اللسان الساكت ُو الحِبْرُ الباهت
ذ محمد خلوقي
-------------------------------
في كل مناسبة تخرج علينا اقلام تدمع في رياء .. وترتعش وسط محابر فارغة مثقوبة .. ولا تقو ى على التسطير فوق الصحائف الكبيرة .. بل ترتجف في صمت حتى تجف من تلقاء نفسها ...وتصادفها نشيطة عاملة عند الحواشي المنبوذة .و مخربشة في الأوراق التائهة او المبللة والآيلة للسقوط .. انها اقلام صارت تنبت بأحجام وألوان ممسوخة ، وتصرخ باصوات مبحوحة ، و وتصدر بلغات مختلفة ، ولهجات ممسوخة لتفرغ بعضا من قطراتها الباهتة ..
هذه الاقلام الحربائية ،تكتب اليوم عن مقررات (البغريرة )و(البريوة) .. وتنشر اخبار الاغتصاب ، وتروج الشائعات الاجتماعية والخرافات الدينية، وتنتشر كالنار في الهشيم مستغلة ضعف التلقي والتأويل عند الجمهور، فتتسلل ليلا من خلال وسائل التواصل ، ودون سابق استئذان تشوش كل فكر او رؤية بسيطة غير مكتملة النضج ..كما ان هذه الاقلام اصبحت تتقنن لغة التهويل والتدجيل ،وفن التدوير والتحوير .
ولكن حين يغتصبُ الفسادُ امةً باكملها..ويُنهش عرضها سرا وجهرا امام اعين الاخوان..وتحت تصفيقات النسوان ذوات الجلابيب البيضاء .. وحين يسحل الوطن الحبيب تحت المصابيح الباهتة، والحمامات الكسيحة ،تخرس هذه الالسن ،ولا تنتصر لهذا الوطن الذي حبَل بامانينا جميعا ، واحتمل وتحمل كل الوان النكح من اجلنا . وجُرجر في الزحمة على بطنه دون رحمة ،ومُصت بجشع اثداؤه ، ونُهبت بوحشية احشاؤه ، ونَهشَت لحمَه انيابُ الضباع ..والجياع ،و سالت بعزارة دماؤه على ارصفة الخنوع والصمت ..
امام هذه الاهانات والاغتصابات المشهودة ، تجد هذه الاقزام تتافس في اصدار طُراط نَتن يخذر السذج والعوام بشعارات الامن والرخاء والسلم والسلام . ثم تفر مسرعة الى المراقص والحانات. وتدفن رؤوس أقلامها المشروخة داخل كؤوس ِمحابرِ الخوف والذل والعار.
والغريب ان أكثر هذه الاقلام الحربائية تظهر جلية في مناسبات الفتنة والإلهاء ،ثم تعود الى محابرها النتنة ،منتظرة تدوينة صغيرة تفرغ فيها شيئا من حبرها الشاحب و الباهت.
محمد خلوقي