نداء متعدد النغمات والحدة منبعث من قاع الجب المسيج والعميق، تراصت داخله اللبنات السوداء مرصعة جداره و ناحتة حصانته ومساهمة بدورها في إعلاء دوي الصوت أو خفته . نداء إذا تخلى عن إحترام المبادئ والقيم تبعثرت معالمه وتناقضت معانيه، فتجده يتوارى يوم قبض الرشوة ويوم حمل لواء الظلم او الوقوف في صف الظالم عن قناعة، أو لأجل تحصيل مصالح مادية وضيقة، وتجده بلباسه الأنيق مطأطأ الرأس يوم إدراج دروس هدم القيم في المدرسة، جريمة منتجة لمشاهد هدر قيمة العلم والمعلم، وتراه جاثما بصمته أمام خيانة الأمانات والتواطؤ بمكر لكسر مسيرة مشعة اوعرقلة مشوار صادق مصلح يقود لنهضة قريبة.

هو ذاك الذي يملي تعاليمه على الضعاف، فيرفع الوضيع حقيرالأخلاق ويقصي الضليع الفقيه والمتبحر في علوم الطب والهندسة والكيمياء والأدب، فينخر سلم القيم ويهوي بمآثر العظماء ويساوي بين غريب ديارالقواعد وحديث الوصول صاحب الدرهم والدينار، محاولا إقناع الحضور أن الصدق كله في كلمات كثير المال بما يغطي على العيوب والكذب، ويرمي الصادق بالحجر كلما أرسل رسالة الإنذارولمس عن قرب مواضيع الوجع. هي مشاهد مقتضبة من قصة الخضوع لإملاءات الغياب، و لكن بالمقابل إذا أمعنت القراءة بين الأحداث فستسمع لا محالة زئيره الصادح العابر لمساحات السيطرة و الخضوع، ذلك الإنذار الصادر من متشبع بالقيم و وفي للمبادئ وهو يفرض الإخلاص في خدمة الناس، و الحفاظ على المكاسب و فرش الورود للأجيال الصاعدة، فيزرع هنا بمسؤولية و يبني بإتقان هناك و ينادي في الأمة برسالة الله ينقشها بخط ابن مقلة و بحكمة لقمان وأبحاث ابن خلدون و زهد ابن ادهم، جامعا في ذات الوقت تعاليم الشريعة السمحاء و منتهجا دروب ابو القاسم الأمين صلى الله عليه وسلم.

فهو النور الذي يضيء المسار في الدهماء و من افتقده تاه في دهاليز وساوس قوى الشر محولا حياة صاحبه لقلعة التأنيب التي تورث الجراح التي لا تلتئم وهي توخز كلما حان اللقاء مع الوسادة، فهي ترسم اللوحة تلو الاخرى لقصص الخطايا وآهات الضحايا وانين المستخدمين ورسائل الوعيد المؤجلة ليوم الدين، فإذا استفاق قبل الرحيل قد يشارك في ترميم او اصلاح ما تم افساده على امل قبول الاعتذار، اما اذا استنطق الضحية جراحه و نحتت قصيدة الآلام، فالأمر كله بمحكمة قاضيها الجبار الرحيم وشهودها الملائكة، اما اذا غرغر صاحب القصة فتلك قصة اخرى .

فهو إذا إستشعر رقابة ملك السماوات رفع صاحبة للقمة الشمّاء التي تخضع الرقاب لمراسلاتها الداعية لمسلك الخلاص و صور القبول في الأرض و السماء، و مدخلا لولوج عالم الرضا و التوفيق والطمأنينة أما إذا إنحنى لتدابير و إجراءات حتمية تحقيق الغاية منتهجا الدوس على القيم الفطرية، فسيخوض بصاحبه العواصف الهوجاء  والبحر المتلاطم العقوبات فيجني بحزم ما سببته براقش لحظة ضعف وهي تتخلى عن أهلها.

محمد بن سنوسي

30-05-2022