة من أدوات الصراع السياسي الداخلي، بمعنى قيام تلك الأنظمة بإجراء انتخابات برلمانية في ظل أجواء سياسية غير صحية وغير مناسبة لهذه الانتخابات، وتفصيل قوانين تضمن وصول مؤيديهم قبل معارضيهم للبرلمان، والتضييق على منافيسهم أثناء حملاتهم الانتخابية، ثم تستخدم هذا البرلمان من أجل إثبات شرعيتها المنقوصة في الخارج، وقمع المعارضة في الداخل من خلال سلاح التشريعات.

إن إجراء أي استحقاق ديموقراطي في أجواء كهذه، واستغلالها بتلك الطريقة في مواجهة المعارضة، يؤدي في النهاية لخلل في النظام السياسي وفراغ سياسي؛ نتيجة لغياب سلطة تشريعية حقيقية تحفظ الاستقرار والتوازن داخل هذا النظام، والمنطقي أن أي استحقاق سواء كان برلمانًا أو دستورًا أو رئاسة يجب أن يتم في ظل توافق وطني، توافق حقيقي على قواعد اللعبة السياسية، وبالتالي فإن توقيت تأسيس تلك المؤسسات يكون في نهاية الصراع بعد أن يتم حلحلته نهائيًا، ومخرج لكل تلك الأزمات، إنها الخطوات النهائية بعد حل الأزمات السياسية الداخلية؛ حتى تتمتع بقدر أكبر من التأييد والشرعية، بما يضمن استقرارها واستمرارها.

وبالتالي يمكننا القول أن البرلمان المنتخب مؤخرًا في مصر هو أداة من أدوات الصراع السياسي في يد السلطة ضد معارضيها داخليًا، ووسيلة لتجميل شرعيتها خارجيًّا، أسس في ظل أجواء تتسم بعدم الاستقرار السياسي بعيدًا عن الحد الأدنى من التوافق المجتمعي والسياسي، وبالتالي فإن هذا البرلمان سيعمق من حدة الانقسام الداخلي من ناحية، وسيفتقد لميزة احتواء المعارضة مما سيضطرها للبحث عن البديل في الغالب هو الشارع من ناحية ثانية، كما أن عمر هذا البرلمان سيكون مرهونًا ببقاء النظام الحاكم من ناحية ثالثة؛ لأنه لم يتم انتخابه كسلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية، بل بتدخل فج ومدروس ومتعمد من أجل أن تكون النتيجة هذا البرلمان العقيم، وبالتالي ينظر إليه باعتباره أحد أدوات النظام وليس كسلطة مستقلة، فضلًا عن أن عمر هذا البرلمان قد يكون أقل من عمر السلطة الحاكمة، هذا في حالة إذا ارتأت في هذا البرلمان معارضة قوية لها، وذلك من خلال طرق غير مباشرة كعدم دستورية قانون الانتخابات على سبيل المثال لا الحصر.


  • 3

   نشر في 07 ديسمبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا