حق لهم أن يفخروا بأنفسهم فهم جنود الخفاء ونحن الخراب والدمار الشامل. قد لا تعرفهم، فهم يجوبون الشوارع و الأزقة وأنت لا زلت تداعب أحلامك على السرير. بالنسبة لك ، مهنتهم بسيطة فممارستها لا تستلزم حل معادلات رياضية و لا حسابات فلكية ولا حتى دراية بقواعد النحو و الصرف.. بل تحتاج روحا إنسانية و سعة صدر تتحمل وقاحتك وقلة أدبك!!
قد لا يثير انتباهك ملابسهم الرثة وأجسادهم الهزيلة و هم يخلصون الأحياء من الأزبال المتراكمة، متحملين كل تلك الروائح الكريهة، معرضين صحتهم لخطر الإصابة بعدة أمراض و جراثيم.
هم فقط" عمال نظافة "،يحق لك رمقهم بنظرات احتقار و استهزاء وقد تتمادى إلى نعتهم بألفاظ جارحة.
مهلا!! ألست تستوعب انك بتصرفك هذا تتجرد من إنسانيتك ؟ألا تحس بأنك تفقد احترامك لذاتك؟ بذلتك الأنيقة، لغتك الفصيحة، وكل تلك الكتب التي التهمتها طيلة سنوات لا تساوي قطرة عرق تتصبب على جبين عامل ،لم تبتسم له الحياة مثلك، أذاقته مرارة الأيام كؤوسا، ومع ذلك رضي برزقه و اختار مهنة شريفة تكسبه قوت يومه. حبه للعمل يسري سريان الدم في العروق، فهو يثق بأن مهنته ببساطتها تخدم الوطن، وطن جعلته أنت كلمات من حبر ترسم على لافتات من ورق ، ترفعها بين العيد و الآخر، تمزقها وترمي بها على أرصفة الشوارع.. ليمر هو ويجمع بقايا جوعك الأخلاقي.
أثارتني تجربة " كوكب" اليابان بإحدى حلقات برنامج "خواطر" المتعلقة بالنظافة وكل تلك العناية المخصصة لعامل من درجة "مهندس صحي "يصل راتبه إلى 8000 دولار أمريكي شهريا و الأغرب من ذلك أنها مهنة تستوجب اجتياز اختبارات كتابية وشفوية لنيل شرف ممارستها نظرا لحساسيتها ومشقتها . من هنا تبدأ قصة الاحترام وتنتهي عند وعي المجتمع بخطورة التراتبية الاجتماعية و ثقافة المظاهر التي نعيشها منذ نعومة أظافرنا.
وما يحز في النفس أكثر أننا امة من أتم مكارم الأخلاق و لطالما ردد على مسامعنا أن الإسلام دين الرحمة و لا اختلاف على وجوب تقدير كرامة كل عامل كيفما كان مستواه التعليمي أو الاجتماعي، فالمعاملة بالرفق واللين حق لكل إنسان ،قال صلى الله عليه وسلَّم: (إنَّ الله يحبُّ الرِّفق في الأمر كلِّه ) .فأين نحن إذن من تطبيق تعاليم ديننا الحنيف؟
هذا العامل ينتظر من المسؤولين ضمان حقوقه لعيش كريم وينتظر منك ابتسامة ورقيا بالأخلاق حتى يستقيم ظهره الذي انحنى لإماطة الأذى عن الطريق و لا تنس أن تربي صغارك على أن خادم القوم سيدهم ولا عيب في مهنة شريفة بل العيب كل العيب في عقولنا و إنسانيتنا.
-
عفاف فتحيبقدرالإصرار و العمل ..تتسع الحياة