دنا منه أحدُنا قائلاً:
“دلّني على شيئٍ إن عملتُ به صرتُ قرآنا ناطقاً وإنجيلاً متنقلاً وزبورا”
فأجاب الحكيم:
“هو أمرٌ إن تمسّكتم يه فلن تظلوا بعدي أبدا”
“فأين هو؟” قال الرجل.
“دلّني أيها الحكيم عليه، حتى أسعى من ها هنا إليه”
فأجاب الحكيم:
“لا يُباع في الأسواق، ولا يُبتاع ولا يُعرف الناس له ثمنا.
نبذله بلا مقابل، وقد نقطع آلاف الأميال بحثاً عمّن يعطيه لنا.
به تنمو طموحاتك ويرتقي سقف أحلامك، وتنسى همومك ويزداد نشاطك.
به تكسب الثقة بنفسك وتشعر بقوة أكبر، ويزداد إيمانك بالله وتحبّ الناس أكثر.
به تعشق ذاتك وتجذبك المرآة أكثر، وتهتم بصحّتك وتبدو بالعُمر أصغر.
به تستأنسُ أشياءً كرامةً لمن لا يشبهك، ولا تعُد ترى عيوباً كانت من قبل تزعجك.
به تظهر كما يحبّ أن يراك سواك، وتقبل على ما لم تكن من قبل ترضاه”
قال الرجل:
“زدتني شوقاً إليه، ولم تصف لي بعد كيف السبيل إليه؟”
فقبض الحكيم على كتفي الرجل بيديه وهزّه بلطف، وهو يقول مبتسماً:
“ألم ترَ كيف فعل حبّك بأناسٍ، كنتَ من قبلُ عاجزاً عن التأثير فيهم؟.
ألم ترَ كيف فعل حُبّ اُناسٍ فيك، حتى صرت تفعل المستحيل لترضيهم؟
ألم ترَ كيف يؤثر الحبّ في الناس، فيلقي عنهم بؤسهم وينير ظلمة لياليهم؟
ألم ترَ كيف يغيّر الحبّ في الناس، فيبدّل من أفكارهم بل ويقلّب دينهم؟”
ثم حوّل الحكيم نظره إلى الناس، فطلع على صخرةٍ وخاطبهم:
“عجبتُ لمن أراد أن يَحفِز جليسه، كيف لا يدري أن السبيل لذلك هو دفقة حُب!
وعجبتُ لمن أخطأ مع خليله، كيف لا يراضيه بأن يهمس في اُذنه كلمة حُب!
وعجبتُ لمن له صديقٌ مغاضبٌ، كيف لا يبرد غليل صدره بابتسامة حُب!
وعجبتُ لمن له صاحب مريضٌ، كيف لا يداوي علّته ويشفي جرحه بجرعة حُب!
وعجبتُ أكثر لمن أراد كسب ودّ أخيه، كيف لا يتقرّب إليه بمشاعر حُب!
بالحب نقرّبُ البعيد ونسعدُ الغريب ونغني المحتاج ونداوي المريض.
من يسقي الناس الحبّ يغنيه الله من كل حدب، ويطفي عطش فؤاده ويجيب مسألته.
أيها الناس تداووا بالحب ففيه شفاءٌ من كل داء، وفيه وقاء من كلّ همٍّ، وبه تحيون في صفاء”.
ثم رفع الحكيم إلى السماء يديه حتى بان بياض إبطيه:
“اللهم انزع الغلّ من قلوبهم، واجمعهم على حبّ بعضهم، وانشر الأمن والخير في ربوعهم”.
ثم ما أن همّ بالتحرّك فينا، حتى وقف هنيهةً ورفع سبابته قائلاً:
“ألا هل بلّغت؟ أللهمّ فاشهد”
منشور أيضاً في "نافذتي"
https://wordpress.com/post/akbasca.wordpress.com/2540
-
أقباس فخريلا أكتب للناس بل أكتب لذاتي. أحاول العثور على نفسي حين أكتب. لعلّي ألملم شتاتها المبعثرة فأجمعها، أو عساني أعيد تكويني.