من ذلك النوع الذي يعد امتلاكها لعنة لصاحبها، انسى كل شيء عدا تلك الأحزان التي يجب أن تُمحى. يقوم عقلي بدوره في تخليد كل الآلام وكأنه يمجدها ويمقتني !
امتلك عقل يشبه كثيراً ذلك الوحش في قصة الجميلة والوحش الذي ألقت عليه إحدى الساحرات تعويذة لتعاقبه على إثم ارتكبه بإختلاف أني لا أعرف ماهو ذنب عقلي ولا أدري متى قد تنتهي تلك اللعنة!
ممتلئ بالتفاصيل كـ خزان مياه اقترب موعد فيضانه لكن عقلي لا يجود لي سوى بالنسيان !
تجمعني الصدفة بعابر طريق فتظل ملامح وجهه تؤرق الباقي من نهاري ، أثق بسابق الرؤية وتخون ذاكرتي أي موعد أو مكان. أزور مكان مراتٍ عدة وفي إحداهن لا أعرف أي اتجاه ينبغي أن أسلك !
أشك بكثير من الأحيان أن عقلي كان ملكاً لعجوز خرف في زمن سابق ، ظل يتعلق بكل مار في حياته حتى فر منه . فعوقب بأن يقبع في الماضي ، فالعجوز هو قلبي الذي سجن عقلي الهرم داخل جسدي في حرب بلا هدنة.
أنا مختل ! ..عقلي ، عيني ، أذني ، كافة حواسي تتأمر علي لاتنفك تصمت عن الحديث بشأن من رحلوا حتى أثمل بذكرياتهم.
العين تذكرهم بالبكاء ، والآذن تخلد كلماتهم ، أما ذاكرتي فهي رئيس العصابة الذي يجمع كل هؤلاء تحت سطوة الصور. كفى كفى أصرخ بهم لكن صوتي متواطئ معهم !
شخص الطبيب حالتي بداء التفكير !
أفكر في الأحداث التي لا يلتفت لها أحد قبل ما يستدعي اهتمام معظم الناس ، الآمر يبلغ ذروته حين يشغل بالي عدة أشياء في وقت واحد !
لم يصلوا بعد إلى علاج لإدمان التفكير ( قالها طبيبي باستهزاء) ، نصحني بأن امتزج بالناس أكثر لأمنع عقلي أن يختلي بي. وهو لايدري أنه لايحلو له ذاك إلا أثناء حديثه مع الآخرين وكأنهم يثيرون به الملل فلا يجد باباً للهروب إلا الفتك بي !
صرت على يقين أنهم سيجدون رأسي ذات صباح كومة أشلاء حينما يشتد الصراع ليلاً فيتبارز القلب والعقل على فتات هزيمتي !
أصبح الجميع يتجنبني كمجنون فرَّ لتوه من إحدى المصحات العقلية ، أجد في تلك العزلة ملاذي ، لكن جسدي ضاق بذاك الصدع في رأسي وعزم على تنفيذ قراره بالسكون.
_نورهان عصام الدين