حكايتي مع مباراة الأهلي والزمالك - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حكايتي مع مباراة الأهلي والزمالك

الحكاية الأولى

  نشر في 08 غشت 2016 .


الزمان: الخميس 30 يناير 2003 م

المكان: استاد القاهرة الدولي

الحدث: مباراة القمة بين الأهلي والزمالك في بطولة الدوري العام


تعوَّدنا أن نذهب ثلاثتنا سويًا إلى الاستاد لمشاهدة المباريات الهامة، وقت أن كانت الجماهير تشاهد مباريات كرة القدم من المدرجات قبل أن تُمْنَع من حضورها في هذا الزمان التعيس الذي نعيشه الآن، بعد أن صار تشجيع فريقك من الملعب سببًا وجيهًا لكي تخرج من الاستاد إلى المشرحة رأسًا!!.

كانت المرة الأخيرة التي جمعتني بصديقاي في الاستاد في مباراة الأهلي والإسماعيلي الشهيرة التي أقيمت في نهاية دوري 2002 والتي انتهت نتيجتها بالتعادل 4/4 .. كانت من أجمل المباريات التي حضرتها في استاد القاهرة، بل واعتبرها خبراء كرة القدم المصرية بأنها أجمل مباراة على الإطلاق في تاريخ الدوري المصري عبر تاريخه منذ أن بدأ عام 1948 م.

تلى تلك المباراة مباشرةً مباراةٌ أخرى لا تقل إثارةً أو شهرةً وهي مباراة الزمالك والأهلي الأشهر في لقاءات الفريقين، والتي انتهت بنتيجة 6/1 لصالح الأهلي، فيما عُرِفَتْ جماهيريًا بمباراة "بيبو وبشير بيبو والجون" .. يومها لم نحضر  تلك المباراة في الاستاد، فقررنا أن نحضر أول مباراة للأهلي ضد الزمالك في الموسم الذي تلاه 2002/2003.

كانت كل الظروف والأجواء مواتيةً لفوزٍ مضمونٍ للأهلي وكانت ثقة جماهيره كبيرةً بالفوز وكانت معنوياتهم واصلةً لعنان السماء مُنْتَشين بالفوز التاريخي ضد غريمهم اللدود في آخر مباراة بينهما، بالإضافة إلى تصدُّر الأهلي لجدول المسابقة في الموسم الجديد بفارق خمس نقاطٍ كاملةٍ عن منافسه التقليدي الزمالك .. وفي المقابل كانت معنويات جماهير الفريق الأبيض تحت الصفر، مما انعكس على الحضور من الجانبين في ذلك اليوم .. إقبالٌ كبيرٌ من جماهير الأحمر وإحجامٌ غير مسبوقٍ من جماهير الأبيض.

مرتديًا تيشيرت الأهلي الأحمر، خرجت من عملي مع صديقاي متوجهين مباشرةً إلى الاستاد .. كان موعد المباراة في الرابعة عصرًا .. وصلنا قبلها بساعتين تقريبًا إلى بوابة دخول جماهير الدرجة الثالثة الخاصة بالنادي الأهلي بجوار مركز البولينج وبانوراما حرب أكتوبر .. تفاجأنا بحشدٍ هائلٍ من الجماهير الحمراء تقف أمام بوابة الدخول .. اشترينا ثلاث تذاكر وانتظرنا دورنا في الدخول وسط الحشد المنتظِر .. بعد مرور أكثر من ساعةٍ من الانتظار كانت الأعداد تتزايد باطرادٍ، بينما بوابة الدخول لا تزال مغلقةً .. بعد أن تذمر الجمهور من هذا الوضع، أعلن أمن الاستاد عبر مكبرات الصوت أن الأماكن المخصصة لجمهور الأهلي قد امتلأت عن آخرها وبالتالي فلن يدخل المزيد من الجمهور .. كيف تكون المقاعد ممتلئةً بينما يملك كل شخصٍ من هذا الجمهور المنتظر بالخارج تذكرةً في يده؟! .. إما أن ما يتم طباعته من تذاكر أكثر من العدد المسموح به، وإما أن هناك من يدخل بدون تذكرةٍ .. وفي الحالتين ليس لنا ذنبٌ أن نتحمل نحن ضريبة إهمالِ وتقاعسِ وتقصيرِ القائمين على تنظيم مثل تلك المباريات !.

كان المتبقي على موعد انطلاق المباراة أقل من ساعةٍ .. قررتْ بعض الجماهير الانتظار قليلاً على أمل فتح البوابة والسماح لهم بحضور المباراة من داخل الاستاد ولو وقوفًا، بينما شعر البعض الآخر بالإحباط فقرروا المغادرة والعودة للمنزل للحاق بمشاهدة المباراة عبر شاشة التلفاز، فيما كان قراري أنا وصديقيَّ مخالفًا لكلا الأمرين .. بعد ثوانٍ قليلةٍ من التشاور قررنا أن نفكر خارج الصندوق .. سوف نشاهد المباراة من مقاعد جمهور الزمالك داخل الاستاد !!.

**********************************

على الفور استقللنا سيارة أجرة دارت بنا نصف دورةٍ حول الاستاد لتستقر بنا في طريق النصر أمام بوابة الدخول المخصصة لجمهور الزمالك .. قبل أن نهبط من السيارة، صرخ أحد صديقاي فجأةً في وجهي: "يا نهاااااااااااار أسود .. أحنا هندخل إزاي وإنت لابس تيشيرت الأهلي ده؟!!".

لحسن الحظ كنت قد أخذت معي في حقيبتي سترةً ثقيلةً تحسبًا لبرودة الجو داخل الاستاد، خاصةً وأنني كنت أرتدي "تيشيرت نصف كم" في عز برد يناير .. أخرجت السترة على الفور وارتديتها في عجالةٍ، ثم هبطنا من السيارة متوجهين إلى بوابة دخول جمهور الزمالك.

وقفنا وسط الجمهور القليل المتحمس لفريقه .. كانت تنتابني رجفةً كلما تخيلت نفسي وقد انكشف أمري وأنا وسط جمهور الزمالك، فكنت أشد سوستة السترة – لا إراديًا من حينٍ لآخر – حتى أطمئن أن تيشيرت الأهلي لا يظهر منه أي لونٍ أحمرٍ من تحت السترة.

وقفنا ننتظر الدخول بينما موعد انطلاق المباراة يقترب، ولم نتحرك قيد أنملةٍ رغم أعداد الجماهير القليلة .. الساعة الآن الرابعة تمامًا .. بدأت المباراة بينما نحن لا نزال خارج الاستاد .. بعد مرور ست دقائق سمعنا صيحاتٍ خافتةً قادمةً من داخل الاستاد تبعها بعدها بثوانٍ حماسٌ وصياحٌ هستيريٌّ من بعض المشجعين الزمالكاوية المنتظرين معنا خارج الاستاد والذين كانوا يتابعون اللقاء عبر الراديو .. لقد أحرز الزمالك الهدف الأول إذن.

انتقل الحماس إلى بقية الجمهور المنتظِر وزادهم الهدف غضبًا فراحوا يهتفون في استياءٍ يريدون الدخول ولا يعرفون سببًا لمنعهم رغم بدء المباراة .. فبدأ الأمن في إلقاء التعليمات للجمهور بالاصطفاف في طابورٍ طويلٍ بمحاذاة سور الاستاد .. حدثت حالة من الهرج والمرج والتزاحم المفاجئ حتى يكسب كل شخصٍ دورًا متقدمًا في ترتيب الطابور .. شعرت باختناقٍ رهيبٍ وعدم القدرة على التنفس وسط هذا التكالب غير المنظم، وزاد الطين بلةً ظهور عشرات رجال الأمن ممتطين أحصنتهم وممسكين بالهراوات لتنظيم الطابور ولإلقاء الرعب في قلب كل من تُسَوِّل له نفسه الخروج عن النظام الذي يريدون منا اتباعه!.

بعد مرور ثماني دقائق من الصيحات الأولى سمعنا صيحاتٍ أخرى قادمةً من داخل الاستاد ولكنها كانت هادرةً هذه المرة .. لقد أحرز الأهلي هدف التعادل .. نظرتُ إلى صديقيَّ نظراتٍ فرحةٍ مكتومةٍ مَنَعَ التعبير عنها وجودنا وسط الجمهور الأبيض .. لم تمر دقيقةً أخرى إلا وسمعنا نفس الصيحات الخافتة الأولى فعرفنا أن الزمالك قد أحرز هدفًا آخر.

أصبحت النتيجة 2/1 لصالح الزمالك بعد مرور 15 دقيقة فقط من عمر المباراة ولا زلنا خارج الاستاد !! .. بعد خمس دقائق بدأنا في التحرك البطئ حتى وجدنا أنفسنا داخل مدرجات الزمالكاوية .. كانت المقاعد الخالية أكثر من تلك الشاغرة، فاتخذنا مجلسنا في مكانٍ شبه خالٍ من الجماهير بينما قلوبنا يعتصرها الألم والحسرة ونحن نشاهد مدرجات الأهلي أمامنا في الناحية الأخرى ممتلئةً عن آخرها، في حين أننا نجلس عاجزين عن التعبير عن أي انفعالٍ وسط جمهور الزمالك المتناثر داخل مدرجاته.

بعد مرور خمس دقائق على جلوسنا، أطلق سيد عبد الحفيظ لاعب الأهلي قذيفةً مدويةً هزت شِباك مرمى الزمالك مزغردةً لتعلن عن هدف التعادل الثاني للأهلي .. كدت أن أقفز فوق المقعد الذي أجلس عليه مُعَبِّرًا عن فرحتي، لكني وجدت يدًا قويةً تمسك بذراعي في اللحظة الأخيرة .. كانت يد أحد صديقاي الذي نظر إليَّ نظرةً امتزج فيها الشعور بالفرحة مع شعورٍ بالحذر من الوقوع في أي خطأ في التعبير عن هذه الفرحة قد يؤدي إلى نتيجةٍ لا يُحْمَد عقباها .. كانت الدماء تغلي داخلنا بسبب فرحتنا المكبوتة الحبيسة داخل عيوننا وأفواهنا .. اقترح أحدهما أن نذهب إلى دورة المياه فذهبنا .. لحسن الحظ لم نجد أحدًا داخلها، فرُحنا نرقص ونقفز في فرحٍ هستيري لنُخرِج شحنة الفرحة الحبيسة .. شعرنا بالهدوء النفسي فعدنا مرةً أخرى إلى مدرج الزمالك لنتابع سير المباراة بكل أدبٍ.

مع بداية الشوط الثاني ومرور الدقائق بدأنا نتعود على التظاهر بالفرحة مع كل هجمةٍ ضائعةٍ من لاعبي الأهلي والحسرة مع كل هجمةٍ ضائعةٍ من لاعبي الزمالك على عكس ما نُبطِن .. كان الأمر صعبًا لكننا نجحنا.

مع توالي الهجمات الضائعة للنادي الأهلي، أطلق ياسر رضوان لاعب الأهلي قذيفةً بيمناه فجاءت في الشِباك من الخارج .. قفز أحد المشجعين بجوارنا معتقدًا أن الكرة هدفٌ للأهلي وهو يصرخ بأعلى صوته مادًا ذراعيه على اتساعهما: "جووووووووووووون" .. كان أهلاويًا مُتخفيًا مثلنا لكنه لم يستطع كتمان التعبير عن مشاعره مع تلك الهجمة التي ظنها هدفًا .. بدأ بعض جمهور الزمالك في الاقتراب منه وهم ينهالون عليه بالسباب، وقبل أن يبدأوا في ضربه انشقت الأرض عن بعض المشجعين الذين راحوا يَحُولون بين المشجعين الغاضبين وبين ذلك المشجع المسكين الذي افتُضِح أمره للحيلولة دون ضربه، وراحوا يمتصون غضب الزمالكاوية الذين ساءهم جلوس أحد الأهلاوية وسطهم وجهره بالتشجيع لفريقه بتلك الطريقة بينما راحوا – من ورائهم – يغمزون بعينٍ واحدةٍ للرجل المسكين وهم يطلبون منه أن يجلس بعيدًا في آخر المدرج وحده إذا أراد أن يستمر في المشاهدة دون أن يُعبِّر بأي انفعالاتٍ تؤذي مشاعر جمهور الزمالك الذي يجلس في وسطهم .. لقد كانوا أهلاوية أيضًا .. لم يتطلب الأمر كثير من الذكاء كي ندرك ذلك.

**********************************

انتهت المباراة بالتعادل 2/2 وانتهت معها مغامرةً جريئةً لم تتكرر، ولا أظن أنه لو تكرر نفس الموقف مرةً أخرى بعد ذلك أننا سنتخذ نفس القرار.

مرَّ أكثر من ثلاثة عشر عامًا على هذه المباراة .. وعلى الرغم من حضوري أكثر من مباراةٍ قبلها وبعدها بالاستاد، إلا أنني لن أنسى ما حييت تلك المباراة التي شجعت فيها الأهلي من مدرجات الزمالك.



  • 3

   نشر في 08 غشت 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا