السياسة في العالم العربي لم تتحدد بعد معالمها،ولا الخط الواضح والصحيح الذي يجب أن يمضي على هديه السياسيون العرب على اختلاف اتجاهاتهم  ومبادئهم....

إلى حد الآن لم يظهر أي نظام عربي بمشروع سياسي يرتبط بمقومات العقلية العربية،ومشخصاتها الروحية والفكرية والحضارية المتميزة من جهة،وبتطلعات الإنسان العربي المعاصر،واهتماماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية المسايرة لحركة التطور،وروح العصر من جهة أخرى،بمعنى آخر،أن هذا المشروع السياسى العربي الجديد يكون قادراً على المزاوجة بين ما أنتجه الماضي من تراكمات سياسية إيجابية،وبين الخلاصات النظرية الصائبة،والتجارب الناجحة للفكر السياسي الحر الحديث،الذي يمكن تلخيص مبادئه الأساسية في الممارسة الحرة والاختيارية للنشاط السياسي،واحترام إرادة الشعب المنبثقة من صناديق الاقتراع مع رعاية الصالح العام،والاستجابة لمضامين البرامج السياسية الحاظية بالموافقة الشعبية،والخضوع لمبدإ الوفاء بالتعهدات،وتطبيق الالتزامات بكل صدق ودقة.... لا سيما وأن العالم المعاصر يشهد عدة ظواهر جديدة،تستوجب تطوير العمل السياسي بالوطن العربي،وعلى رأسها ظاهرة الانفتاح الثقافي،وموجة العولمة وتطور وسائل الاتصال،ونقل المعلومات.

وبالرغم من الانتفاضات التي حدثت ولا تزال تحدث في الوطن العربي،فهي لم تغير من أمر السياسة العربية في أي شيء،وقد يقول قائل بأن هذا الحكم سابق لأوانه،غير أن البوادر الحالية تنبأ باستمرار النشاط السياسي العربي على حاله،تلفه ضبابية الطائفية الهمجية،ويستأثر به هوس مسعور يرزح تحت الاعتبارات الذاتية الجشعة،فلا تبارح السياسة العربية لعبة مصارعة الثيران،عفوا صراع التيارات البالية،واقتسام الغنائم،واختلاق الدسائس واللوبيات للضغط على الشعب،وسلبه ما تبقى من مكاسبه المخففة عن معاناته المريرة.

والواقع أن الربيع العربي حسب ما جرى في الدول العربية التي شهدت بزوغه،تحول إلى خريف تعصف به زوابع الفتنة،والصراعات الداخلية المدمرة والمحبطة لآمال من توخوا الخير فيه،وأسباب الإزدهار والحرية المغيبة لقيود العبودية والاستبداد.

فأين هي القيادات السياسية العربية المحنكة التي يعول عليها في تدبير هذه الاشكاليات القائمة،والإفضاء بالثورات الشعبية إلى شاطئ النجاة،بعيدا عن التدخلات الانتهازية المحلية،و المؤامرات الإمبريالية الساعية بكل الوسائل إلى إجهاضها،وإبقاء العرب تحت أغلال التخلف والتبعية..؟