أكيد أن القضية التي أثارتنا مُؤخرا هي مسالة القدس ، و لكن المتمعن في خريطة جراحات العرب يسمع صوت جرح غائر آخر من الجهة المقابلة للقدس ، ففي خضم الأحداث المتسارعة ، و بحكم منطق التفرقة السائد اليوم قد يطرح الأحرار على أنفسهم سؤالا خطيرا جدا ماذا لو هوجمت قطر، هل سيتداعى لها كل الجسد بالسهر و الحمى ، كما حصل مع القدس ومع ميانمار و كيماوي سوريا ، أم سيبحثون عن فتوى برائحة المسألة الخلافية لإيجاد الإباحة و جواز التخاذل .
هل سيهب الجمع كرجل واحد ، أم سنتعامل بمبدأ نفسي نفسي ، و الحرص على بقاء الحريق بعيدا عن البيت ، نقول هذا بعيدا عن جوهر الخلاف ومن له الحق ومن هو خارج السرب ، و لكن حصار قطر أثبت لنا و للمرة المليون أننا سنضحي لإحياء ذكرى سايكس و بيكو ، و سنشيد لهم المعالم و نتقرب لهما بالصدقة الجارية عرفانا لما زرعوه فينا من أسبقية الولاء لقطعة الأرض التي نسكن فيها على دماء و أعراض من يقاسمونا نفس الدين و التاريخ.
إذا قرر العرب التصرف كعرب ، فان نخوة العروبة تملي عليهم أن يلبسوا عباءة عنترة و يستلوا سيف صلاح ، و إذا تصرفوا كمسلمين فمن واجبهم الانتصار للأخوة في الدين و ما يمليه واجب الولاء و البراء، تماما كما انتصروا للقدس و لغزة ، و لكن ما نشهده اليوم في بلاد العرب أخلط الحلال بالحرام و ساوى بين الضحية و الجلاد، ففي وقت تكتلت فيه الدول الأوربية و تقاطعت مصالح أمريكا و روسيا و الصين ودول الغرب قاطبة بأرض المسلمين مشكلين وحدة مزعومة ، فكرتها العامة تقاسم خيرات الخليج و إخضاع دول البترول منتصرين للمصلحة العليا لشعوبهم ، و مترفعين عن الخلافات ، و إن كانت قلوبهم شتى ، فهم يتداعون على القصعة من كل جانب و غالبا ما يكون العرب هم من يغسلون الصحون ، و هم يرقصون في اراب ايدول لتوفير السكينة و الهدوء ، ليتلذذ الوحش بالوليمة ضاحكا من تصديق الأغبياء لفكرة دعم الإرهاب .
حصار قطر أعطانا الصورة الكاملة للعلاقة الخادعة بين الإخوة ، فلم يشفع لهم لا التاريخ و لا الجغرافيا و لا وحدة اللغة و لا الدين و لا المصير المشترك المشابه لمصير الثور الأبيض ، و لا حتى وحدة الهندام الموحد ، فلا العباءة و حدت الحشود للدفاع عمن يصلون كما نصلي و لا الشماغ شفع للوقوف في وجه الخلافات إرضاءا و توقيرا لشيوخ القبائل و لا الشارب استل عنتريته للذود عن العرض و صيانة وحدة شمل العائلات و عدم تشريدهم ، و لكن الذي حصل أننا تآمرنا على بعضنا ، و استوردنا إبرة التفرقة التي تجعل منا اسودا و سباعا على أولي الرحم فقط ، واقع رفع زعيم كوريا الشاب لدرجة حكمة كومفوشيوس لما قال أو قيل لنا انه قال أنهم لا يخشون أمريكا لأنهم ليسوا عرب .
إن قطر حتى و إن أخطأت فهذا لا يعطي أبدا ذريعة للخصوم لتعرية بعضنا البعض زورا و بهتانا ، و كشف العورات خارج مجلس الصلح الذي لا يدخله إلا أولوا الأرحام ، فمن سعى سرا للحصار هو من يمسك بحد السكين المغروز في صدر امة ملكت بترول الدنيا و غاز الشتاء و الصيف ، و الذي أمر بحرق اليمن و إحناء نخل بابل و قطع ياسمين دمشق و هو الرابح الأكبر .
فيا أمتا ضحكت من جهلها الأمم ، و يا تاريخا اختصر في الشعر الماجن و طرب أخر ليلة في حياة الأندلس ، فالقافلة ستمر لا محالة بنا أو بغيرنا و الكلاب ستنبح بلا شك ، فشجرة الخيانة لا تثمر أبدا و حبر التاريخ سيرسم من خان و إسم من نصر ، و سيشهد التاريخ أن المسلم حاصر المسلم و باع القدس و رقص و طبل و زمر و زرع الفتن تحت غطاء ماذا.........محاربة الارهاب.
محمد بن سنوسي 23-12-2017
-
بن سنوسي محمدمدون حر اطرح افكاري و اسعى للمشاركة في اصلاح المجتمع