نحنُ نتعاملُ مع الوقت.. كأنه عبدُنا الذليل!
كانت الساعة 8:55 مساءً عندما جاءني ذلك الإتصال من مديرة الموارد البشرية لتبلغني بأنهم يحتاجون في المؤسسة إلى وظيفةٍ أخرى غير التي كنتُ قد قدمتُ لها..
نشر في 30 غشت 2024 .
كانت الساعة 8:55 مساءً عندما جاءني ذلك الإتصال من مديرة الموارد البشرية لتبلغني بأنهم يحتاجون في المؤسسة إلى وظيفةٍ أخرى غير التي كنتُ قد قدمتُ لها.. وإنهم ينتظرونني في اليوم التالي لإجراء المقابلة معي في الساعة 12:15 بعد الظهر فوافقتُ بعد القليل من الإمتعاض الذي أبقيته داخلي سراً، لأنها أيضاً الوظيفة الأخرى التي يحتاجونها هي من ضمن ما أختص به... وقلتُ بداخلي لا بأس لعلَّهُ الخير في ذلك، ورتبتُ أموري على الذهاب في اليوم التالي وحرصتُ على أن أكون متواجدة قبل موعد المقابلة ب 15 دقيقة على الأقل.
وبالفعل قابلتُ الأستاذة (ر) ورحبت بي بأخلاقها الجميلة وطلبت مني أن أنتظر في غرفةٍ أشارت إليها.. فذهبتُ لأجدها مكتظة ولكنها فُرِغت بعد دقائق تماماً إلا سيدة شابة كانت تجلس لوحدها على مقعدٍ دوار وتنظر إليَّ بإستمرار؛ ففهمتُ إنها من بين من قدّموا للوظيفة خصوصاً بعدما أخبرتني هي بذلك عندما بادرتني بالسؤال:
- هل أنتِ أيضاً قد قدّمت لهذه الوظيفة؟
- نعم ولكن في الحقيقة كنتُ قد قدمت لوظيفة أخرى لأني بدأتُ أطور نفسي بها منذ فترة وأحببتُ أن أجعل منها مهنة حقيقية لي. (أجبتها)
- إذن أخبريهم بذلك (قالت هي)
- لستُ متأكدة، لا بدّ إنهم يعلمون بذلك لأني كنتُ قد أرسلتُ لهم أل (CV) الخاص بي مسبقأً.
في الحقيقة كان الحوار معها خفيف الظل.. لأنها بحكم سنها الذي يصغرني بعدة سنوات كانت مليئة بالحياة والقليل من الغرور والتبجح الذي حاولت أن تظهره في أكثر من مرةٍ على إنها خبيرة في هذه الوظيفة التي تنتظر بصددها المقابلة، وعندما سألتها عن سنة تخرجها فعلمتُ إنها تخرجت فقط من (3 سنوات)!!!
دعوتُ لها بالموفقية وحاولتُ أن أعطيها بعض النصائح الغير مباشرة.. حسناً.. كل ذلك ونحن مازلنا ننتظر!
نظرنا إلى الوقت فوجدناهُ قد إقترب من ال (1) ظهرا؛ فعبّرت السيدة عن تعبها وبادرتها بالإيجاب، قررنا أن نذهب إلى قسم الإدارة وبالفعل سألتُ الموظفة التي كانت قد قابلتني من قبل وإعتذرت بدورها عن التأخير بحجة إن هناك اجتماع وسوف ينتهي سريعاً، عدنا إلى مقاعدنا وقررتُ ان أُصلي الظهر قبل أن يفوتني.
عدنا نتجاذب أطراف الحديث من جديد كي نقتل الوقت والملل الذي أصابنا خصوصاً بعد عبور الساعة ال (1) ظهراً.. فقررتُ أن أخرج لأستكشف الحال مرةً أخرى فرأتني مديرة الموارد البشرية ونظرت إلي في خجل، بعدها بدقائق ونحن خارج حجرة الملل وجدتُ من أتى ليخبرني بأنه ستتم المقابلة عن قريب وبالترتيب حسب الحضور الأسبق.
عدنا إلى حيث كنا وعاد الملل والإنتظار.. كل ذلك وأنا أفكر كيف ومتى سيتم ذلك والوقت الرسمي للمؤسسة قد شارف على الإنتهاء.. فراودتنا فكرة المغادرة أكثر من مرة ولكن كنا نتراجع لكلمات يرددها أحدهم وينصح بضرورة الإنتظار وإننا في بلد يجب أن نتوقع منه الأسوء دوماً وإنه لمن الطبيعي أن نواجه مثل هذا القصور والإهمال!
<<كل هذه أمور أنا على علم بها ومدركة لحجم الفوضى التي تملأ حياتنا وقد تعايشنا معها لسنوات طويلة؛ ولكن أليست هناك من نهاية؟ أليس هناك من جديد نحو الأفضل؟ أليس هذا الوقت الذي نهدره في كل مرة هو شيءٌ مقدس يجب أن نحترمه؟>>
إن كنتُ أضيع كل يوم من حياتي ساعتين في أمور تأخذ الكثير من فرص الإنتاج لدي.. وبعدها أشكو من تراكم الأشغال وتأخر تحقيق الأهداف.. إليست هذه جريمة في حق نفسي؟
جلستُ لأفكر فيمن تُذلُّ يومها في الجلوس أما التلفاز أو التحدث عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي.. وبعدها أجدها مستمتعة بالجهل الذي تمتلئ به، وحاولتُ أن أُحلل كل ذلك فكاد عقلي أن يتوقف من تراكم الأمور والتناقضات التي تجعل من الفرد يلعن الحياة وظلمها وهو جالسٌ في مكانه لا يتحرك إلّا لشيءٍ تافهٍ يسرق من وقته وإنجازه، وأنا التي لا أجد الوقت لقراءة رسائلي!
إني لا أعملُ سفيرة لبلدي، ولستُ مظيفة طيران، ولستُ أيضاً من ضمن فرق الموسيقى العالمية.. لكني لازلتُ لا أجد ذلك الوقت الذي هو كالعبد الذليل لدى الكثيرين!
#أنظّمُ وقتي وأضع جدولاً لأعمالي ولازلتُ لا أجد ما أفيضُ به على تفاهات يجدها غيري.
بقلم: دكتور أسن محمد
كاتبة ومدربة مهارات شخصية
-
د.أسن محمددكتوراه مهنية في التنمية البشرية - كاتبة ومدربة مهارات شخصية