"لمـاذا؟" .. تلك الكُليمة الصغيرة التي طالما نُهرنا عنها ! ومُنعنا كثيرًا أن نطرحها حتى باتت من المُحرمات !!
ربما لفترة قريبة جدًا كنتُ مثل الجموع أسير ورائهم وأخاف -مثلهم- أن أسأل ! لكنني ومنذُ بدأتُ رحلة العيش البسيط وجدتُ نفسي شيئًا فشيئًا أعتادُ السؤال حتى صار جزءًا من عقلي اللاواعي .. لماذا أفعل هذا ؟ لماذا سأذهب للجامعة اليوم ؟ لماذا أكتبُ هذه الخاطرة ؟ لماذا بدأتُ هذه السلسة ؟ .. لماذا لن أذهب لمعرض الكتاب هذا العام ؟ لماذا لن أشارك في تلك الدورة ؟! .. من قبل، كنتُ سريعة الاندفاع نحو كلّ شيء حرفيًا ! لكنها أيام أو أسابيع -على أفضل تقدير- وتخبو جذوة الحماسة بداخلي ورويدًا رويدًا أنسى ذلك الشيء تمامًا .. كأنهُ لم يكن !
مع تكرار ال"لمـاذا" تلك اختفى هذا الطبع تدريجًا -بالمناسبة سأحكي لكم حكاية عن "تدريجيًا تلك لكن في مرة أخرى- وأدركت أن (الوعي) الذاتي بدوافعي لأفعل أو لا أفعل هو أهم بكثير من تشمير اليدين والانطلاق !
و أوّل سؤال فتح باب "لماذا" وكان القطرة الأولى في الغيث .. هو "لماذا سأعيش ببساطة؟" .. بالطبع لم أعثر على إجابة .. لأنني لم أكن أعرف معنى "العيش ببساطه" بعد، عدلتُ السؤال بعدها إلى: "لماذا لا أعيش ببساطة ؟ لماذا لا نعيشُ ببساطة ؟ لماذا نريد المزيد دائمًا؟" ..
بعد بحث ليس بقصير وصلتُ لإجابة أرضت عقلي وأسكنت علامات الاستفهام تلك ..
فهمتُ أن الناسَ في سعيّ حثيث نحو السعادة وأظنُّ أن هذا يمثل الدافع الأكبر وراء التلهف نحو المزيد من كل شيء ! المزيد من الطعام ، المزيد من الأصدقاء، المزيد من الإعجابات على منشورات الفيس بوك ، المزيد من الثياب الباهظة والجميلة ، المزيد من كل شيء والقليل القليل من السعادة !!! كيف هذا إذن ؟
لو وقفنا قليلًا لنتنفس الصعداء من هذا الركض المحموم وراء السراب لأدركنا أن السعادة كانت دائمًا أقرب وأسهل وأبسط مما نظنّ ! كانت بداخلنا دائمًا ، منتظرة اللحظة التي نراها فيها والتي لن تأتي أبدًا مالم نُغير نظرتنا لأنفسنا ولما نملك وما لا نملك ! وأن نرضى بما نملك، وأعظمُ من ذلك الرضا بما لا نملك!..
الرضا لا يأتي من نفس جاهلة أبدًا ! ما أعنيه هو أن الوعي الذي تحدتُ عنه هو مطية الرضا :) .. الوعي بذاتك وبما تملك وبما يعنيه لك وبما لا تملك وبما يقضيه الله بحكمته في منعه ..
حينها سيأخذُ ما هو مهم فعلا جزءًا أكبر من حياتك -فقط بإزاحة ما هو غير مهم- فتتغير نظرتك له .. ستمتن فجأةً لوجوده وسترضى به ، بأقل القليل منه .. لأنه حقيقي ومهم فعلا ويلبي إحتاجًا ما كان لشيء آخر أن يلبيه .. لأنه لا يُستبدل :)
ستدرك -كما أدركتُ- أن كل تلك الأشياء لا تُسعدك بقدر سعادتك حينما تكتسب عادة صحية جديدة وتكسب بها نفسك .. حينما ترسم ابتسامة على وجه شخص مهم في حياتك :) حينما تخرج من دائرة الراحة وتنتصر على خوفك من شيء لطالما تمنيت أن تحققه لكنه كان يُنسى بين تلك الأشياء الكثيرة !
ستُسعدك فعلا قراراتك الجيدة والتزامك بها ! واهتمامك بما هو مهم فعلا كصحتك ونضجك الفكري والنفسي وعلاقاتك الصحية وما تقدمه لنفسك المستقبلية وللآخرين أيضًا .. هو أهم بكثير من ممتلكات تثقل كاهلنا أو علاقات تؤذينا وتجعلنا نجور على من هم أهم !
جرّب أن تفكّر كل ليلة وأنت تضع رأسك على الوسادة في ثلاثة أشياء على الأقل كنتَ ممتنًا لحدوثهم اليوم ! كأن تتناول كوب قهوة مع شخص قريب .. أو تسير إلى عملك/مدرستك وتمارس هواية التأمّل وتصفي ذهنك .. أو تمتن لأنه لم يحدث شيء سيء مثلًا !
دمتم بود
-
زهرة الوهيديأكتب... لأنني أحب الكتابة وأحب الكتابة... لأن الحياة تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني وتُخيفني وأنا مولعةٌ بهـا” رضـوى عاشور :)
التعليقات
هل صحيح و بدقة أن الوعي هو مطية الرضا؟؟؟؟
توجد جلمة أخرى ساخبرك عنها حينما اتلقى ردك الموقر
جميل أكيد..تتفنين في الكتابة و راقيةر بأسلوبك