تجليّات العولمة القانونية والسياسية في قرار ترامب
وعد ترامب..مع إسرائيل ظالمة أو مظلومة
نشر في 02 يناير 2018 .
تاريخ السادس من ديسمبر 2017 لا يُنسى، سيذكره التاريخ الذي لا يَنسى، عندما يتحدّى دركي العالم أمم ودول العالم ويُعلنها صراحة أنه مع إسرائيل ظالمة أو مظلومة (وهذا ليس بغريبٍ)، وعلى ديدن من سبقوه من رؤساء دركيين يدوس بسبّاطه على الشرعية الدولية، في الوقت الذي كان يُفترض أن يُحذف بسبّاط يليق بوجهه الكريه كما فعل الزيدي مع بوش الإبن.
ما أشبه وعد اليوم بوعد الأمس
بعد مرور نحو قرن عن وعد بلفور البريطاني يأتينا الوعد الأمريكي بأحقية حفنة من يهودٍ صهاينةٍ باحتلال القدس سياسيا بعد احتلال دولة فلسطين واقتطاع أجزاء كبيرة من إقليمها، فتصبح قدسنا قدسهم وعاصمة كيانهم.
إن النظام العالمي الصهيوني قد درسنا وأحاط بنا خبرا، ودوله على يقينٍ من أن المسلمين قد استسلموا ولا حياة لمن تنادي؛ لأنك تُسمع من ناديت حيا لا ميتا صار فوق الثرى يُزار، ويا ليته كان ميتا تحت الثرى يزور، كان سيكون أرفق بحاله الذي صار مُزريا لا يدعو إلى الشفقة والرأفة بل يدعو إلى الشعور بالذلّ والمهانة حدّ الاحتقار والاستقذار.
قرار ترامب وسياسة عولمة القانون الدولي
نحن نقول دائما أن عولمة القانون الدولي مطلب أمريكي غربي صهيوني لن تتخلى عنه الولايات المتحدة الأمريكية وأعوانها من الغرب وأذنابها من العرب، عندما يأتي العلج الأمريكي ترامب في لحظة فيُقرّر منح القدس على طبق إلى إسرائيل.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل صارت الشرعية الدولية تؤخذ من قرارات السياسيين أم من القرارات الدولية ؟!. أم ربما أصبحت قرارات الساسة الأمريكان تشرعن قواعد القانون الدولي على غرار القرار الدولي الذي استقرّ الفقه القانوني المعاصر على أنه مصدر لها ؟!.
إن الاعتراف الأمريكي بأحقية يهود بني صهيون بالقدس عاصمة لكيانهم؛ يُشير بوضوح إلى أن العولمة الأمريكية صارت متجذّرة في الحقيقة القانونية التي تصدر بها قرارات الجماعة الدولية، وهي ترسّخ المفهوم الأمريكي الراديكالي الأصولي للعولمة مُصطلحا ومُمارسة، وأن العولمة ما هي إلا تجلٍّ من تجلّيات السياسة الأمريكية الماضية في التحكم في القانون الدولي.
ترامب تحدّى العالم والعالم الإسلامي، يقينا منه بأن الشعوب المسلمة - تحديدا - لن يكون لها كبير تأثيرٍ، بل حتى لا يهمّه ردّة فعلها، يقينا منه أيضا أن الحكومات قد صدرت شهادة وفاتها وانتهت مراسيم دفنها، وأكلت يوم أكل الثور الأبيض...وأن الشعوب لا حول لها ولا قوة ولا تملك حولا ولا حيلة.
ترامب ومتطلبات الأمركة
كاريزما دركي العالم الجديد (ترامب) فريدة تصنع الفارق مقارنة بمن سبقها؛ هي شخصية تقدّس المال وتستمد قوتها منه، وتستند إليه في تمرير رسائلها وتقرير قراراتها، وما تهديده مُؤخّرا للدول التي اعترضت على وعده بإسرائيلية القدس الفلسطينية العربية الإسلامية بتجويعها ومعاقبتها اقتصاديا؛ إلا مئنّة على تمكّن المال والأعمال من سياسة هذا الرجل.
منظمة الولايات المتحدة الأمريكية
لقد أصبحت منظمة الأمم المتحدة بيتا أمريكيا بامتياز، فعلى مرّ تاريخها الطويل الحافل بعديد المواقف والإنجازات لفائدة المجتمع الإنساني العالمي، إلا أن مواقفها المخزية والهزيلة ضدّ الإنسانية المسلمة – على وجه الخصوص - لا تنكر ولا تغتفر.
نعم، نحن نثّمن قرار الجمعية العامة للمنظمة الأمريكية (...) التي غلبت فيها العدالة على النذالة، وتصويت 128 من أعضائها ضد قرار ترامب الأخير بشأن وعده بإسرائيلية القدس، لكن...!!
لكن هل هذا كافٍ ووافٍ وشافٍ ؟
أشارنا إلى أن المفهوم الراهن للعولمة كمصطلح وممارسة قد استقرّ على أنها محاولة لأمركة العالم بأتمّ معنى الكلمة، وأنه لا بديل لهذه العولمة عن تجسيد المشروع الأمريكي العالمي المتنمّر والمتأمّر والمدمّر المُواطئ للكيان الصهيوني، ونحن نعتقد أن قابل الأيام لن يكشف إلا مزيدا من الاحتقان ومحاولات العبث بمشاعر المسلمين والعالمين.
لذا نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتلك لوبيات المال ورجال الأعمال والنفوذ والسلطان لن ترعوي بهكذا قرارات، والتاريخ يشهد أنها لم تفعل ذلك قبلا، وإلا لما تغوّلت حتى داست على الأعراف والقوانين والأديان، ورسّخت أمركة العالم عنوانا لسياستها الراديكالية ومدلولا صحيحا لعولمتها.
والرأيُ السديد أن وضع حدّ للتغوّل الأمريكي على مقدسات المسلمين، مفتاحه بأيدي المسلمين أنفسهم، برصّ الصّف وتوحيد المواقف، وضرب العدو سياسيا واقتصاديا وإعلاميا وقانونيا ضربة رجل واحد فيتبعّض ويتفتّت وتذهب ريحه، حتى لا نقول ضربه عسكريا فهذا أشبه بالمستحيل الذي لن يتحقّق وإن قامت أسبابه وتحققت دواعيه.
ما خفي كان أعظم
لعلّ الكثيرين لم ينتبهوا إلى المرامي البعيدة لقرار ترامب، لكن من المذهل أن نشير إلى أحد أهم الأطروحات التي بتّ مقتنعا بها بشأن هذا القرار، الذي يُمهّد للاعتراف بالكيان الإسرائيلي والتطبيع معه علانية دون استحياء، من خلال إقرار أحقيته في مُشاركة الفلسطينيين عاصمة دولتهم، عبر قرار حلّ الدولتين إلى دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية و(...) إسرائيل وعاصمتها القدس الغربية.
لا شك أن إقرار أحقية إسرائيل في عاصمة سياسية (ودينية) على غرار غيرها من الدول، هو شرعنة رسمية لوجود هذا الكيان؛ إذ لا يصحّ إقرار منطقة معينة عاصمة رسمية لدولة ما إلا إذا كان وجود هذه الدولة شرعيا ومُعترفا به من جميع دول العالم، وعلى رأسها دول المنطقة، والإشكال في هذه الأخيرة.
إن العالم الرسمي والمؤسساتي مُعترفٌ بوجود إسرائيل كدولة منذ تأسيسها، لكن هل اعتراف دول المنطقة العربية بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل سيجرّها للاعتراف بإسرائيل كدولة ؟؛ إذ من غير المعقول والمقبول ألا يكون ذلك اعترافا بالوجود الشرعي لإسرائيل كدولة متاخمة لدول منطقتنا العربية، وهذا هو مكمن الخطر في قرار ترامب الذي يُكرّس لأمركة العالم أو عولمة العالم وفق الرؤية الأمريكية.
هل قدسهم قدسنا ؟
سؤالٌ قد يكون من العبث طرحه، فالقدس الشريف قطعا هي بضعة منا لا نقاش ولا جدال ولا مراء في ذلك، لكن هل يُمكن أن تكون قدسهم التي رسمتها توراتهم وخلّدت أحداث تاريخهم المليء بالدم والظلم، هي قدسنا التي اغتصبت منا بوعد الماكر بلفور ؟
هو سؤال مهم ذو قيمة تاريخية قد تعصف بالمخيال الصهيوني الإستشراقي الغربي الذي عبث بالتاريخ الفلسطيني وإسقاطاته المكانية والجغرافية...
واسألوا الباحث العراقي الدكتور فاضل الربيعي إن شئتم !
كتبه: د/ عبد المنعم نعيمي
كلية الحقوق- جامعة الجزائر 1
-
عبد المنعم نعيميوما من كاتبٍ إلا سيفنى *** ويُبقي الدَّهرَ ما كتبت يداهُ *** فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يَسُرّك في القيامة أن تراهُ