من تاريخ إحراق الكتب و المكتبات في الإسلام. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

من تاريخ إحراق الكتب و المكتبات في الإسلام.

  نشر في 15 فبراير 2018 .


 ما من شيء ثمين إلا و كان الكتاب أثمن منه ، و ما من جليس كريم إلا و كان الكتاب أكرم منه ، و ما من أمة ناهضة إلا وكانت تحمل في أحد أيديها عقلا راجحا ، و في اليد الأخرى كتابا نافعا ، ما من أمة انحطت و تخلفت إلا و أسقطت من أيديها الكتاب و العقل ، و ربما عوضتهما بالسيف و الخرافة . يعد الكتاب شهادة على الحياة البشرية ، فبانعدامه تسقط بشرية الإنسان فيصير كغيره من الكائنات الحية درجةً و نوعاً .

 يفيد "وول ديورنت" أن أول المكتبات في التاريخ تأسست في الشرق الأدنى أي في سومر و بابل ، أما العرب فلم يهتموا بالثقافة في تاريخهم القديم ، كما أنهم كانوا يعتمدون على الحفظ و ليس التدوين ، غير أنه ما إن انصرم قرن و نصف على بعثة النبي محمد ، و ما إن آل الحكم إلى العباسيين حتى بدأت أولى بوادر الإهتمام بالثقافة و الفكر و التدوين ، و في هذه الفترة تم تأسيس "بيت الحكمة" و "خزانة المنصور" و "خزانة المتعضد بالله" ، فضلا عن المكتبات التي أنشأها المسلمون في الأندلس ، غير أن ذلك لم يأتي إلا متأخرا ، أي بعد نضج المسلمين في التعامل مع ثقافة الآخر ، أي ثقافة البلدان التي فتحوها . غير أن مرحلة ما قبل حصول هذا الوعي للمسلمين ، تميزت بجرائم في حق ثقافة و ذاكرة باقي الشعوب التي دخلوا عليها فاتحين .

  كانت بلاد فارس تزخر بحركة ثقافية و فكرية عظيمة جدا ، كما انبعثت فيها حضارات عريقة ، إذ كانت هذه البلاد تتوفر على مكتبات تظم من الكتب النفيس و الناذر ، في مصنفات الفلسفة و الطب و الهندسة و الفلك و غيرها من العلوم . غير أن المسلمين ما إن استوثق لهم الأمر و تحققت لهم الغلبة على أهل الدار ، حتى اصطدموا بهذه المكتبات ، فأشكل عليهم الأمر ، إلا أن يعرضوه على الخليفة عمر ابن الخطاب ، فبعث له "سعد ابن أبي وقاس" ماذا نفعل بهذه الكتب يا أمير المؤمنين ؟ فجاء جواب عمر كالتالي: "إن يكن فيها من هدي ، فقد هدانا الله إلى ما هو أهدى منه ، و إن يكن ضلال؟ فقد كفانا الله تعالى شره ، فاطرحوها في النهر ، فطرحوها في الماء فذهبت علوم الفرس" (مقدمة ابن خلدون، ص373) . هكذا أتلف المسلمون في دقائق أغلى و أثمن الكتب ، و أفسدوا أرقى المكتبات التي كانت موجودة وقتئذ في بلاد فارس، و أضاعوا عن أنفسهم و عن غيرهم فرصة التعلم و الدراسة على حكمة و علوم الأوائل.

  أما في مصر ، فهي الأخرى أصابت من الحضارات ما هو أعرق و أفخم من غيرها ، كما كانت فيها أعظم مدينة علمية عرفها العصر الوسيط ، و هي مدينة "الإسكندرية" التي كانت تحتوي بين أسوارها علماء من طينة "إيراثوستينوس" ، أول من حسب محيط كوكب الأرض في تاريخ البشرية ، و من أوائل ممن أقاموا دلائل عقلية على كروية الأرض ، ثم "أفلاطون" و "أفلوطين" الفيلسوفين ، "إقليدس" أشهر علماء الرياضيات و المنطق في التاريخ ، و "باطليموس" صاحب كتاب الماجسطي ، و "هيباتيا" عالمة الرياضيات و الفلك ، و غيرهم من لآلىء الفكر و العلم في التاريخ ، حيث كانت تجمع كتبهم و مصنفاتهم في "مكتبة الإسكندرية" ، التي كانت آنذاك أعظم مركز علمي فوق كوكب الأرض .

    و كغيرها من البلاد القريبة من غزية العرب ، تعرضت مصر و الإسكندرية للغزو العربي فدخلها المسلمون فاتحين ، و ما كان منهم كذلك إلا أن يستفتوا الخليفة عمر في شأن المكتبة العظيمة التي وجدوها في الإسكندرية ، أيبقون عليها أم يعدموها ؟ إذ يذكر المؤرخ العربي المسلم "المقريزي" في كتابه "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار"ج1ص159 ، و أكد الخبر من بعده المؤرخ "جورجي زيدان" في الجزء الثالث من كتابه "تاريخ التمدن الإسلامي" ، أما الخبر فمفاده أن عمر ابن الخطاب أجاب عمرو بن العاص ، بأن يتقدم إلى المكتبة و يحرقها و يتلف ما فيها من كتب و مخطوطات ، وذلك ما حصل ، حيث كانت تظم هذه المكتبة أكثر من 700.000 مجلد في مختلف ألوان و أنواع المعرفة البشرية ساعتئد . و بذلك أقدم المسلمين على واحدة من أبشع الجرائم الثقافية في التاريخ ، إذ ارتدت الإسكندرية إلى مدينة طقوس و أساطير ، بعد أن كانت أعظم منارة للعلم و المعرفة قبل دخول العرب إليها .

  و دائما في مصر ، فقد كانت في القاهرة أحد أهم المكتبات الموجودة آنذاك ، و هي مكتبة "القصر الكبير" التي أسسها "الحاكم بأمر الله الفاطمي" ، حيث كانت تظم 1.600.000 مجلد وكان الدخول إليها والاستنساخ و الترجمة مجاناً ، غير أنها تعرضت إلى النهب و السلب والتلف والضياع إثر الخلاف الذي نشب بين المسلمين من الجنود السودانيين والأتراك ، إذ أُحرق الكثير من محتوياتها ، وهناك من يذكر أن بعضهم قد "جعل من جلودها نعالاً له" ، و ما تبقى منها أجهز عليه حرقاً "صلاح الدين الأيوبي" يوم دخل القاهرة ، ثم و بسبب انتشار القحط و المجاعة في مصر في عامي 1348-1349م، راح بعضهم يعرض مجلداً كاملاً للمقايضة على رغيف خبز . هكذا انضافت مكتبة القصر الكبير الفاطمية إلى جانب مكتبة الإسكندرية في قائمة المكتبات النفيسة التي دمرها و أحرقها المسلمون. (زهراء حسن ، حرق الكتب في التاريخ الإسلامي ، ص286-288).

  أما في المغرب ، ثم حرق "مكتبة الغزالي" سنة 500هـ من طرف "يوسف ابن تاشفين" نظرا لاحتوائها على مصنفات علم الكلام ، و لنفس السبب أحرق السلطان محمود بن سبكتكين مكتبة مدينة الري سنة 384هـ ، ثم إحراق مكتبة دار العلم للفقيه الشيعي "أبا عبد الله محمد بن نعمان" ، نظرا لإحتوائها على نسخة من قرآن عبد الله ابن مسعود الذي يختلف عن نسخ قرآن عثمان ابن عفان ، ثم حرق المسلمون مرتين مكتبة الطوسي في بغداد التي أسسها "سابور ابن أردشير" ، نظرا لاحتوائها على كتب المبتدعة ، كما ثم إحراق "مكتبة قرطبة" في الأندلس التي أسسها المستنصر بالله الأموي ، إذ ثم عزل كتب الطب و الفقه و ما تبقى من علوم المنطق و الفلسفة و الفلك حصل إحراق جزء منه ، و رمي الجزء الآخر في آبار القصر ، (زهراء حسن ، ص284).

  من جانب الكتاب فلاسفةً و علماء فهم أيضا أداقوا عذابات الإضطهاد ، إذ شهد "عبد السلام الحفيد الأكبر للإمام ابن حنبل" حرق مكتبته الخاصة بأمر قضائي من الفقهاء ، بعد أن وجدوا في مكتبته مؤلفات أريسطو و رسائل إخوان الصفا ، إلى جانب بعض الكتب في الفلك و التنجيم ، ذلك ما جعل الفقهاء يحكمون عليه بالزندقة ، و لإذلاله نزعوا عمامته عن رأسه فداست عليها العامة تحقيرا له (أمير علي بيود، الإسلام والعلم، ص219). ثم من بعده حرض الفقهاء الخليفة على "الكندي" أول فيلسوف عربي ، فأمر بحرق مكتبته ، بل ثم الإتيان به إلى أحد ساحات بغداد و قد طعن في السن و بلغ من العمر 60سنة ، فثم جلده 50 جلدة أمام عوام الناس (أمير علي بيود،ص235)، أما في قرطبة فقد ثم إدلال الشارح "أبو الوليد ابن رشد" ، حيث ثم صده عن الصلاة في المسجد ، نظرا لتكفيره من طرف الفقهاء و وصفه بالزنديق ، كما أمر "الخليفة المنصور" بحرق كتبه في باحة المسجد الأعظم لقرطبة و نفي ابن رشد خارج المدينة .(عابد الجابري،المثقفون في الحضارة العربية، ص 145-146) . 

هكذا إذن فإن المسلمين تاريخيا ، انتزعتهم نزعة تدمير المعرفة إذا ظهر منها ما يخالف الدين ، و لا نقول أن هذه النزعة خف أوارها ، بل لا زال حاميا وطيسها إلى يوم الناس هذا ، فإلى متى هذا التدمير !



   نشر في 15 فبراير 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا