حين يَرجع الحرامي من الحجّ! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حين يَرجع الحرامي من الحجّ!

بمناسبة حلول عاشوراء، وأداء عدد كبير من الساسة العراقيين لفريضة الحج، بدعوة من السعودية. والقصة تلخّص الوضع الراهن في العراق تلخيصاً بليغاً.

  نشر في 30 شتنبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

 لا أحتاج معابد ولا فلسفات، فعقلي وقلبي هما معبدي، وفلسفتي هي حسن الخُلق - دالاي لاما

حدّثنا عيسى بن هشام فقال: لاحقه تأنيب الضمير بما أخذت يداه، لا يدري يقيناً: أمِن حلالٍ ناله أم مِن حرام؟ فرأى نفسه محرماً في المنام، حاجّاً طائفاً حول بيت الله الحرام. لعلّ الله يمحو بها ذنوبه، ويفيض عليه من كرمه وجوده، ما يغطي به على ملياراتٍ عديدة، وفرصٍ للاقتناص وعقاراتٍ جديدة.

فجاءه الفرج في دعوةٍ وجّهها ولاة الأمر في الحجاز، إلى بضعة آلاف من أصحاب الامتياز، للنزول ضيوفاً عند خادم الحرمين، لتقديم فروض الطاعة والتحاور في شؤون الدين. فانضمّ إلى حملةٍ من رتبة سبع نجوم، فيها من الرغد ما يحسده عليها أشهر النجوم.

نزل خلالها في أرقى الـ”أوتيلات”، عامرةً بالأسواق والـ”مولات”، ما يغري بقضاء الأماسي بين المعارض والمحلّات. فيما كرّس نهاره للأعمال الجسام، التي تطلّبت منه حضور القلب واللسان. إذ نشط خلالها في الطواف والسعي والقيام. وما قطعت عليه خلوات الذكر والصلوات، سوى آلاف الرسائل والاتصالات، تنبئه بأخبار المشاريع والصفقات، والأرصدة وقيم السمسرة والعمولات.

فسجد لله شكراً بعد كلّ اتصال: “ربّ زدني مالاً وأكرمني في جميع الأحوال”. ثم أدرك نفسه في الديار المقدسة نازلاً، فدعا: “ربّ اغفر ذنوبي، فإن قومي لا يظنونك فاعلا”! وبين كلّ وردين من أوراد الطاعة، أخذ صورتي “سيلفي”، الأولى لأهله يبسمُ فيها، والأخرى للناس يعبد فيها الله بضراعة!

وفي ليلةٍ حمراء من ليالي السياحة، جاءه نداءٌ لملاقاة صاحب السماحة. فتهيّأ بما لم يتهيّأ به لملاقاة ربّه، وحقّ لعبد الريال والتومان أن يلتمس أحسن زينته، للوقوف أمام أصحاب الفضل عليه وأرباب نعمته. فاستوصوه خيراً بأهل بيته وأوصوه بحفظ السرائر، وأعطوه مطالبهم فوعدهم الاجتهاد في تنفيذ الأوامر، ودسّوا في جيبه “شيكاً” من رقمٍ وأصفارٍ شتى، يكاد ينزع قلب العبد من صدره ويستميل هوى قومٍ لدّا، ممّن يدّعون اتّباع الإمام علي، وهم لمعاوية أقرب ودّا.

وحين قفل من الحجّ إلى أهله عائداً، ظل قلبه لمن بالحجاز معلّقاً. يخصّ أولي النعمةِ الذين أتاحوا له شرف الحجّ والزيارة، وعلاوةً عليه نال منهم أمناً ومالاً زيادة. فراح لسانه يلهج بالدعاء والثناء على صاحب الجلالة، ناسياً حال الجياع والمشرّدين في العراق بلا إعالة.

ولمّا عاد صاحبنا “مغفوراً لذنبه”، “كما ولدته أمّه” على حسب ظنّه، أشاد الخيام للحفلات، واستقبل عشيرته وذوي القرابات، وذبح القرابين وأقام السهرات. فتوافد المهنّئون والمتملّقون عليه، وكلّ يمنّي النفس بنيل ما يصبو إليه. فيما ارتدى صاحبنا حلّة المتصوفين الأخيار، وعفّر جبينه بالتراب والأحجار، ورسم ابتسامة الأطفال ووجهاً ناعساً، فبدا كأنه في دنيا العبيد زاهدا.

فأقبلوا جميعاً وانهالوا عليه، يقبّلون جبينه ويديه ورجليه، وتقبّل تهاني المتزلّفين وطالبي الحاجات، آخذاً ما حملوه له من الهدايا والهبات. وبذل في ولائمه لأهله المقرّبين والأحباب، وخلّانه من رجال الأحزاب، من الحلويات واللحوم ما لذّ وطاب.

وفي اليوم الآتي تجمّع صِبية تبدو عليهم هيئة الفقر والحرمان، وخلفهم نسوة وأطفال وشيوخ وشبان، حول حاويةٍ انتهى إليها فضلات الطعام، وأكلوا منها حتى سكت عنهم الجوع، فسعِد صاحبنا والتمس الشراب للجموع. وجاء خدمه يسقونهم بأيديهم الماء، ليطفئوا عطش الحرّ وفقد الكهرباء، فتوضّأوا وأقاموا الصلاة واسترجعوا، واستذكروا العِطاش في كربلاء واسترسلوا. وبكى الجميع واستدرجوني بنشيجهم، حتى خشيت اضطراب الأرض تحت أجيجهم. ثم رفعوا أيديهم لله شاكرين، سائلين زيادة البركة على المسؤولين، ليفيضوا عليهم بما زاد عن حاجتهم، ويسمحوا لهم بإقامة شعائرهم.

ثم تفرقوا بعد جلسةٍ مديدة، وعاشوا عيشةً سعيدة!

طالما بقي العقل مستعبداً فلن يتحرّر الجسد - مارتن لوثر كنغ


لقد تم نشر الموضوع أصلاً في "نافذتي"

https://nafithati.blog/2017/09/17/حين-يَرجع-الحرامي-من-الحجّ


  • 7

  • أقباس فخري
    لا أكتب للناس بل أكتب لذاتي. أحاول العثور على نفسي حين أكتب. لعلّي ألملم شتاتها المبعثرة فأجمعها، أو عساني أعيد تكويني.
   نشر في 30 شتنبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

creator writer منذ 6 سنة
اللــــــــــه !!
لا أعلم لما ظننته في البداية مقالا سياسيا فــ لم اقرأه خوفا من أنّي لن افهمه ، لكن حين قرأته استمتعت بكل حرف ، وفهمت مغزى كلّ فقرة ، وكأنّ المقال موسيقى ساحرة من الكلمات ،
أضاف السجع لحنا جميلا ورائعا رغم مرارة الواقع ، ،

من أروع المقالات التي استمتعت فيها ،
قراءةَ
وشكراَ
واستماعاَ :) :) :)
2
عمرو يسري منذ 7 سنة
رائع .
أعجبتني طريقة السرد كثيرا .
بالتوفيق .
2
أقباس فخري
شكرا لك عمرو على التشجيع الطيب .. آمل أن أكون دوماً عند حسن ظنك.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا