"كانت ضربة الشعور بالجوع ضربة مفاجئة وكان ذلك بعد انتهاءه من وجبة الغداء -شديدة التواضع- بساعتين واثناء فترة راحته أي بدون عمل وهي في الاساس طوال اليوم .. فقرر رحلة البحث عن الطعام حتى يسد شعوره بالجوع فلم يجد سوى ما تبقى من مخلفات وجبة الغداء البائسة -كما كان يسميها- هو وهي قشر بيضة واحدة مسلوقة، وقليل من الملح، وبزبوز خيارة -الجزء المر عقب ثمرة الخيار - وهو ماتبقى من نصف الخيارة الذبل، والقليل جداً من فتات الخبز اليابس..

حيث كانت النظرة التي لا يفهما احد سوى من عاش تلك اللحظة بحذافيرها

تلك النظرة المليئة بالبؤس المختلط بكثير من اليأس المتجمد مع تجمد معدته المفتقدة لجميع انواع الطعام تقريبا ذلك الفم المفتقد لاغلب نكهات الكون مع أنف دائم التمني لنشق رائحة الطعام في المنزل وليس فقط في الشارع كما كان يحدث دائماً اثناء مروره امام بعض المطاعم الشعبية.

نظر تلك النظرة لما سماه وجدانه بالطعام الآدمي وسمى بالله وبدأ بوضع رشة الملح على قشور البيضة متذكرا تلك المعلومة القديمة بأن المكون الرئيسي لتلك القشور هو الكالسيوم ؛ وعلى حد علمه فهو شئٌ كثير الفائدة لجسم الانسان معتبراً ان تلك الوجبة هي أقيم غذائياً من وجبة الغداء نفسها ، والتقط بعض فتات الخبز بأنامله المتيبسة واضعهم في فمه قاضما معهم جزء لا يتعدى الخمسة ميللي مكعب من بزبوز الخيارة، متذوقا ذلك الطعم العجيب مع بعض القرمشة الصغيرة في قشر البيض الغير مفهوم ماهية مضغه أو هضمه، مع محاولة قاسية لإبتلاع تلك المكونات مستترة المفاهيم والمعالم الغذائية؛ تكررت تلك العملية عدة مرات حتى ازداد في فمه مرارة بزبوز الخيارة ومع كل شعور بزيادة تلك المرار اضاف القليل من الملح لتقليل حدة ذلك المرار.. ودون الشعور او حتى مجرد التفكير في الشعور بالشبع قرر الانتهاء من الطعام، حامداً ربه على تلك النعمة شفاهيةً، متذمرتان معدته و قلبه معاً لأن ( الجوع كافر) .

لم تكن العلاقة بينه وبين الملح وليدة اليوم، ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتناول بها وجبة سد الجوع ولن تكن الاخيرة....

كل هذا لم يكن شيئا امام ما يحدث يومياً في سبيل رشفةً من الشاي.

كم حَلِم بتلك الوضعية للجلوس على ذلك الكرسي الخارجي من المقهي في حَيُّنا الشعبي يرتشف من ذلك الكوب الممتلئ بالشاي ناظراً الى المارة بالطريق.

لن يجد ذلك الخبز ولا ذلك الكوب وسيظل يحلم به دائماً على رجاء الأفضل من كل ذلك في الجنة....

#كلمتين_الا_ربع

وائل وصفي ذكي