يا قوم لا تسألوا إن السؤال محرم ! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

يا قوم لا تسألوا إن السؤال محرم !

  نشر في 08 مارس 2015 .

“المسلمون عندهم : السؤال شبهة، والرأي بدعة”، هكذا صدع صديق ذات حلقية فكرية بعد قمعه واتهامه وهو يشاكس في مداخلته، لم أصدّقه طبعا وقلت لعلها  مزايدة للدفاع عن موقفه فقط، للأنني على يقين تام بأن القرآن الكريم في آياته البينات لم يحجر على العقول والأفكار أن تسرح في الاستنباط الفطري بإتاحة الشك السؤال لبلوغ اليقين الراسغ الذي لا تكدره اللوثات، فالمتمحص في حروف القرآن المقيم لحق النظر فيه سيجد تساؤلات ابراهيم وموسى عليهما السلام ترسم لنا أروع النماذج في ذلك،

وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم  يضرب لنا في ذلك المثال الحي الناصع وهو ينصت بإمعان إلى عتبة، ومرة أخرى إلى الشاب الذي طلب الرخصة في الزنى وهلم جرا، ولكن خاب ظني حين أخذتني جراءة الطِّلاَبِ إلى طرح سؤال له في النظر اعتبار، فجرّ علي من الويلات صداما، ومن” الأولياء” اتهاما،  حتى نأى بي الأمر إلى مدارك الاستغراب، وأدخلني في معارك الارتياب، أليس الله في صادق وحيه قد أجاز السؤال؟ أليس نبيه قد أباحه في السّنن والآثار والأقوال؟ خبروني بربكم: على أي منهج أنتم تسيرون !

غضب أحد مشايخي من سؤالي، فكتب مغردا كلمات تلعنني بألفاظ من النار، وكم كانت دهشتي، وأنا أرى أن سؤالي هذا  لا يستحق تلك الرجمات المحرقة، وقد ساءني ذلك حقا، ليس لأن شيخي رد علي، ولكن لأني  كنت اتوقع جواباً  علميا يرشد طالبا حائرا تائها حرا في تفكيره متأملا في أعماق الحكايات، طالب يقرأ ويقرأ ويقرأ، فتعترض له شبهات،  يسأل ليدرأها عن نفسه وعن أترابه، ولا يدرأ هذه الشبهات إلا قول زكي وعلم نقي، لكن للأسف لم نعهد من رجالنا في الدين إلا الرّدود العاطفية، والمواعظ السحرية، واستجداء دمعات الناس بالنبرات والحكايات والزجر الشديد والتخويف والوعيد، ويا ويل ياء النداء من طولها عندما يرفعون عقيرتهم موبخين، مواعظهم فيها كل شيء إلا البحث الرصين، هذه بضاعتهم ولا شيء غيرها، فلو كان لهم حظ من الفهم و نصيب من المعرفة، لأجابونا عن أسئلتنا البسيطة البريئة، واستفساراتنا البليدة،  لكن فاقد الشّيء لا يعطيه، ومن نشأ على تلقي المعلومة باستسلام لا يمكنه إلا أن يلقنها لتلامذته بنفس المنوال، فيجعلون من الطلاب المساكين أكياسا للشحن، وآلات للتكرار، ومعلوم أن السّؤال يؤدي إلى بحث واجتهاد، ونقضٍ لفكرة الأمس وتبن رأي اليوم، وهذا لا يعرفه العقل الروائي ولا يجد له بابا .

راجعت سؤالي: (أين تتجلّى خيرية «القرون المفضّلة» وهم قتلوا بعضهم بعضاً ؟!) بعد أن تعرض للهجوم، فصرت أمعّن فيه النظر لعلّي  أجد سببا واحدا يدفع الناس الى مهاجمتي،فجاءني احساس على  أن خلف السؤال حقائق مخفية، ومعلومات مذهلة، وكذلك كان ذلك، ويا للأسف، فمشايخنا دفنوا كل الحكايات المحزنة، ونسفوا كل القصص المخيفة، وأخرجوا لنا جملة منمقة رنانة (تلك دماء طهّر الله منها سيوفنا فلنطهّر منها ألسنتنا)، جملة تطمئن الكسول عن البحث، وتفرح المتقاعس عن التفتيش عن الحق، فيكفيهم أن يجيبوا السائل بها فينتهي الموضوع بكل بساطة.

هذا عجيب حقاً، لكن الأعجب منه أن نرى من يهاجم الانقلاب المصري وغيره،  ولا يدعو لفتح ملف الفتنة الكبرى، وكشف حقائقه وقول الحق فيه، أليس من هناك اخترعت مسألة شرعية الحاكم المتغلب، وغير هذا من الازمات السياسية التي جاءت من تلك الأجيال، فأنتجت لنا سلفية منبطحة لا تنتفض على الحاكم مهما صدر منه وبان، وأخرى تكفّر وتثور لأوهن الأسباب !

ولا ينقضي عجبي مما كتبه شيخي هذا في منشوره الذي يقصدني فيه: “على من يردّ هذا الشّاب؟”،  في اتهام صريح بأني أردّ على الصادق المصدوق الذي قال: “خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”،  فالقارئ بعد هذا الاتهام المبطن يرتعد ويخاف، فالقضية تؤدي إلى كفر بواح، وردة شنعاء، وصاحبها يقتل بإجماع العلماء، وهذا للأسف فهم سقيم، وفكر قبيح ينم عن قلة اطلاع، وتسرّع في الحكم والقضاء، وإلا فالمسألة بسيطة، والإجابة عنها في فتح الباري مخطوطة، لكن رجال الدّين دائماً ما يلعبون على عامل الخوف والرهبة، فهم يستغلون هذه العوامل فيسيطرون على العقول بشكل تام، مما يحفظ مكانتهم الاجتماعية، وتميّزهم عن باقي المخلوقات البشرية، فتراهم يسارعون في كتابة تغريدات وعظية ملئت عاطفة وخرافة، حتى تطمئن قلوبهم وترتاح عقولهم بكثرة الاعجابات ومدح الأتباع، وللإنصاف فليس رجال الدّين كلهم في هذا سواء، لا زلت أذكر ذلك المساء الذي سألت فيه أحد مشايخنا إن كان الله ظالماً وإذا لم يكن كذلك فكيف يخلق شخصاً بعافيته وآخر معاقاً؟ فما كفرني ولا نهرني، بل أجابني بكل علم وحزم بعيداً عن العاطفة والموعظة، فلكلّ مقام مقال، ولك أن تقارن هذا بذاك مع مراعاة نوعية السؤال !

فيا مشايخنا هذه أيدينا  إليكم ممتدة، وأسئلتنا لكم متناثرة، فهلا نزلتم من أبراجكم العالية، وخرجتم من مكتباتكم العامرة، وجلستم معنا على الكراسي الحانية، وكتبتم لنا الأجوبة  الشافية، والرسائل المفيدة، فليس لنا من دونكم أحداً، ولا أنتم عنّا ملحدين أبداً .


  • 7

   نشر في 08 مارس 2015 .

التعليقات

James Amine منذ 10 سنة
اشكر صاحب المقال ومعك في كل كلمة قلتها شيوخ الضلال لا توجد لهم بضاعة سوى التي ذكرتها وهده هي المصيبة الكبرى لا تسأل يريدون قطعان غنم تتبعهم دون فهم أو إدراك تبا لهم سلام
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا