[ قضية الشّرف عند الأتراك ]
ما بين العادات والتقاليد، والدِّين، والسياسة .. والعرب!
نشر في 16 فبراير 2020 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
نعم، لقد كنتُ مثلكم أحسب الأتراك يعيشون كيفما يشاؤون وأنهم "اجتماعيا" أكثر "حضارة" منّا وتقدماً و رُقياً، وأن الذي يحكمهم برأس قائمتهم هو "القانون" .. قانون صِيغ بكل لغات العدل والمنطق والرَّجاحة. قانون يقف فوق عادات وتقاليد وحتى شرع الدِّين ذاته.
قانون يصدح (الإنسان أولا .. الإنسان ثانيا، والإنسان أخيرا). وأن حياة الأتراك - الأكثر من ال84 مليون نسمة - ومختلف مواطنهم تصير وفق ذلك!
هل هذا صحيح؟
لا! تقريبا لأ. فوجئت بأن هيئة المعيشة للأتراك تبدو بشكلها "حضارية" وفق المصطلحات الساذجة والعالمية العامة. تأخذ منحى "الحرية!".
خُض بحياتهم! تعمّق .. إنهم مثلنا! نعم مثلنا لحد صادم. لا تغرّك أشكالهم وملابسهم ولا حتى "مُحن شوارعهم!".
الكثير من الأتراك -وليس كلّهم- يلتزمون بالعادات والتقاليد القُروية الصارمة. العلاقات المشدّدة بين الأنثى والرجال، النظرة الدّونية للمرأة، أو الخضوع "التام" لسُلطة الأب أو الأخ أو الزوج. وعلى رأي أحدهم: إن كثيرهم نقلوا بداءة وتعصب قُراهم للمدن الكبرى.
من المثير للغرابة بأن الحياة الإجتماعية التركية فيها الكثير من الظلم الذي قد لا يختلف عنا لحد بعيد. فالنساء (عديدهن وليس كلهن) محكومات على أمرهن بالعديد من الأُسر، ومُنخضعات لعادات بالية، وحياة مِلؤها (القيل والقال) والتخلف والجهل و"مصطلحات العار" الكبرى. بل قد لا نتفاجأ إن وجدنا أتراكاً ينظرون للفتيات اللواتي يكنّ مع زملائهن الشباب بمكان عام بأنهن "Bitches " تماما! حتى لو كانت تلك الفتيات بشعرهن ولبسٍ شبه عاري بنفس الوقت. ذلك لا بأس به، لكن الوقوف مع شباب هو جرم وعار!
والعكس صحيح ..أسر تنظر "للبس المُغلّق" أنه هو وجه الشرف لديهم. وغيرهم لا ينفكوا عن التزمت الشديد في كل الأمور من لباس وعلاقات وعُقد!
من ضمن الأخبار المتداولة بأن "منصّة وقف جرائم قتل النساء التركية"، في تقرير شهر يناير 2020، نشرت خبر قتل 27 إمرأة -على الأقل-، في تركيا في شهر يناير السابق، من قِبل الرجال.
ووفقًا للتقرير، قُتلت 27 إمرأة من قِبل الرجال في يناير 2020، وما زال استغلال الأطفال والعنف الجنسي مستمر.
وقًتلت 5 سيدات لاتخاذهن قرارًا متعلقًا بحياتهن، مثل الرغبة في الطلاق، ورفض المصالحة، ورفض الصداقة.
وثبُت أنه في معظم جرائم قتل المرأة، استخدم الرجال الأسلحة النارية. ووفقًا للتقرير، قُتلت 15 سيدة بأسلحة نارية، و8 بآلات حادة. وقتلت أخرى بالخنق، واثنين بالضرب، وواحدة بالحرق.
وجاءت محافظات إسطنبول وأنطاليا ومانيسا وإزمير التركية على رأس المحافظات التي يحدث بها جرائم قتل المرأة في تركيا."
يُضاف على الهامش بأن هناك مسائل "شرف" أو عادات وتقاليد لدى الأتراك عند النزاعات يحكمها ما يشبه عندنا بالمجالس العشائرية أو شيوخ العائلات ليفضّوا النزاعات فيها أو للتدخل الحاسم بما يوافق عوائلهم و"سمعتهم".
هذا وكما ورد سابقا حول سنة 2019 -2018:
"بلغ عدد النساء اللواتي قُتلن في تركيا خلال شهر أغسطس فقط هو 49 إمرأة، وقُتلت 214 إمرأة في الأشهر الستة الأولى من عام (2019) .. كما سُجّل مقتل 440 إمرأة في العام 2018، فيما قُتلت 409 في عام 2017 حسب أرقام نشرتها جمعية حقوق المرأة 《 سوف نُوقف قتل النساء 》.
وفقاً لبيانات أحد المنصات الإعلامية تدعى "سوف نُوقف قتل النساء" فقد شهد العام 2019 قتل 474 إمرأة على يد أزواجهن، مما يشكّل ظاهرة تنتشر في المجتمع التركي كل عام. "
.
.
ما الذي جعلني أتطرّق لهذا الموضوع؟
ليس وجودي في تركيا فحسب، بل أن معيشتي و "معاشرتي" لهم على وجه خاص، جعلتني أتعرّض للعديد من المواقف التي تستحق القراءة والإطّلاع بالموضوع، والتناقش.
المواقف عديدة .. لكن أبرزها كان قبل عدة أيام، حيث مازلت أسكن ببيت لسيدة سورية زوجها تركي الأصل. والعمارة بأكملها أتراك. في ذلك اليوم جاءت (شكوى ضد هذا البيت)، من جيراننا الأتراك، والشكوى كلامها والقرف فيها كثير، لكن مُوجزها: كم أن الكثير من الأتراك حشورين وأنوفهم طويلة بما يكفي للحاجة بسلخها!
نحن "سكن بنات"، أسكن فيه أنا وصاحبة البيت وبنتين محترمتين جدا من جنسيات مختلفة. ولأن مشاكل كثيرة حصلت بهذا البيت قد قررنا جميعنا -نحن البنات الثلاثة الرحيل من هذا البيت-، وقد كان أن سَبقَتَاني كلتا البنتين أول أمس وانتقلتا لبيت آخر. انتقالهما كان نهارا، والانتقال لبيت جديد يتطلب -بالطبع- شُنط كثيرة وأغراض مُتعبة، و"آخرين" يساعدوا في عملية النقل. يومها رأى الجيران الأتراك هاتين البنتين وهما ينتقلا بأغراضهم ومعهما "شب" وسيدة أخرى يساعدانهما بالانتقال. ماذا حدث!
اشتكوا الجيران "الملاعين" لصاحب العمارة بأنهم رأووا 15 شنطة قد خرجت من هذا البيت وأن البيت يأتيه شباب باستمرار عند البلكون -حيث نحن طابق أرضي-!!!! هل هذا تدخل؟ أم تطفيش للعرب ذاته رغم زوج صاحبة بيتنا التركي -القذر أصلا-!
الأمر قد يختلط. حسنا لا بأس لكن الشكوى دار فيها "سوق شرف" أكثر من اللازم وحقارة ما بعدها حقارة!
في سيرة ثانية تذكر لنا صديقة، بأنها في أحد شهورها بتركيا كانت تسكن بسكن بنات محتشم ومحترم، وفي مرة من المرات كانت هناك بنت بالبيت تغتسل/تتحمّم، وبعدما خرجت من الحمام وهي لابسة روب الحمام، كان شباك غرفتها مفتوح الستار فيه، البنت لم تفعل شيء! جاءت بأن تنشف شعرها حتى رأينها مجموعة نسوة بالجهة المحاذية من شباكها وفور ما بلغوا البوليس "بيت دعارة!!!!". تقول يومها جاء البوليس بتهمة الدعارة!! كنت لحظتها أتناول طعامي أنا وزميلة سكن .. وعينك ما تشوف إلا النور!!
هل هو الشرف المقطّع نفسه عند الأتراك! أم كوننا العرب .. لا نعرف!
في نقطة مهمة حول هذا، قد يصدف عليك وأن نمر مرورا على بيوت أتراك أرضية وشقق مفتوحة وترى فيها بأُم عينك (غرف نومها في ليالي حمراء!!). هل يشتكي أحد أو يسوق الشرف أحد على أحد!!
في سيرة ثالثة أكثر تحديداً وعدم اختلاط وعلى مستوى خاص: عندما جئت تركيا، سكنت مع حوالي ٧ بنات تركيات، كانت إحداهن خرّيجة جامعة جديدة لتخصص طبيّ. كانت ترتدي ما تشاء وكل ما تشاء، لكنها من ولاية مختلفة. أذكر تماما هذه الفتاة، كانت "مجرمة دخان"، لم تكن السيجارة تُزال من يدها لدقيقة. كانت تعاني تحديا صعباً حول أهلها، فهي من ولاية مختلفة، وأهلها يحكمون عليها بضرورة سرعة إيجاد العمل للبقاء باسطنبول أو المغادرة لبيت أهلها فورا! فلا بنت لديهم تبقى خارج بيت أهلها دون عمل! والفتاة كانت لا تريد الرجوع. ومحطمة نفسيا، لكنها محكومة بأهلها،،
القصص تطول وتطول وتطول، والتشعبّات لا تنتهي.
هل هذا كل ما في تركيا!؟
بالطبع لا! فأنت كمغترِب أو سائح أو حتى لو كنت خبيراً اجتماعياً ثقافياً بذاتك، لن تستطيع بكل حالاتك حصر أكثر من 84 مليون نسمة يعيشون على مساحة تتجاوز 783 ألف كم مربع، بعاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم وأنماط حياتهم.
إنها جمهورية كبيرة .. فيها كل شيء. كل شيء! لكن الذي يُراد الإشارة به في هذه المقالة هو أنه لن يصبح عليك غريبا أن تجد في الأتراك كل هذا بل وبشكل ملاحَظ وملفت، .. حينما تختلط، أكثرا فأكثرا بهم،،
وللحياة معهم .. بقية😁😎
** يُشار بالانتباه/ بأن الحُكم السياسي القائم يؤثر على الحياة الإجتماعية سواء في تركيا أو أي دولة أخرى. ذلك اتصال لا انفصال فيه.
#يارا_العفيفي
yara.elafifi@gmail.com
16.2.2020 م
-
Yara S. Alafifiفلسطينية الهوى والمنشأ، والمولِد الكائن بتاريخ 29 يناير للعام 1993م في قطاع غزة،، وإنّي أَطرقُ لـِ [الحرية] باب.. أو أحاول!
التعليقات
ما جعلك تحسبينهم -بزعمك- أصحاب حضارة وتقدم، هو كون قانونهم يعلو على كل شيء، حتى الدين.
يا لها من كلمات رهيبة خرجت من فكر فاسد، أصلح الله حالنا وحالك.
ثم إن الأمم تتهافت على أخذ شيء من القانون الإسلامي -محدثتك خبرة بهذا المجال-، في الفقه المقارن اكتشفنا أن المملكة المتحدة، وغيرها من الدول، تستفيد أيّما فائدة من قانوننا الإسلامي في بعض موادها القانونية، لأنهم قد استقر في بواطنهم أن العدل كل العدل في الدين الإسلامي.
هذه المرة الأولى التي أصدف فيها مقالًا بهذه المنصة الراقية بهذا المستوى السيء في الفكر، وحتى في النقد.
بورك قلمك.