أعطى النجاح الباهر لستيڤ جوبز و مارك زوكربيرغ و اخرون مثالاً فاتناً لمبشري التنمية البشرية.
أصبح هؤلاء الأثرياء المؤثرون في ملايين الشباب الجزرة التي يعدونك بها إذا اتبعت شغفك.
و كالعادة ظهر تيار مضاد لدحض هذه الفكرة يدعو إلى الاستسلام للواقع مع إمكانية البحث عن الشغف إذا تخطت ثروتك المليون دولار.
فالتيار الأول يبيعك السمك في الماء حيث أنه اختار نموذجا ناجحا من ضمن ملايين النماذج الأخرى التي لم توفق و ألزمك بها.
أما الثاني فربّت على كتفك قائلاً لا عليك دعك منه ، يمكنك أن تُكمل مأساتك الآن في سلام .
سواء هذا أو ذاك فالضرر قد وقع ، تم إقحام الشغف في معادلة الرضا و أصبحت لا واعياً تبحث عنه و أنت لا تعرف عنه شيئاً سوى أنه كلما أكثرت من فعله ازددت سعادة.
الغريب أيضاً أن الشغف يتغير بشكل سريع جداً ، فاليوم تشعر أن شغفك في الطبخ و انك قد وُلدت لتتمايل راقصاً بين الأواني و التوابل ثم بعد ستة أشهر تجد أنك تأكل المانجو بقشره لأنك لم تعد تطيق أن تمسك سكيناً.
ثم تنتقل من شغف إلى شغف ومن سراب إلى سراب و الحقيقة الثابتة أنك صرت تكره ما كنت تفعله في السابق.
يمكن تفسير هذه الأزمة من خلال السمات العامة للجيل الحالي المتأثر بالإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي.
جيلنا الذي أصبح لا يهتم بالمعرفة ولكن يهتم بمكان وجودها ، فيقوم بحفظ المنشور المهم و تنزيل الكتاب الرائع و يكتفي بذلك.
جيلنا الذي أمعن في الاشباع الفوري فإذا اشتهى اشترى و اذا انتفض ضغط على زر اغضبني ولم يبالي.
فإذا كانت حاجتك هي الاشباع الفوري فسيباع لك السعادة الفورية و لتحصل عليها يجب أن تعثر على الشغف.
تم انتزاع الصبر انتزاعاً من ثقافتنا العربية و استبداله بالشغف .
يقول الامام ابن تيمية مخاطباً هؤلاء " لم ينل أحد شيئا من جسيم الخير -نبي فمن دونه- الا بالصبر "
ماذا يحدث لو بحث نبيٌ عن شغفه بدلاً من أن يؤدي رسالته؟!!
اتخيل الإمام النووي في كتابه الأذكار يخاطبنا قائلاً " ولا يصدر التنعيم إلا من الأنس والحب ، ولا يصدر الأنس إلا من المداومة على المكابدة والتكلف مدة طويلة حتى يصير التكلف طبعا. فكيف يُستبعد هذا وقد يتكلف الإنسان تناول طعام يستبشعه أولا ويكابد أكله ويواظب عليه فيصير موافقا لطبعه حتى لا يصبر عنه".