تذوقها وإن كانت سُماً .. فهي الشهد كله إن دققت !
نشر في 08 يونيو 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
" ماذا يا صغيري ؟ , ألا تُعجبك ؟ , أترفضها وتبدأ بإرتسام ذلك العبوس على وجهك البرئ ؟ , لم يكن هذا الوجة الذي قد عاهدته عليك منذ أن رأيتك ورأتك عين الحياة !! , ايُمكن لمُجرد ملعقة صغيرة من غذاؤك أن تفعل ذلك بملامحك النقية البسيطة غير المُتكلفة ؟! .. غريب ولكن لا عجب عليك فأنت الآن أبسط من أن تُدرك معنى تلك اللحظة , عقلك أبسط من ملامحك تلك أضعاف ما تتخيل ولكنك حتماً ستصل لمعناها في لحظة ما .. "
والآن ماذا ؟ , ألم تمر عليكم أنتم تلك اللحظة الصغيرة في حياتكم ؟ , بالطبع قد مرت منذ سنوات عديدة وكنتم في نفس موقفه هذا , ولكنكم قد إختلفتم في ردة الفعل أنا على ثقة من ذلك , فمنكم من أغمض عينه في نُكران شديد لما يراه وهو بأصعب من شكل وحش الكارتون الذي يُشاهده , بل أعنف منه لما يبعثه في نفسه من مشاعر وإن كانت بدائية ولكنها قادرة على محو إبتساماته وضحكاته العالية التي لا يكف عنها منذ أن وجدتيه يُشاركك منزلك , ومنكم من قد جعل عيناه مفتوحتان ولكنه مع فتح عينه قد فتح فمه أيضاً .. لا ليس للقبول والخضوع لتلك الوجبة الدسمة , ولكنه ليبدأ بالصُراخ الذي هو بمثابة كابوساً ولكنه واقعي لا تحتاجي أن تخلدي لنومك حتى تعيشيه بكل تفاصيله " المُمله " ! , ومنكم من هرب وإنسحب من تلك الجلسة الفظيعة , إنسحب بكرامته قبل أن تصرخي أنتي فيه لنفاذ صبرك , ومنكم من وجد أن الإستسلام هو الحل , فما الجدوى إذاً من محاربة تلك السيدة التي وجدت مُتعتها في إطعام أو قُل " إرغام " طفل بائس مسكين على دفع ما يكره ! , تلك الملعقة هي أشبة له بسلاح قديم قد استُخدم في الحرب العالمية الأولى مثلاً , وهي إنتشلت ذلك السلاح " الملعقة " من تحت أنقاض الجثث وجاءت به إليك , حسناً فلتستسلم الآن , ولكن قبل أن تفقد الأمل في متعة هذا المذاق وإستساغته , دعني اُبشرك أنه الشهد الذي سيُولد من سُم غذاؤك هذا .. كيف إذاً يا حضرة الطفل العنيد .. ويا حضرة القارئ المُبدع إليك الســر ..
تلك اللحظة التي تمرض فيها وتذهب إلى طبيبك المُعالج بعد أن وجدت حالتك تزداد سوءاً , فيُشخص حالتك وبعدها تتعرض للحظة تحسبها هي الأشنع في تاريخك " لحظة كتابة الروشتة " , أدوية أدوية وحقن وتحاليل و و و , وأنت تقف أمام هذا الكم الكبير من الدمار النفسي والعصبي ولا تقوى على التفوه بكلمة , "فهل أنت أدرى بعمل الطبيب ؟! ", تلك هي جملة والدتك في محاولة لتهدئة أعصابك حيال فيضان الأدوية التي قد كُتبت لك , تكره طعمها وتبغض رائحتها وتسخط على إسم الشركة المُصنعة لها حتى ! , أرأيت إلى أين يصل بك الحال لمجرد أنك تجد في مجرد ملعقة دواء يؤخذ كل 12 ساعة فقط هلاكك وهلاك صفاء ذهنك ؟! , بالطبع هو شعور قاسي جداً أن تبتلع ما لا تود إبتلاعه ولكنك مُجبر على ذلك , فلا طعم يُستساغ ولا رائحة تُحب , والأصعب أن تستمر فترة العلاج طويلاً أو لا تُبدي مفعولاً في نفس الليلة " كما تمنيت أنت حتى تتخلص من هذا الكابوس الذي هو أكثر إزعاجاً من ألم المرض نفسه " ..
يوم وإتنين وتلاتة تجد أن جسدك قد تأقلم على الوضع !! , بعد أن كنت ترى في ذلك الدواء غرقك الذي لن تنجو منه لا محالة ويظل مذاق الدواء غريب التركيبة هذا في حلقك لساعات وأيام تجد أن الأمر قد تبدل الآن ! , كيف ذلك ؟ , هل يُمكن أن يتحول الموت إلى حياة مشرقة ؟! .. نعم يُمكن وذلك الأعجب والأغرب !! ..
فتلك هي الحالة المُسماه بالإدارة والتحكم ..
لولا أنك قد تركت لهذا الشئ المجال أن يُدير ساعات علاجك لما كنت ستتحمل أن تأخذه ليوم واحد فقط , فقد إستطاع بكل بساطة أن يتحكم بك بكل ما يقوى على فعله , حتى وإن كنت لا تود أخذه ولكنك تأخذه تحت بند دوافع الشفاء والتخلص من تلك الحالة والعودة من جديد لحياتك الطبيعية مرة أخرى , فإن عاندت القدر لن تتحمل الواقع والنتائج لهذا العند , فلم تجد مفراً من الإستسلام له , فأما أن يقضي عليك في حالة فساد التصنيع التي لا نخجل من التحدث عنها في زمننا هذا , وأما أن تتأقلم عليها نتيجة " فن الإدارة " الذي قد إنتصر عليك في النهاية وكان هذا الشئ الذي أعجز عن تعريفه بالنسبة لك ولكنه شئ مكروه على أية حال , قد تبدل وتحول إلى أمر مُعتاد له موعد محدد تذهب له أنت وتتعهد حينها أنك في كامل قواك العقلية والنفسية والعصبية , والإرادية .. ويصبح جزءاً لا يتجزأ من يومك الطويل , وإن كان قصيراً ولكن المرض يجعله يتمدد ولا ينكمش وتلك نظرية فيزيائية حديثة يا سادة قد إكتشفناها بفضل لحظة " الإدارة " ..
تتسارع الأيام , وأنت لا تتغافل عن موعد الدواء هذا , أصبح الآن صديقك ! , ياللعجب !! , تستيقظ فجراً خصيصاً لتتذوق طعمه المُر " قديماً " اللطيف " حديثاً " , فكنت كنت منذ أيام تراه عدوك الأوحد , وترى أن وجوده بالمنزل كوجود جارك الُمزعج الذي قد تعاركت معه منذ سنوات ولا تسأل عنه ولا تُلقي حتى عليه التحية ولا السلامات , أصبح الآن جليسك في الفراش الذي تتحدث معه في وقتك الطويل التي تقضيه بين تعرجات سريرك , نعم هو كذلك ..
لحظة الإدارة يا سادة قادرة أن تجعلك تتحمل مالا يُمكن تحمله من الأساس , تجعلك ترى الشروق من قلب الغروب المُعتم المُفزع , تجعلك تتخيل النجوم حتى في عز الضهر , تجعلك ترى أحلاماً وتعش بتفاصيلها وأنت لم ينغلق أو ينطبق لك جفن , يجعلك تحب وأنت تهتز بالكراهية , يجعلك ترى الصحراء فياضة بالزهور الزاهية , أدركت الآن قيمة تلك اللحظة ؟ ..
فكم من لحظات غضب قد صادفتنا حيال أمر ما ! , ولكننا نتيجة إنعدام إدراكنا بمعنى الإدارة الصحيحة السليمة البناءه قد خسرنا ما لا تمنينا خسارته يوماً ! , وبلحظة الإدارة تلك تحول الغضب الساحق إلى تفاهم وتبادل أراء ومن ثم نتيجة مُرضية لجميع الأطراف الحاضرة في النقاش والغائبة عنه أيضاً .. وكم من لحظات حزن عاسرة قد عصبت بهدوء نبضنا وحيويته ! , وبعدم إدراك ميكانيكة الإدارة الحقيقية وجدنا القلب قد تشبع بالحزن ولا نقوى على نزعه والتخلص منه ! , وبلحظة إدارة صحيحة إستطعنا أن نستبدل الحزن إلى " تأقلم " دون عواقب , فالتأقلم حتماً سيؤدي إلى نتيجة نهائية مُنصفة لك , ولكنه الصبر على الوصول وإدراك قيمة تلك اللحظة وسحرها عليك .. فإن إستمر العلاج طويلاً فستصل لليوم الذي تُعلن فيه شفاؤك وتلك هي النتيجة التي تمنيتُها , ولك أن تتخيل أن حينها ستجد وداعك لعلاجك هذا بمثابة وداع لصديق عمرك الذي قرر ان يُهاجر بلا عودة , فلن تراه ولن يراك ,أحاديثكم ستنتهي وكل شئ سيتوقف , ووقتها فقط ستدرك أن لحظة الإدراة كانت هي السر وراء ذلك الود المُتبادل ..
حسناً يا صغيري , لنعد إلى حديثنا الذي بدانا به .. هل تجد الآن أن هذا الطعام سئ ؟ , أم أنك ستُحوله إلى حلوى شهية ؟ ..ارى وجهك قد تبدل الآن إلى فرح من جديد , وأنا الآن قد فهمت ردك حتى ول كانت على هيئة ضحكات كلمات غير مفهمومة كما إعتدت ..