عذرا لسنا بحاجة إلى عباقرة
(في ذكرى تكريم العباقرة)
نشر في 17 يونيو 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
العالم لا يحتاج عباقرة، لأنهم يظهرون مرة كل مائة عام بينما الموهوبين يعول عليهم على الدوام، لأنهم موجودين في كل زمان.
لذا العالم جد قاسي في حكمه على من يغردون خارج السرب، فيعتبر صوتهم نشازا، ويعاملون معاملة الشذوذ في المنظومة، فيتم اقصاءهم بدون أي فرصة لإدماجهم في المنظومة، باعتبارهم عباقرة. نعم، العالم يفضل الموهوبين، لأنهم في قمة هرم المنظومة، ولا يخرجون عليها، ينفذون ولا ينتقدون، إنها وسيلة لحفظ النظام داخل المنظومة واستمراريتها، لأن الموهوب يمكن فهمه وتوقعه والتحكم فيه، بل والتلاعب به، عكس العبقري، الجنون والفوضى سمته، فلا يمكن فهمه، وبالتالي لا يمكن توقعه، مما يجعل التحكم فيه غير وارد، لأنه خارج سيطرة المنظومة، فما بالك بالتلاعب به.
نعم، إن العبقري عدو المنظومة، فالعبقري يعتبر تحديثا للمنظومة، والمنظومة تقاوم التحديث، لأن فيه إزالة للقديم القائم وإحلالا للجديد المجهول، ومن جهل شيئا عداه. والعبقري يعي أنه لا فائدة في الدفاع عن عبقريته، ليس غرورا ولا ضعفا، وإنما جدال نظام المنظمة عقيم، وكأنك تتحدث بلغة غير لغته، فكيف له أن يفهم لغة المستقبل وهو مبرمج فقط على لغة الأمس الحاضر في الزمان والمكان، لذا المعاصرة حجاب، تحجب العبقري عن الشيوع والذيوع في الحاضر، إنه واقع حال العبقري داخل المنظومة وهذا يذكرني بقول أحدهم ''النقاش مع الجهلاء كالنقش على الماء مهما أبدعت فيه فلن يحدث شيء''. لذا لا يهتم العبقري بالحاضر بالقدر الذي يهتم فيه بالمستقبل، موقنا أن التاريخ سينصفه أكثر من أهل زمانه، لأن العبقري نافذة في الحاضر تطل على المستقبل، وكل ما يأتي به من إنجازات عبقرية وكأنها تعمل بالكهرباء في زمن لا يعرف فيه ما هو الكهرباء، وبالتالي لا يعطى قيمة حتى زمن اختراع الكهرباء، عندها فقط يسطع نجمه في الأفاق بعد أن تعلمنا لغته، وفهمنا كلامه، ووقفنا على براعة أعماله.
لذلك لا تحزن إذا تقدمت لوظيفة وتم اقصاءك بعذر أقبح من ذنب وهو أنك درست كثيرا، ولا تحزن عندما ترسب في اختبار وينجح فيه من هو أقل شأنا منك، لأنه رد البضاعة إلى أهلها، ولا تحزن عندما يتم تجاهلك لأنه لا أحد يفهمك، ولا تحزن إذ غلبك جاهل في جدل.
-
كريمكناس79مدرس ومؤلف