على وقع صراخ مرضى السرطان
سميرة بيطام
نشر في 24 نونبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
يشتد الوجع من تعارض حضارتين متناقضتين في المضمون و الشكل و الرسالة ، و يلتف حول رقاب الطغاة سكر فائق التخدير يؤدي بهم الى التجبر و السيطرة لرسم أقدار لمرضى لم يموتوا بعد لكنهم هم آيلون للموت البطيء ، تسارع سلوى في خطواتها في هذه الكواليس الغامضة نحو انقاذ الخطأ بالحقيقة فيرسل لها الفاسدون رسائل انذار للقضية أن تنحي جانبا ، ليس ثمة مكان لقول الحقيقة و لا لاسكات صوت أطفال السرطان في أروقة مصالح المستشفى ، يبدو الأمر مرهقا بل قاتلا للغاية ، ليس لسلوى مصطلحات لتكتب حكاية اغتيال مع سبق الإصرار و الترصد ، ليس لها الا أن تتنفس لتعيش و لتبقى تصارع صراخ الأطفال على أذنيها و هي لم تدر ساعة النظام في وقتها لأنه لا نوم لها منذ عرفت بالمشكلة و هي تعمل ممرضة في أحد أقسام علاج السرطان لفئة الأطفال ، كانت تعتقد أن التمريض يقف حده عند آداء الحقنة أو قياس الضغط أو على الأقل تقبيل جبين طفل لم يعرف أن مرضا قاتلا ينخر جسده في صمت فتلجأ لملاعبته لتنسيه الوجع وقت الفراغ من عملها ، الانضباط غائب مع فئة لا تريد الهدوء ، ووخز الابر قطع أجسادها في كل مكان من الأذرع ، و يشتد الوجع لما تنتهب أموال خصصت للأدوية من الثمن المرتفع ، لا يستطيع القائمون على راحة الأطفال أن يجدوا بديلا لما ضاع من حقهم في العلاج ، كل ما كان من اليقظة قامت به سلوى على جناح السرعة و الا فهي لن تستمر في أن تستمع للصراخ يوميا لتعود بمواله للبيت فيقض عليها لذة الأكل و الراحة و جلسات العائلة ، لا تفهم ما المطلوب فعله في هكذا أمور صعبة و شاقة و فيها مصير حياة أو موت ، تنتفض من فراشها لتشرب لها مسكنا تنام على تخديره فترحل الى عالم آخر يفصل بينها و بين الدنيا مسافة نوم عميق ، لأنه ببساطة لا يوجد حل لقضية فساد حولت حياتها الى جحيم ،و كل يوم الصراخ يعلو و يعلو لأن الدواء لا يؤخذ في أوانه بل لأنه غير موجود أو سرقت أمواله ، لمن الاحتكام في الألم و الدواء المسكن لا يؤدي دوره ؟ ، والمرض أكبر بكثير من تعطيلات المخدر في أوردة رقيقة رقة السن و الوهن .
ما العمل و الغالبية من الأطباء تعلم بالقضية لكنهم لا يتكلمون خوفا من الخصم أو الإقالة ، فالقرار عائد لأعلى مستوى من التغطرس ، تتمايل سلوى في نظراتها بين التغافل و التجاهل و بين يقظة ضمير لتصنع الفارق فيما بين الحضارتين السابقتين ، أين الحل و فيما القرار الصحيح كامن ؟.
كانت لخطوة شجاعة منها في أحد الأيام أن تواجه صناع القرار في هذا التخاذل و الحرمان بل في هذا التسيب المفتعل ، فكان منها أن نادت بالحقيقة حتى ترحم صوت أطفال السرطان من يعذبونها يوميا بل في ليال طول تفكك عبراتها حالة التردد منها ، و لكن حينما تحين ساعة الفصل يصبح لإرادة الانفعال بعد حضاري ثالث في خلق وتيرة الصراحة بادية على الورق و أمام الأوجه و من على مكاتب التفاوض ، فيعلو الغضب خلائق ضدها لتأخذ معها قرار الفصل بكل قناعة على غرار أحجية منسوجة بدقة متناهية من الأكاذيب الملفقة لها ، في ظل نسيانها أنها مريضة و عليها أن تخلد للراحة ، لكن تسارع الأيام ينسيها ما هي فيه من محنة ، لتصطدم بالقرار بنوع من اللاواقعية للحدث و تستمر في النزاع حتى أحست أن الفصل لن يحرمها النوم و لا راحة البال ، فغادرت مقر عملها و كلها يقين أنها قامت بدور يحسب لها يوما آخر في غير أيام الدنيا ، ولها من الشجاعة أن قامت بتوديع الأطفال دون أن تخبرهم بالرحيل ، حتى لا يشعروا بالوحدة القاتلة تحت وطأة التعذيب البطيء ، هي هكذا تسلي نفسها لتنسى حقيقة ما تعرضت له من اقصاء ، لكنها ستشعر بعد اليوم بالراحة لا لشيء سوى لأنها لن تسمع صراخ الأطفال المرضى بالسرطان و لها صمت حكيم جدا في أنها اختارت راحة الضمير على راحة موت الأطفال بسبب التسيب و الإهمال .
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية
التعليقات
مبدعة اختي . دمتي
إنها حقيقة شعبنا السخيف... الكل يعرف الحقيقة و لا أحد يجرؤ على الكلام...و إن تكلمت بدلهم... لن تجد يدا تقف بجانبك...
و مع ذلك...أحيانا قرار كهذا يبقى الأصح...على الأقل لا يموت الانسان بدل المرة مرات كل يوم.
قصة من واقع بلداننا الأليمة...حيث الانسان هو آخر اهتمامات المسؤولين...
بالتوفيق دائما أستاذة سميرة