لقــاء .. بحيــاة أبــدية . - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لقــاء .. بحيــاة أبــدية .

  نشر في 24 يونيو 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

حسبوها تتلألأ لمرة واحدة وفقط , بل وأن إنطفاءها ليس بالأمر البعيد وأنه قد يتحقق بين اللحظة والأخرى .. الحياة التي لم يجدوا فيها سوى الانطفاء والتبدد هي ذاتها الحياة التي تولد في ذات لحظة حسبانهم هذه ! , وودلاتها لم تكن بالأمر الغريب كما تصوروها , بل الأمر الغريب بحق هو ألا تتشكل من جديد , ألا تنبعث مرة أخرى حينما تجدها على وشك الانقضاء ! , ألا تُعيد رسم ملامحها مجدداً كما لو أنها لم تُخلق من قبل , كما لو أنها تستعير رونقها بعد أن فقدته بفعل البشرية , والغريب أنها تستعيده أيضاً بفعل البشرية ! , فالبشرية سالبة ومعطية بذات اللحظة ! , سلبت منها معناها وبعد أن أدركت أن الحياة لن تدوم طويلاً وبدأت لحظاتها الأخيرة .. قررت أن تمنحها حياة جديدة جديرة بأن تسمح لها بالصمود قليلاً .. حتى تُعاد التفاصيل ذاتها .. ما بين سلب وعطاء !

وأما العطاء فهو معناها الجديد السامي ..

فهو ليس بعطاء للحياة وحسب , بل أنه عطاء جديد للبشرية بأكملها , عطاء من البشرية وإلى البشرية , عطاء قادراً على قذف معاني كانت على وشك التحلل مع لحظة السلب التي لم تبخل البشرية فيها لحظة ! , معاني منحت البشرية القدرة على رؤية نور شمس الحياة , كأن شمسها لم تشرق من قبل ولم تُلامس أشعتها الذهبية أرضها يوماً ! , وكأنها إحترقت ولكن إحتراقها لم يكن من أجل إنارة الحياة , بل كان إحتراقاً حقيقياً أخذ ينهش بها حتى أخمد إشتعال توهجها ّ , وبلحظة العطاء هذه .. ولادتها أصبح الآن له معنى , وضيائها أصبح واضحاً كما لو استتر بريقه لدهور والآن هو المسيطر على مشهد البداية .. معاني مُنحت بواسطة إلتقاء روحين ! , قادتهم الحياة لدهور وأخذت ترسم لهم سبيل خطواتهم , وهم في ذلك لم يعلموا أهل هم مُتخبطين مُتأرجحين في سبيلهم أم هو مقصدهم الصحيح ؟! , فقط ساروا مسلوبين البصر , والبصيرة ! , تارة يعصف بهم السبيل فتُطيح بهم أرضاً دون أن يُدركوا لمَ هذه الإطاحة التي لا معنى لها ؟! , وهم على هذا مُجبرين أن يعودوا كما كانوا , لا يهابون الحياة , أقوياء لا يُشغلهم سوى أن يكونوا قادرين على عبورها نحو الخلود وفقط , مهما كلفهم الأمر ! , وهذا الإجبار هو الذي دفعهم للصمود من جديد حتى وإن لم يُدركوا بعد معنى إطاحتهم ومعنى صمودهم هذا ! , وتارة تفرش لهم الحياة سبيلهم بالورود , كأنها أقسمت ألا تفيض عليهم إلا لحظات التعويض عما فقدوه من قبل , والسعادة عما أحزن نبضهم من قبل , والإتزان عما أفاض عليهم من إضطراب من قبل ! , وكأنهم قد أتموا دفع ضريبتهم والآن حان وقت المكافأة .. المؤقتة ! .

روحين ..

لكل منهما سبيله الخاص , المستقل , وخطواتهم أيضاً لم تكن تُشبه بعضها البعض ! , فكل خطوة تسلك طريقاً يتشكل بما تمليه عليه الحياة , لحظاتهم لا تُشبه بعضها , فهو يحزن ويتساقط وهي تقاوم وتصمد , هو يقفز من السعادة وهي تتألم من الحزن , ولكن وبرغم ذلك , وبرغم تناقض لحظاتهم وسبيلهم , إلا أن الروح لم تكن لتكتمل إلا بوجود الأخرى , لم تكن لتُنير لولا شعاع الأخرى التي عبرت حدودها السرية واستقرت بها , فرابطاً يصل الروحين هو الرابط الأبدي الذي لن يُرى ولكنه ينبض بينهم , رابط مقدس وضعه الله بينهم حتى يتماسكوا وإن قذفت الحياة كلاً منهما لحياة أخرى لازمان بها ولا مكان , رابط يُزيد بينهم التلاحم , فليس التلاحم بالأجساد وفقط , بل أسمى معانيه هو تلاحم الأرواح فيما بينها وإن كانت تفصلهم أكوان لا تُعد ! , حينها يصبح التلاحم تلاحماً بمعناه الحقيقي , الذي إنشق عن المعنى المألوف , وخرج عن إعتقاد البشرية وأخذ يسمو نحو مراتب أعلى وأعلى , مراتب الأبدية .. فلا إنفصال ولا تشتت , بل إنغماس وإتحاد ..

روحين ..

لم يزدهم هذا التلاحم سوى القرب , القرب أكثر فأكثر من مُجتمع خطواتهم , وسبيلهم الذي لم يترابط يوماً بل كاد أن ينشق عن الأخر كل لحظة أكثر من اللحظة التي سبقتها , الآن هو على بداية التلاحم هو الأخر , وكأن السبيل يعود لمصدر خروجه , يعود لمبتدأه , ومنتهاه أيضاً .. يعود لأرضه الأصلية , بعد أن كان رحالة يبحث هو عن سبيله ! , والآن قد وجده حينما وجدها , هي .. حواء , وما من حواء وُجدت إلا بوجود مبتداها .. آدم , الذي لن يكتمل وجوده بدونها !

فرصة تكوين الحياة من جديد قد إتضحت حينما إتضحت ملامح الروحين , فهم ذاتهم مبتدأ الحياة وهم أيضاً منتهاها ! , بإلتقائهم تتشكل أروع صورة الحياة , وبإندماجهم تُرسم لوحة الحياة من أرقى ألوان الخلود , وحينما تتفارق الأجساد بنهاية محتومة يُسطرها الموت , تظل ثمرة إلتقائهم حية تُرزق , سائرة , متخبطة تارة , مغتبطة تارة أخرى , بسبيلها الخاص أيضاً , ولكنها لم تكن تعلم أن بإنتظرها حياة أخرى , هناك روح أخرى تقترب منها , بفعل رابطاً روحياً يظل يقيدهم معاً دون أن يعلموا .. متى اللقاء ؟ , أين ؟ , وكيف ولمَ من الأساس ؟! , كلها تساؤلات مجهولة , وإن وُجدت الإجابات يظل فهم العقل أمامها مُقيداً ! ..

وعند اللقاء .. تتبدل المعاني , كأنها تولد هي الأخرى من جديد ..

فكلاً منهما يرى الأخر بعين روحه وليس عين ملامحه , روحه التي وللمرة الأولى تدب فيها الحياة ! , الحياة التي أدركت معنى جديداً للولادة , ولم يقتصر المعنى على لحظة ولادة طفل جاء لعالم جديد لم يكن يستعد للقدوم إليه ولا يود ذلك ! , وأصبح لها معنى آخر , يتضح حينما تجد من يحمل معه مفتاح أبوابك على الحياة , وكأن الحياة وجدت معنى وجودها , ودونها هي تبحث عن الفكرة الكبرى , المعادلة التي تمحي كل ألغاز البشرية , ومجهول المعادلة هو لحظة اللقاء ! , فإن تم , تمت الحياة بحقيقتها التي يتهرب منها البشر , حقيقة أن للحياة حيوات أخرى ..

لم يعي البشر أن لحظة لقائهم ما هي إلا لحظة لقاء جسدي وحسب , أما لقائهم الحقيقي فقد تم قبل أن تصبح للحياة حياة ! , قبل أن يصبحوا هم أيضاً ! , قبل أن تنطق الأزهار برائحتها الفاتنة , قبل أن تتغنى البلابل بما يُطرب اذن الطبيعة , قبل أن تنطلق صيحات الشر وقبل أن ترفرف أجنحة الخير .. لقائهم لم يكن مرئياً بل محسوساً , ولعظمة ذلك اللقاء لم يُرى بأعين بشرية , بل بأعين روحية , وما كان لقائهم الآن سوى للتلاقي بعد ضياعاً طويل فرضته البشرية عليهم وكان مُحتماً ! , أضاعتهم من بعضهم البعض منذ ذلك اللقاء الروحي , وتركتهم يُفتشون عن أثر بعضهم , هنا وهناك , من مشرق الأرض حتى مغربها , وبالرغم من هذا فلم يضطرب داخلهم الأمل في العثور والإيجاد ! , بل زادهم البُعد أيماناً بوجود الأخر .. يقيناً بقرب الوصول ..

وبإكتمال البحث , وجد كلاً منهما الأخر في لحظة جديدة يُخلدها تاريخ الإنسانية , لحظة تُعلن فيها الحياة عن بداية , عن ضياء , عن إشرق , عن حياة ..



  • 2

   نشر في 24 يونيو 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

0
Dallash منذ 5 سنة
ابداع فعلا..احسنت ودام المداد
1
نورا محمد
أشكرك أستاذي .. لك مني كل الإحترام والتقدير لكلماتك الجميلة التي أسعدتني كثيراً :)
Dallash
تحياتي اختي..اتمنى لك دوام التقدم والنجاح

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا