خواطر تعليمية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

خواطر تعليمية

بين الدارجة والفرنسية

  نشر في 27 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

ونحن على أعتاب امتحانات نهاية السنة الدراسية، تذكرت الجدال الكبير الذي خُلِق بداية السنة حول المقررات المدرسية التي شابتها بعض مصطلحات اللغة العامية المغربية، أو في ما اصطلح عليه بمقررات البغرير -نوع من الفطائر المغربية-، هذا الحوار خف مع مرور الشهور بسبب انشغال الرأي العام بأمور أخرى مثل موضوع اعتماد نطاق زمني جديد للمملكة، قبل أن يطفو من جديد على السطح بنكهة أخرى، وهاته المرة حول اعتماد اللغة الفرنسية في تدريس المواد العلمية منذ الإعدادي والثانوي.

البغرير

مفارقة كبيرة

الكل تقريبا يجمع على تدني المستوى العام للتعليم في بلادنا مقارنة مع الماضي، وفي نفس الوقت نلاحظ ارتفاعا كبيرا للمعدلات المحصل عليها لدى المتفوقين، وإن كان البعض يشكك في مصداقية هاته المعدلات ويصفها بالمنفوخة بنقاط المراقبة المستمرة التي تتلاعب فيها بعض المؤسسات الخاصة بشكل كبير من جهة، والساعات الإضافية من جهة أخرى، كما أن هناك اعتقادا سائدا بتيسير أسئلة الإمتحانات عاما بعد عام.

شخصيا أتفق بشكل كبير مع الجزء الأول المتعلق بالمؤسسات الخصوصية والساعات الإضافية، لكنني لا أتفق كثيرا مع أطروحة سهولة الإمتحانات، فبحكم احتكاكي مع التلاميذ والطلبة في مسابقات البرمجة وأنشطة أخرى متنوعة فأستطيع أن أشهد لصالح النخبة من المتفوقين، التي تطور مستواها بشكل كبير مقارنة مع نخب الماضي لأسباب عدة أهمها توافر المعلومات بغزارة عبر الأنترنت، وإن كان هذا التطور غير كاف لمواكبة تطور النخبة في باقي الدول المتقدمة.

القليل من الرياضيات لشرح المفارقة

لكي نحكم على متسلسلة إحصائية في علم الرياضيات، لا نحكم على القيم الشاذة فقط (معدلات المتفوقين هنا)، ولا نحكم أيضا على المعدل العام لأن القيم الشاذة قد تشوهه، فتواجد بضع مليارديرات في بلد قليل السكان كفيل برفع معدل الدخل العام، وهذا طبعا لا يعني أن البلد يعيش رخاءا اقتصاديا.

القيم الأكثر تعبيرا في دراسة متسلسلة إحصائية هي المنوال (القيمة الأكثر تكرارا)، والمتوسط (ترتيب كل القيم وأخذ القيمة الموجودة في الوسط) بالإضافة للإنحراف الطرازي (الذي يعطينا فكرة عن توزيع قيم المتسلسلة حول المعدل).

مثال : لو اعتبرنا المتسلسلة الإحصائية التالية

3,3,3,4,4,5,5,5,10,12,15,18,19 فإن المعدل هو 8,15 لكن المنوال هو 5 والمتوسط هو 5 أيضا.

في حين أنه بالنسبة للمتسلسلة التالية

5,6,7,8,9,10,10,10,10,10,10,11,11,11,11,11,11,11,12,12,12,12,12,13,13,13,13,13,13, 14,14,15,15,16,16

المعدل هو 11,4 المنوال هو 11 والمتوسط هو 11

لا أملك أرقاما دقيقة من الوزارة المعنية، لكن في الغالب أظن المنوال والمتوسط سوف يعطيان أرقاما متدنية، كما أن الإنحراف الطرازي سوف يعطي قيمة كبيرة كناية عن سوء توزيع القيم، وهذا ما يؤكد بالفعل فظاعة الأمر، وإن كانت النقاط وحدها لا تعني الكثير كما سوف أفصل لاحقا.

تصور لتوزيع المعدلات بين الماضي والحاضر

لغة التعليم المثلى

الضجتان الكبيرتان التي أثيرتا هاته السنة حول التعليم كان مصدرهما لغة التعليم، فالسيد عيوش دافع عن استخدام اللغة الأم للتدريس في المراحل الإبتدائية، واستشهد على ذلك بالنتائج الباهرة لتلامذة بعض المدارس التي يشرف عليها ةالتي تعتمد على التدريس باللغة الأم سواء كانت لغة عامية دارجة أو أمازيغية -حسب المناطق الجغرافية-، المشكل البسيط الذي يخص هاته الإستنتاجات هو أن هاته العينات الإحصائية غير دقيقة، فالقاسم المشترك ليس بالضرورة لغة التلقين، ولكن أيضا المستوى الجيد لمعظم هؤلاء التلاميذ في الأصل، نفس الإستدلال قام به المدافعون عن تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية بعد تألق التلاميذ المغاربة في أولمبياد الرياضيات الإفريقية، حيث أن معظمهم يدرس بمدارس التميز التي تدرس المواد العلمية باللغة الفرنسية، لنرى أن هناك استعمالا للمفارقات المنطقية لاستخلاص الفكرة التي يدافع عنها أنصارها.

لست خبيرا لغويا ولا تربويا، وإنما بحكم تجربتي البسيطة في التعامل مع التلاميذ والطلبة والمهندسين في دورات تكوينية، فأن أسرع طريقة لإيصال المعلومة والتواصل هي اللغة الدارجة، مع استعمال محتوى علمي باللغة الإنجليزية، لانعدام محتوى علمي دقيق متعمق باللغة الدارجة.

الإنجليزية هي الحل ولكن

مشكلة المحتوى العلمي باللغة العربية أنه محتوى مترجم كليا، والأفظع من ذلك أننا كدول عربية لا نستطيع تكميل بعضنا البعض في هذا المجال فنحن في الغرب نترجم من اللغة الفرنسية وباقي الدول تترجم من اللغة الإنجليزية لذلك فمن الطبيعي أن نجد بعض المصطلحات العلمية مختلفة بيننا، كمصطلح المجال المغناطيسي في المغرب الذي يقال له حقل مغناطيسي في المشرق.

بالنسبة للغة الفرنسية فهي أيضا في الغالب تترجم من اللغة الإنجليزية، وحسب ما سمعت أنه حتى في فرنسا فإن الدراسات العلمية المعمقة تنشر بالإنجليزية اللغة المهيمنة على العلوم حاليا، كما أنها ليست لغة المغاربة -أو على الأقل معظمهم-، فتبقى دائما لغة أجنبية يجد التلميذ والأستاذ مشقة في استخدامها.

استعمال الدارجة والأمازيغية هو أمر جيد، وهو الأمثل في الشرح والنقاش بين الأستاذ وتلامذته، لكن مشكلته هو صعوبة استخدامها في الإمتحانات الكتابية والمقررات، وإن كنت لا أتفق مع بدء الإختبارات مبكرا للتلاميذ في المرحلة الإبتدائية.

تبقى الإنجليزية هي الحل نظريا، ميدانيا التحول كليا إلى استخدامها في المناهج مهمة صعبة وتتطلب الكثير من المجهودات والوقت، فبداية يجب الإستثمار في تكوين الأساتذة باللغة الإنجليزية، كما يجب اعتماد اللغة الإنجليزية بدل الفرنسية منذ المرحلة الإبتدائية بالنسبة للأجيال القادمة، وإلغاء اللغة الفرنسية تماما، وإبقاؤها كترف فكري في المرحلة الثانوية، هذا الإلغاء أكيد لن يتم قبوله بسهولة من فرنسا ومن يستفيد من العلاقات التجارية والإقتصادية معها.

المشاكل الحقيقية

لغة التعليم هي فقط الشماعة التي قد نعلق عليها فشل المنطومة التعليمية، بينما المشكل الحقيقي الأكبر هو طريقة التدريس في حد ذاتها، التي لا زالت تعتمد بشكل كبير على التلقين، فخلال حديث مطول مع أحد أقربائي الذي يشتغل في التعليم حول جدوى إضاعة الوقت في إملاء الدرس وكتابته من طرف التلاميذ، صدمني حين أخبرني أنه أيضا لا يتفق معه، لكنه مفروض عليه لأن الطريقة الوحيدة التي يقيم بها المفتش أداء المدرس هي مراقبة دفتر النصوص، وكذلك دفتر أحد التلاميذ، فبدل أن يكتفي المدرس بالمقرر المدرسي المطبوع سالفا، ويكتفي التلميذ فقط بالإعداد المنزلي لاستغلال ساعات الدرس القليلة في الفهم والتحليل والنقاش، يضيع الوقت في الإملاء والكتابة.

مشكلة المواد العلمية أكبر لأن الهاجز عند التلاميذ وأولياء أمورهم هي النقاط التي يجب الحصول عليها، فبالتالي نجد أن التلميذ يختزل عملية التحصيل في قراءة حلول أكبر عدد ممكن من التمارين وكل أمله أن يصادف في الإختبار أكبر قدر من التمارين التي سبق له قراءة حلولها، أذكر جيدا أن مدرس الرياضيات في المرحلة الثانوية كان يصف كتب تمارين وحلول بالسرطان، لأنها لا تخدم مهارة حل المشاكل عند التلميذ فبعد بضع دقائق فقط من محاولة حل التمرين، يهرب التلميذ سريعا لقراءة الحل ليتوهم أن فهمه للحل يعني قدرته على حل التمرين.

مشكل آخر يعاني منه التلاميذ هو الساعات الإضافية، فتجد التلميذ دائم الرسحان في القسم مؤجلا ذلك إلى الساعات الإضافية حيث يكون الأستاذ أكثر لطفا، وعدد التلاميذ أقل.

دون أن ننسى الكم الهائل من الدروس والمواد التي يدرسها التلاميذ منذ نعومة أظافرهم، على سبيل المثال الفرق بين الطريقة التي يدرس بها تلامذتنا اللغة الفرنسية كلغة ثانية لا تقارن بطريقة تدريس فرنسا لتلامذتها اللغة الإنجليزية في نفس المرحلة، في حين يطالب تلامذتنا بالتعامل مع تعقيدات اللغتين العربية والفرنسية منذ القسم الثاني عبر إقحام دروس الصرف والتحويل والنحو وغيرها، نجد أن كل ما يطلب من التلميذ الفرنسي هو القيام ببعض الأنشطة اللغوية الخفيفة التي تعتمد بالأساس على التعرف على مصطلحات قليلة كل أسبوع، وبعض القواعد البسيطة بين الفينة والأخرى والإكثار من الأنشطة الشفوية.

لست ضد تعلم الطفل للغات جديدة منذ سن مبكرة لكن هذا التعلم يجب أن يراعي الحمولة التحصيلية لديه، فمثلا رغم أن نظام التعليم الأمريكي لايعتبر من أنجع الأنظمة التعليمية في العالم ألا أنه حسب صديق يدرس أبناؤه في مدارس البعثة الأمريكية بالرباط، لا يوجد شيء إسمه واجبات مدرسية في المرحلة الإبتدائية، الواجب الوحيد الذي يطالب به أبناؤه هو اختيار كتاب حسب رغبتهم من المكتبة وقراءته طوال الأسبوع، وتقديم ملخص حوله بأي طريقة يفضلها التلميذ سواء كانت ملخصا كتابيا أو عمليا فنيا، فهذا النظام يحفز المواهب والمهارات، ويحبب للطفل مهارات القراءة والتحليل والفهم ويشحذ المواهب الفنية دون أن يكره المدرسة.

رجل التعليم الحجر الأساس في المنظومة

لا يمكن أن نتحدث عن التعليم، دون أن نعرج على الحجر الأساس، سنة بعد سنة نرى ونسمع عن تدهور وضعية رجل التعليم سواء المادية أو المعنوية، ففي الوقت الذي كان الجميع يحترمهم داخل وخارج المؤسسات التعليمية، صار دمهم مهدرا سواء من التلاميذ أو إدارات المؤسسات أحيانا، دون أن ننسى التهاون الذي تتعامل به معهم المؤسسات الوصية، والعشوائية في برامج التكوين السريعة التحضير، والإطار المهني الذي صار يقرب كثيرا لنظام المياومين منه لنظام يليق بأهم مهنة لبناء نهضة حضارية تقربنا من باقي الأمم التي صارت تسبقنا بسنوات ضوئية في سباق التقدم.

هاته الوضعية المزرية هي التي سببت في نفور الشباب من مهنة التدريس، وصارت آخر خيار للكثيرين، وما استعمال عبارة "فرض علينا التعاقد" من طرف الأساتذة المتعاقدين خير مثال على ذلك، فصحيح الدولة لم تفرض شيئا عليهم، فهم وقعوا العقد بمحض إرادتهم، لكن أكيد ما فعلوا ذلك إلا بعد أن أغلقت أماهم كل أبواب الرزق الذي هو أحد المطالب الرئيسية لكل أنسان على سطح الأرض.

بهاته المناسبة أجدد شكري لكل رجال التعليم الذين يعملون قصارى جهدهم من أجل هذا الوطن، هذا الشكر والتقدير لن ينقص من قدره قيام بعضهم بممارسات لا أخلاقية ولا إنسانية من ابتزاز أولياء الأمور عبر فرض الساعات الإضافية على أبنائهم وبأثمان باهظة، وقيام آخرين بالتماطل في أداء مهاهم في المؤسسات العمومية من أجل التفرغ للساعات التي يعملونها في المؤسسات الخصوصية بذريعة تأمين مصاريف الشهر.

*مصدر الصورة : https://unsplash.com/photos/RHNiArBkukE

=====================================================

روابط لفيديوهات ذات صلة :

المهارات المفتاحية من قناة علي محمد علي

أرقام كاذبة للدحيح

أربعون خاطرة حول التعليم لنجيب المختاري

مستوى تدريس العلوم في ثانويات العالم العربي للدكتور نضال قسوم


  • 4

  • ضياء الحق الفلوس
    طالب علم في مدرسة الحياة. مولع بسباقات الطريق مولع بالبرمجيات و مسابقات البرمجة و التكنولوجيا الحديثة. مولع أيضا بالتدوين والرسم والتصوير.
   نشر في 27 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

mram منذ 4 سنة
شكرا على التوضيح ربنا يحفظكم
1
لمى منذ 5 سنة
أحب أن أشارك رأيي إذا سمحتم:
بدايةً، تخصصي الشرعي، وحسب خطة الدفعة تتطلب بعض مواد علم النفس لتكون الشهادة تربوية، وأتذكر عندما ذهبت إلى دكتورة (التقويم التربوي) لأطرح عليها بعض الأسئلة بمكتبها، كان أحد جوانب الحوار -بعد إخراجه بقالب يُفهم للغائب- الآتي:
ما الفرق بين هذه الكلمة وهذه الكلمة؟
ترد الدكتورة: هما بنفس المعنى، فأتعجب وأقول:
كيف! لا بد من وجود علة بيّنة لدى استخدامها في سياق معيّن، بينما في نفس الصفحة في سياق آخر تستخدم الكلمة الأخرى، فيتبادر إلى الذهن فورًا وجود فرق بينهما؛ لأني أستبعد (العشوائية) وإن كنت أجهل الكاتب (كان المقرر ملزمة من مصادر مختلفة ولا حاشية له).
فردت الدكتورة ردًا بالرغم من إيجازه إلا أنه كان مسنن مفاتيح أبواب جهل كثييرة لدي:
يابنتِ، هذا بسبب الترجمة! يالله نرجو بأن يخرج منكم من (يُوجِد) مصطلحات علمية عربية نستغني بها عن متاهات ترجمة اللغات الأجنبية.

أما تحاور البعض وتخبطه أثناء تعيين لغة من لغة أخرى، كله مؤداه بلا شك عدم التقدم والنهوض بالتعليم في البلدان العربية، فإنها وإن عالجت هذه اللغة الأجنبية بعض جوانبه، إلا أن الترقي والتطور لا يحصل إلا بالتمسك بهوية الفرد، والتي أحد أهم أهم جوانبها لغته.
بارك الله فيك.
2
ضياء الحق الفلوس
صحيح، للأسف في وطننا العربي تتم الترجمات بشكل عشوائي وفي الغالب من مترجمين غير متخصصين في المجال ، فتجد نفس المترجم يترجم كتب الفلسفة والفكر والرياضيات وعلم الفلك

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا