يُمثِّل الذكاء الاصطناعي إحدى نتائج الثورة الصناعية الرابعة والذي أخذ بالتسارع في غزو العالم محملاً بالابتكارات التي ستعمل على تغيير النهج العالمي والبشري وقد سارعت الكثير من الدول لا بل تسابقت إلى الدخول إلى هذا العالم مثل كندا وألمانيا وامريكا وغيرها، وفي الدول العربية كانت الامارات العربية المتحدة الرائدة في هذه المجال حتى أنها أنشأت وزارة خاصة بالذكاء الاصطناعي وانشأت مختبر للذكاء الاصطناعي، كما أطلقت جائزة الامارات للروبوتات لخدمة الانسان، ودشنت مختبر للتشريعات لتصميم المستقبل من خلال تطوير آليات وتشريعات المستقبل كالذكاء الاصطناعي والتنقل الذكي ذاتي القيادة.

وقبل أن نبين ما هو الذكاء الاصطناعي يجب أن نحدد ما هو الذكاء البشري؟

فالذكاء البشري هو: -القدرات العقلية التي تُمّكن الانسان من التغلب على مظاهر الحياة والتكيف مع متغيراتها والتلائم معها.

في حين أن الذكاء الاصطناعي كما عرفه عالم الحاسوب الامريكي جون مكارثي في عام 1956 وهو من أطلق اسم "الذكاء الاصطناعي على هذا العلم" بأنه علم وهندسة صنع الآلات الذكية كما عرفه العالم أندرياس كابلان بأنه: قدرة النظام على تفسير البيانات الخارجية بشكل صحيح والتعلم من هذه البيانات واستخدام تلك المعرفة لتحقيق أهداف ومهام محددة من خلال التكيف المرن.

وفي تعريف أخر عُرف الذكاء الاصطناعي بأنه سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، ومن أهم هذه الخاصيات القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة.

ومن خلال هذه التعاريف يمكن أن نعتبر الذكاء الاصطناعي بأنه علم حاسوبي ذكي يمتاز بقدرات تُحاكي وتماثل القدرات الذهنية البشرية إن تم برمجته ووضع خوارزمياته بشكل دقيق وصحيح.

إن الذكاء الاصطناعي سواء رضينا أم أبينا سيشهد تطوراً سريعاً خلال السنوات القليلة القادمة، حيث ستعتمد عليه الحكومات والشركات المتوسطة والكبيرة بصورة كبيرة، ومن الصعب تجاهل المجالات التي تجاوز فيها الذكاء الاصطناعي البشر، حيث نتوقع أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في مهن عدة، ففي الأونة الأخيرة تم استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات خصوصاً في الأغراض الطبية مثل التشخيص الطبي، والمطارات والكشف عن المخاطر الأمنية وتحليل بيانات الشرطة وفي التصنيع مثل السيارات ذاتية القيادة والطائرات دون طيار والمترو دون سائق، والطباعة ثلاثية الابعاد والمذيع الروبوت، كما نشرت مجلة مرصد المستقبل وهي منصة علمية لاستشراف المستقبل تصدر في الامارات العربية المتحدة بأن شركة سامسونج ابتكرت بشراً اصطناعيين يشبهون البشر الحقيقيين، كذلك وحتى في المجالات اليومية الروتينية أصبحنا نتفاعل يومياً مع هذه الآلات ونستمتع بها فهي توقظنا صباحاً وتصنع قهوتنا ونتحكم ونراقب منازلنا من خلالها، ولكن ما مدى ثقتنا في القيم التي يتم غرسها في الآلات التي نقدرها أكثر من غيرها؟ والتي في المستقبل القريب ستعمل سويةً مع البشر أو بديلاً عنهم في بعض المهن.

ففي دراسة لمجلة ناسا بالعربي ان الروبوتات وبنسبة 50% ستتفوق على البشر في جميع المهام خلال 45 سنة وأنه بحلول عام 2027 سيكون الذكاء الاصطناعي أفضل من البشر في قيادة الشاحنات والعمل بالتجزئة عام 2031 وفي الجراحة عام 2053.

كما أنه يتوقع في السنوات القادمة أن 50% من الوظائف الحالية ستختفي بسبب الذكاء الاصطناعي.

ولكن وبعد اختراق الذكاء الاصطناعي للعديد من المجالات ماذا ينتظر الذكاء الصناعي ليغزو علم القانون:

أعتقد أيضاً لن يكون مجال القانون بمعزل عن التطور الهائل والمتسارع في التكنولوجيا وليس ببعيد أن يكون من المجالات التي سيتجاوز فيها الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري، من حيث تقديم الاستشارات القانونية ومراجعة العقود وحتى التقاضي وإدارة مكاتب المحاماة، بعد أن يتم أتمتة ورقمنة كافة الوثائق والعقود والقوانين والمبادئ القانونية والاجتهادات الفقهية مع تبسيط إجراءات استرجاعها والوصول إليها، وقد أدركت بعض الجامعات في أمريكا هذه المتغيرات وقامت بإطلاق برامج جديدة لتدريب الطلاب والمحامين الجدد على استخدام منصات الذكاء الاصطناعي وتقديم دروس في البرمجة القانونية، مما يساعدهم في أداء مهامهم القانونية بدقة وسرعة أكبر.

وفي دراسات حديثة لبعض المراكز أظهرت تفوق الذكاء الاصطناعي على مجموعة من المحامين عند مراجعة عدد من الاتفاقيات من حيث الدقة والسرعة في إنجاز المهمة، وهذا يقودنا إلى أنه يمكن لمكاتب المحاماة أن تستعين بالذكاء الاصطناعي في إدارة مهامها وقضاياها.

ولكن، هل ستشهد السنوات القريبة القادمة ظهور القاضي الروبوت الذي يفصل في القضايا بين المتنازعين خصوصاً في القضايا المدنية؟ لا شك ليس الأمر ببعيد، خصوصاً بعد أن شاهدنا الذكاء الاصطناعي يغزو الكثير من المجالات الدقيقة وغير المتوقعة، وقد يكون الأمر مسألة وقت لا أكثر.

أخيراً، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي في السنوات القادمة سوف يتجاوز حدود التقدم وسيعمل ثورة في عالم البشرية وسوف يعمل على تغييرها تغييرا جوهريا، ولكن أمام هذا الواقع لا بد من سن التشريعات التي تُنظم موضوع الذكاء الاصطناعي وتعديل التشريعات الموجودة بما يتوائم ومستجدات العصر، ومعالجة مدى مسؤولية الآلات الذكية الجزائية عندما تُلحق الضرر أو تتسبب بموت إنسان، خصوصاً أن بعض الدول ابتدأت فعلياً في الاستعانة بالذكاء الاصطناعي والاعتماد على الروبوت في بعض المجالات وعلى سبيل المثال لا الحصر:-

1- شرطة دبي:

- نشر دوريات ذكية بتقنيات متطورة لرصد المشتبه فيهم والسيارات المطلوبة، وإعطاء تنبيه للشرطي حتى يتخذ الإجراءات اللازمة.

- تدشين مركز الشرطة الذكي SPوهو عبارة عن مركز شرطة ذاتي الخدمة دون تدخل بشري.

- أدخلت دبي إلى شرطتها موظفًا جديدًا، هو شرطي روبوت يتجول في الشوارع.

2- سنغافورة: تستفيد من الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الاحتيال فى المشتريات الحكومية.

3- الولايات المتحدة: استخدام طائرات بدون طيار لمراقبة السجناء.

******************************************************

مستشار قانوني