سأروي لكم قصة واقعية تبدوا وكأنها من نسج الخيال وسيصاب السامع لها بالاندهاش خصوصا إذا كـــان من وطننا العربي الكبير. يحكى ان رب اسرة قــرر فجـاءة وبدون مقدمات ان يسافر برفقـة عائلته المكونة منه ومن زوجته وثلاث اطفال الى دولة اوربية بقصد السياحة. وكان هذا الرجل مصابا بمرض نفسي فقام بإنهاء الاجراءات من استخراج جوازات السفر وطلب الفيزا وعمل كل ما يلزم لإتمام هذه السفرية.
امتطى الطائرة هو وعائلته متوجها الى بريطانيا ليقضي فيها شهرا كـاملا. وعندما وصلوا الى العاصمة لندن اقاموا هناك في فندق وكانت الأمور تسير بشكل عادي جدا وثاني يوم حدث امر غير متوقع حيث اختفى الزوج فجاءه ولا يعلم الى اين ذهب ! جن جنون الزوجة وطال انتظارها ولم يعود الزوج. وامتد غيابه حتى ثالث يوم. وما زاد قلق الزوجـــــــة أكثر معرفتها بحالته النفسية المتقلبة والمشكلة انها لا تعرف أحــــدا في هذا البلد (بلد الغرباء) لتستنجد به وتزداد المشكـلة لديها تعقيدا حيث لا يوجد معها ما يكفي من النقــود لتصرف على نفسها وعلى أبنائها في هذا الظرف العصيب ريثما يعود الزوج الغائب الذي لا يعرفون له مكـــان. أكثر من ذلك لا تعرف هذه الزوجة المسكينة كلمة انجليزية واحدة لغة هذا البلد الذي وجدت نفسها فيه وأصبحت في حال بالغ السوء لا تحسد عليه.
أخيرا هداها تفكيرها للاتصال بأحــــــد اخوانها الذكور وكان متواجد في بلد عربي. فشكت له حالها وطلبت منه انقاذها مما هيا فيه. فقال لها لا أستطيع ان افعل لكي شيئا فلو كنتي في منطقة قريبة مني لحضرت اليكي ولكن البلد الذي تتواجدين فيه بعيد جدا ويحتاج الذهــــــــاب اليه لإجراءات معقدة ولا أرى غير حــل واحــد امامك وهو الذهاب للبوليس البريطاني وابلاغهم بوضعك.
عملت بنصيحة اخيها وسلمت نفسها للشرطة البريطانية وعندما لاحظ البوليس انها لا تجيد اللغة الإنجليزية احضر لها مترجم يتقين العربية. وعندما تأكدوا من صحة روايتها تفهموا وضعها وعرفــــــــوا معاناتها. فقالوا لها لا تقلقي أنتي الان في حمايتنا وتحت مسؤوليتنا. وقاموا بالتنسيق مع احدى الجمعيات في المدينة واسكنوها في شقة بالمجان بعد ان تم تأثيثها بالكامل بالأجهزة والفرش المناسب وتم إعطائها بطاقة تموينية لتشتري بها كل ما تحتاجه هي واطفالها.
ارتاحت المراءة وهدئت نفسيتها وشعرت بالأمان والاطمئنان. وبعد مرور أسبوع عليها في هذه الشقة دق جرس الباب فقالت من يكون يا ترى الطارق ! فنحن لا نعرف احدا هنا. وعندمـــــا فتحت الباب وجدت سيدة انيقة تحمل في يدها دفتر وقلم وبرفقتها رجلان وواضح من هيئتهم انهم تابعين لجهة رسمية. طلبوا منها بأسلوب مــــؤدب الاذن بدخول المنزل كي يروا الأثاث ويتأكدوا انه مناسب ولائق وليس لها أي ملاحظات عليه. وأخبروها ان مهمتهم تنحصر فقط في التأكد من حصولها على كل احتياجاتها.
وعندما اذنت لهم بالدخول تجولوا في البيت واخذوا يسألونها عن انطباعها عن كـــــل ما قدم لها حتى انهم طلبوا رأيها في لون الستائر وهــــــل لديها رغبة بتغيير واستبدال أي شيء في المنزل؟ شكرتهم على اهتمامهم بها وبأطفالها وهي غير مصدقـة لما تراه عينيها وشعرت انها في حلم جميل غير حقيقي. طلبوا منها في نهاية الزيارة التوقيع بالموافقة والرضى بكل مــــــا قدم لها وودعوها بنفس الطريقة المؤدبة التي أتوا بها.
وكان الاخ يتواصل مع أخته باستمرار عن طريق التلفون ليطمأن عليها وعلى اطفالها وكانت تخبره بكل مــــا يجري لها أولا بأول. تعجب الأخ من التجاوب السريع ومن الخدمات التي قدمت لأخته فوضعها أصبح أحسن حالا مما لو كان زوجها موجود. فقال لها مازحا هل ما زلتي تصومين وتصلين؟ وكــانوا في شهر رمضان فأجابته باستغراب نعم اصوم واصلي ولماذا تسألني هذا السؤال؟! فقال لها انما يرجو المسلم بصلاته وصيامه دخول الجنة وأنتم الان قد دخلتموها فعلا. دعي الصلاة والصيام لنا نحن لأننا لم ندخلها بعد مثلك ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم من واسع فضله.
-
فيصل محسن سعيدكاتب هاوي