لربما تساءلنا أحيانآ،
أليس من العدل أن يمنحنا الله بيئة تعيننا على طاعته.
ليس اعتراض على قدره، و إنما هي تساؤلات نحاول من خلالها أن نفهم الحياة ونحرك الماء الساكن ونشفي غليل ذلك السؤال الذي يحز في خاطرنا دومآ " لماذا يحدث هذا معي!".
هل ظروفنا تجبرنا على ردات أفعال معينة أم هي فقط تخرج مافي صدورنا من خير و شر. وهل حقآ يمكننا الشعور بذاك الخير والشر وأن نعرف حقيقة أنفسنا.
مدرستان مغايرتان تفسران سلوك الإنسان في الحياة :
الأولى/ أنت لست سيئا في الأصل، الحياة القاسية و ظروفك التي مررت بها هي ما أنتجت سلوكك الحالي. ولو مررت بأحسن منها لكان سلوكك أفضل.
الثانية/ أن مجريات الأحداث دورها تهيئة الفرصة لإخراج مافي نفسك، هي فقط تسمح لذاتك الحقيقية بالظهور فوق سطح الماء. لقد كانت بذرة السوء فيك حتى وأنت صغير، الفرق فقط أن الظروف حينها لم تكن سانحة لمارس حقيقة نفسك.
هناك فيلم شاهدته مؤخرآ يحكي شيئا من هذا التصور.
شاب وفتاة فقيران يحلمان بالزواج بعد أن ينهي الشاب دراسة الكلية. كانا يقولان أنهما شرفاء ويملكان ضمير حي وصادق. أو هذا ماكانا يعتقدانه.
دارت الأيام، أما الفتاة فاغتصبها صاحب العمارة لأجل ألا يطردها مع أمها وإخوتها الصغار بعدما تخلفوا عن سداد الإيجار لمدة طويلة. ثم تورط الشاب بجريمة قتل صاحب العمارة وأدخل السجن للإعدام. وعادت الفتاة من جديد واغتصبها مدير الشركة لتوقن أن خروجها من هذا الوحل بات مستحيلا.
يا لهذه النهاية المحزنة. هل كان ذلك ذنبهما أم أن الأقدار قادتهما لتلك الحال. بعد نهاية الفيلم رحت أتسائل ماذا لو أن الشاب قد تخرج وتوظف ثم تزوج الفتاة كيف سيكون الحال، ثم ماذا لو أنجبا أطفالا رائعين وربوهم بطريقة جيدة وعاشوا حياة سعيدة. هذا السيناريو كانا يتمنيان حدوثه وكان بالإمكان حدوثه لهما. لكن المخرج كان له وجهة نظر أخرى لقد أراد لهما نهاية مختلفة. نهاية مؤلمة. شاب قاتل في السجن وفتاة مومس دنست عرضها. هل كانا يظنان أنهما يحملان بداخلهما هذا الشر، أو ربما كانا يعتقدان أنهما أنقى من تلك الأوساخ و أطهر من تلك الظلمات.
كنت أعتقد أن للظروف تأثير قاهرآ على ردود أفعالنا. أما الآن بت أميل إلى أن الظروف لا تخرج إلا مافي نفسك، دورها فقط أن تهيئ الظروف لتظهر حقيقتك التي أنت ربما لا تعرفها عن نفسك. إن بداخل كل منا بذرة إما خير أو شر، حتى صاحبها قد لا يعلم عنها. هذا مخيف أليس كذلك!!.
ويبقي تساؤل يلوح في الذهن، هل يعلم المجرم بشره، هل يحس بتلك البذرة السوداء بين جنبيه ويعلم بها. أم تراه يظن أنه حمل وديع وإنسان شريف وأن معاني الخير والصلاح تتجسد فيه.
هناك حلقة مفقودة لم أجدها بعد و أسئلة محيرة لم يعرف جوابها أحد وتفاصيل مبهمة بين السطور لم تُفك شفرتها بعد.
لا أظن أنني سأجد كلمات شافية لقلبي بهذا الشأن. ربما هناك أسئلة في الحياة مُقدر لنا ألا نعرف إجابتها..
وحسبنا أن نلتمس في آخر هذا الطريق المظلم بنور يضيء لنا الدرب و يريح الفكر ويذهب الحيرة وهو يقيننا بأن الله سبحانه عادل، حكيم في قضاءه و أنه سبحانه أرحم بنا من والدينا..
-
ابراهيمخواطر ليس إلا...