قصة لوحة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قصة لوحة

قصة لوحة

  نشر في 09 ديسمبر 2018 .

وقفتُ أمام َاللوحةِ البيضاءِ التي نادتني أن أنقذها من الوحدةِ الكئيبةِ حيثُ تلاشى وجودها بجانبِ حائطِ الغرفةِ الأبيض. أمسكتُ بيدي الفرشاةَ و ليس لديّ شيءٌ أريدُ أن أرسمه، تاهت عينايّ من الذهابِ و الإيابِ بين زوايا اللوحةِ الأربع. ألقيتُ الفرشاة َبجانبِ علبِ الألوانِ و أدرتُ ظهري للوحةِ، و لكنَ صوتاً ساخراً من خلفي أجبرني على العودةِ للغرفةِ ثانيةً: كنتُ أظن أنّي وحدي من يعاني من الفراغِ، وحدي من يملؤهُ فضاءٌ كالسحبِ البيضاءِ … هي ظلالٌ تحجبُ زرقةَ السماءِ بلا مطر.

ليس بالغرفة غيري أنا و هي ….. وقد تحدتني أن أعودَ و أرسم َعليها ما لست أدري ،و ليس بخاطري فكرةٌ أو صورة. رسمتُ شجراً و ورداً و بحيرةً صغيرةً بها بطةٌ تسبحُ مع صغارها الصفرُ، و قد تماوجَ سطحُ البحيرةِ حولهنَ بدوائرٍ صغيرةٍ تكبرَُ كلما سارعن بالتجديفِ للحاقِ بأمهنَ كأنهنَ زهرُ البابونجِ الراقصِ على أنغامِ نسيم ِالربيع. ابتعدت عن اللوحةِ، و أسندتُ ظهري للحائطِ لأرى الصورةَ من بعيدٍ، و أتاكدَ من الأبعاد ِو الظلال. و فجأة بدأتُ بالضحكِ لأني تذكرتُ أني قد رسمتُ هذه اللوحةَ من قبل.

ليسَ لديكِ من جديدٍ و قد نضبَ منكِ المعين، قالت بلهجتها الساخرة ثانية. و إن يكن -قلت في نفسي- سأصححُ قليلاً في انعكاسِ البطاتِ الصغارِو ظلالِ الماءِ، و سأذهبُ للنوم. وضعتُ اللوحةَ على الأرضِ و قد تعبتُ من الوقوفِ أمامها للساعتينِ الماضيتين كأني اردتُ أن أقولَ لها .. حانَ وقتُ النوم…. و لكنْ حينَ حملتُ علبة َالألوانِ من على الطاولةِ لأضعها بجانبِ اللوحةِ على الأرض، كنتُ قد نسيتُ أن أغلقَ العلبَ ، فانسكبتْ الألوانُ على اللوحةِ التي لا زالتْ رطبة . لم أغضبْ .. بلْ عكسَ ذلك وجدتُ فيها انسياباتٍ كأنها لغةٌ جديدةٌ و أحسستُ بأني أفهمها، و قد بدأتْ معانيها تلامسُ قلبي. بدأت أسكبُ الألوانَ على اللوحةِ بدونِ فرشاةٍ، و حملتُ اللوحةَ كالطفلِ الصغيرِ الذي تهدهدهُ أمهُ قبلَ النومِ. بدأتْ الألوانُ تتمايل على جسدِ اللوحةِ فاختفتْ البحيرةُ والبطةُ و صغارها، و تلاشتْ الغابةُ بكلِ شجرها و وردها.

توقفتُ قليلاً و قد أدركتُ أني لمْ أرسم هذه اللوحةَ الجديدةَ،ْ بلْ الألوانِ قدْ خرجت عن السيطرةِ و خالفتْ نظامَ الرسمِ. لم أقبلْ … و لن أسمحَ لها بالتعدي على سيطرتي و سلطاني …. أمسكتُ الفرشاةَ النظيفةَ التى لم تلطخها الألوانَ بعد- و لست أدري أغاضبةٌ أم متعبةٌ … أم هو ما كان ينقصُ اللوحةَ- و بدأتُ أدوُربالفرشاةِ في نصفِ اللوحةِ برسمِ دوائرٍ و مداراتٍ كتلكَ التي كانت في رأسي الذي أثقلهُ النومُ و أتعبهُ الهيامُ في عالمِ الفِكَر. تركتُ الغرفةَ.. و تركتُ اللوحةَ مثقلة بالألوانِ … ولا أظنها ستشكو من الفراغ ِبعدَ الآن.


  • 2

  • راوية وادي
    كاتبة و رسامة فلسطينية .مدونتها الخاصة علي الإنترنت Rawyaart : (https://rawyaart.com) متفرغة للكتابة و الرسم في الوقت الحالي.
   نشر في 09 ديسمبر 2018 .

التعليقات

Abdou Abdelgawad منذ 5 سنة
ماأجمل لوحاتك حتى لو تداخلت الألوان أو حتى سكبت عليها رغما عنك ، ومااجمل خيال الفنان وهو يشكو الفراغ من كثرة زحام أفكاره وتداخلها فالفنان الحقيقى يشعر به قارئه حتى لو تداخلت كلماته أو تشابكت ألوانه.. تحياتى لكم فنانة عظيمة ومدونتك رائعة
0
راوية وادي
شكراً لك على الإطراء الجميل. و (الفنان الحقيقى يشعر به قارئه) حقيقي عندما يقرأ له من يحس بكلماته و ما في باطنها و خلفها من معاني و تلك سمة الكاتب و الفنان.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا