زيارة الرئيس الفرنسي للبنان - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

زيارة الرئيس الفرنسي للبنان

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 08 غشت 2020 .

زيارة الرئيس الفرنسي للبنان

..هيام فؤاد ضمرة..


انفجار مرفأ بيروت لم يهز بيروت وحدها وحسب بل هز العالم بأسره، وليست شرفات بيروت وواجهات مبانيها وحدها التي انهارت بل المؤسسة الرسمية بكامل طاقمها، فالأصوات الشعبية التي ارتفعت لم تكن لتفرق بين سني وشيعي وماروني وأرمني فالجميع اجتمع على كلمة واحدة لا نريد الرئيس ولا وزراءه ولا أعضاء البرلمان.. جميعكم خنتم الأمانة بالحفاظ على حياة ومصالح المواطن، وتماديتم في غيكم حتى قلبتم حياتنا جحيما لا يطاق..

ربما الانفجار على هوله وتأثيره جاء ليحمل في ثناياه دفعة قوية للإصلاح وإزاحة قوى الفساد عن الطريق، وإعادة تشكيل واجهة لبنان على أسس أقوى وأثبت وأحق، ويتم اختيار وجوه أشد إخلاصا للداخل وأقل انتماءا ورضوخا للخارج، لبنان يحتاج إلى انتفاضة تجديد وغسل البلد من الوجوده التي دمرت البلد منذ بداية جرها إلى حرب أهلية قائمة على العنصرية والفرقة، فالوطن لبنان بات أنبوب اختبار تتكالب على تجربته دول الخارج من كل حدب وصوب..

وزاد الطين بله أن الأحزاب تحولت بقدرة قادر عن دورها الرقابي وصار لها مليشيات عسكرية تنافس الجيش الوطني في دوره العسكري إنما لا تنافسه بانتمائه الوطني، فجيوش لها أجندات غير وطنية لا يمكن أن تكون رسالتها حماية الوطن ومصالحه وحماية المواطن وحفظ أمنه، وهذا النظام من الأحزاب شق الصفوف .

النواب وبعض الوزراء ممن كانوا يتوقعون رد الفعل العنيف للشعب، ومجاهرتهم برفض الجميع رئيس دولة وهيئة تنفيذية وأعضاء مجلس نواب، اختصروا الطريق على أنفسهم لحفظ ماء وجوههم، وسارعوا إلى تقديم استقالاتهم كتلاً ومستقلين، وعلى الفور بادر نواب كتلة الكتائب بالاستقالة تبعه كتلة اللقاء الديمقراطي وما زال بالمركب متسع ليحمل البقية في رحلة المغادرة

زيارة ماكرون إلى بيروت بهذه العجلة تحت حجة تفقد موقع الانفجار مثيرة للغاية، وتحتاج إلى بحث مستفيض خاصة لما رافقها من أحداث مشبوهة ومثيرة للتساؤل، زيارة لا مبرر لها مهما تعمقنا بالتفكير، فأولى به أن يرسل فريقا خبيراً لتفقد احتياجات اللبنانيين في هذه المحنة المؤلمة، فما السر وراء هذه الزيارة، وفرنسا معروف أنها تعاني كغيرها الانهيار الإقتصادي وتزايد حدة الفقر والبطالة داخل المجتمع الفرنسي، إضافة لفوضى تفشي الفيروس لجانحة كورونا، وشعبها الذي يقف على أهبة الاستعداد ليثير بدوره فوضى الاعتراض على واقعه المعيشي المتهاوي، فما الذي سيقدمه ماكرون للبنان في محنتها الصعبة..

وقد بدت تصرفات الرئيس اللبناني مربكة جدا وهو يحاول جاهداً تقليد الرئيس الفرنسي وكأنه لا يعرف أصول البروتوكول المعهودة، ولم يتلقى من مستشاريه التعليمات التي تذكره بالبروتوكول خلال لقائه بالضيف الذي بدا منتفشاً كالطاووس، بل وبدا الرئيس عون شخصاً غريباً عن الحدث وهو يسير متخلفاً عن الرئيس الفرنسي الضيف الذي بدا بدوره وكأنه صاحب المكان وسيده الحاكم، إلى أن جاء من يسر بأذن الرئيس ميشيل عون بالانسحاب، فانسحب مطأطأ الرأس بصورة غريبة ومثيرة للتساؤل.

فالرئيس الفرنسي الذي امتنع عن السلام باليد مع الرئيس ميشيل عون تحت حجة اتخاذ الحيطة من عدوى فيروس كورونا، رأيناه يصافح الشباب مصافحة اليد ويعانق السيدة الشاكية ويقبلها وكأن الكورونا هنا ذابت عن الوجود، بل راح يوزع ابتساماته وهو يهدئ من روع اللبنانيين الذين طالبوه بالإطاحة بالرئيس وحكومته واعادة احتلال لبنان، وهذا أمر غريب للغاية ومثير للدهشة لا يتماشى والعقل السليم والواعي، فهل كان هؤلاء في لحظة الذروة من الغضب على حكومتهم وقد فقدوا عقلانية التصرف ولم يعودوا يسيطرون على ما يخرج من أفواههم،؟.. فإذا افترضنا حقا أن هذا ما حدث، فما القول بتلك العريضة التي وقع عليها 36 ألف مواطن لبناني يطالبون بها باحتلال فرنسا للبنان، فمن يكون صاحب هذه الفكرة الجنونية التي تستعجل استغلال حدة مشاعر اللبنانيين تجاه الحادثة الرهيبة ليأخذ منهم مثل تلك التوقيعات غير السليمة؟.. من هؤلاء اللبنانيين الذين يفرطون بوطنهم على هذه الصورة الذليلة هذا إذا كانوا حقا لبنانيين بضمائرهم وانتمائهم؟

يقول أحد اللبنانيين أن لا أحد يلوم اللبنانيين على تصرفهم الغريب هذا، وقد فجَر حكامهم إلى حدود غير طبيعية، مما وصل الأمر باللبنانيين إلى إفقادهم الأمل بالحياة واليأس من استمرارها على هذا النحو وأدخلهم عرين الاكتئاب، فاليأس قد يفعل الأغرب خاصة أن الآلاف من اللبنانيين بعد الانفجار الضخم باتوا مشردين بلا مأوى ولا حماية لا حول لهم ولا قوة.

بدا الرئيس الفرنسي متعمدا الإطالة بجولته الشعبية على حساب البرتوكول، فالذي كانت تلتقطه أذناه من الناس كفيل أن يستخدمه كأساس في قابل الأيام لاتخاذ موقف خطير للغاية، تبدت مؤشراته بالحالة التي بدا عليها الرئيس اللبناني من الارباك والحرج.

واضح أن الحكومة اعتقدت أن زيارة ماكرون ستصب لصالحها وستحصل على غطاء دولي يعينها على مرحلة إعمار جديد ستحصد منه الفوائد الكثيرة، وفوجئوا بأن الرئيس الفرنسي استبق الأحداث باستباقه مقابلة الجمهور قبل مقابلته المسؤولين، وسماعه طلبات الجمهور الذي لا أظنه إلا أتى لسماعها ولإسماعها للعالم بذات الوقت، وأن هناك من أجج الناس لقول ما قالوا وهم تحت تأثير الصدمة، ولو زار ماكرون لبنان بوقت لاحق، لا يمكن أن يقول الجمهور اللبناني ما قال من حرقة دم تفور داخله وهو في ذروة انفعاله وغضبه، مما يجعل زيارة الرئيس الفرنسي تدخل في بند طويل من الأسئلة، وعلى اللبنانيين أخذ الحيطة والحذر خاصة من أولئك الذين استغلوا ثورة أعصابهم ليأخذوا تواقيعهم على على أمر كريه وغير منطقي.

جواب ماكرون للشعب اللبناني بقوله لا أريد انتدابكم واحتلال بلدكم، إنما أريد تغيير الحكم في بلدكم.. هذا يفسر تجهم وجه عون خلال زيارة الرئيس الفرنسي، فواضح أن الرئيس الفرنسي مخول بتحريك أحجار الشطرنج حسب ما يمليه عليه مزاجه على رقعة اللعب، وهذا بحد ذاته يجعلنا ندرك الصورة التي سيحرك بها أحجاره والتي تتناسب والعقل الاستعماري الفرنسي في التقسيم والتوزيع لتظل السلطة رهن إشارة فرنسا، وأن الأمر سيبقى على ما هو علية من محاصصات، وكل الذي سيفعله سيغير الوجوه النكدة بوجوه أكثر بشاشة، وسينقل إلى لبنان فريق فرنسي ضخم للاشراف على المساعدات التي سيمد بها اللبنانيين وتحديد طريقة توزيعها عن طريق المؤسسات غير الحكومية كما فعلت مثل ذلك أمريكا مع الشعوب الأخرى، وفي الحقيقة كل ما كانوا يفعلونه هو تغيير السارقين في واقع الحال، والصرف على الإعمار لشركات فرنسية بعيدا عن أيدي الفاسدين السابقين الذين أوصلوا اللبنانيين للحالة الصعبة التي هم فيها، وعن أيدي المسؤولين اللاحقين حتى لا تسول لهم نفسهم اختراق حاجز الفساد، وإذا المستفيد الرئيسي فيها الشركات الفرنسية.. فهل كانت لبنان بحاجة لهذه الهزة الفاجعة لينظر ماكرون بعين العطف على شعبها، أما كانت تصله صيحات اللبنانيين المختنقين وهم يصرخون من قاع حناجرهم وأموالهم في البنوك تسرق منهم أمام أعين العالم كله؟

وسيهمنا جدا في النهاية الوصول إلى المؤتمر الصحافي الختامي الذي عقده ماكرون، وتحدث فيه عن رغبته في تشكيل حكومة وحدة وطنية في الأشهر المقبلة بعدما أثبتت الحكومة الحالية فشلها الذريع في تطبيق ما وعدت فيه، وأردف مصرحاً عن عزمه على تنظيم مؤتمر دولي لحشد الدعم للبنان واللبنانيين، وقوله على أنه يعتزم تأسيس حوكمة شفافة وواضحة لكي تكون كلا المساعدات الفرنسية والدولية موجهة مباشرة إلى المجتمعات والمنظمات غير الحكومية، بمعنى أنه يؤكد على تلبيته للشق الإنساني فقط فيما يتعلق بالاصلاحات، تاركا موضوع إعادة الإعمار ضمن اختصاص البنك الدولي وهنا مربط الفرس، لأن الجوء للبنك الدولي معناه تراكم الديون والفوائد على كاهل لبنان وشعب لبنان في مستقبل الأيام، وبين مدى اهتمامه بالحرص على أن يكون كامل الفريق العامل تحت العين ويعمل بشفافية تامة..

وما كان سينسى ماكرون إظهار مسألة عدم الثقة بالسلطة الحاكمة اللبنانية لاستلام أمور التحقيق في ملابسات الانفجار الغامض، فأكد على أنه سيحرص أن يجري تحقيق دولي مفتوح وشفاف بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي في حال لم تتقدم السلطة اللبنانية بطلب رسمي لاجراء تحقيق دولي، لأن الدول العظمى لا تثق بالتحقيق المحلي.

صراحته في توجيه اللوم، وإشاراته حول المسائل ذات الأثر السلبي على سياسات الدولة، وتأكيده على الحكومة في تلبية احتياجات الشعب من كهرباء وطرق وخدمات، ولمح إلى ودور الأحزاب والكتل الحزبية داخل البرلمان ووصفها بالفاشلة في إحداث تغيير في المشهد البرلماني.. كما طالبهم بإعادة تأسيس ميثاق جديد يكون جاهزاً عند عودته في ايلول المقبل في ذكرى مئوية لبنان الكبير منبهاً أنه يريد أن يرى التغير على أرض الواقع   


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 08 غشت 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا