جولة في « بلاريجيا »
معهد الفضاء المدني ينبوع المعرفة
نشر في 27 ديسمبر 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
جولة لم تكن لا في البال و لا في الخاطر.. "عين دراهم" "بني مطير" "بلاريجيا" أماكن سمعت عنها لكن لم أزرها من قبل إلا أنّ معهد الفضاء المدني و من خلال المشاركة في فعاليات الملتقى الثاني لمنتدى مجتمع الممارسة الإفتراضية أتاح لي هذه الفرصة رفقة مجموعة من الأصدقاء من دول عربية مختلفة، فرّقتنا الجغرافيا و جمعتنا محبّتنا و شغفنا للتعلّم و المعرفة، لقاء من الإفتراضي إلى الواقع الملموس..
لم تكن تلك الرحلة مبرمجة مسبقا في برنامج الملتقى بل هي وليدة الساعة مقترح تمّ الموافقة عليه بالإجماع، تمّ تنظيمها في وقت قياسي فكلّ الشكر لمن اقترح و لمن جعله قابلا للتطبيق، الطقس كان مشمسا على غير العادة إذ كان اليوم الذي سبقه ممطرا و باردا جدا، هي إذن رحلة مباركة من المولى عزّ و جلّ.
انطلقنا في تمام الساعة التاسعة و النصف تقريبا من أمام نزل دار إسماعيل بطبرقة صباح يوم الأحد 15 ديسمبر 2018 مستقلّين ثلاث سيارات أجرة أو كما نسمّيها في تونس " اللّواج "..
في اللّواج كان رفاقي أغلبهم من تونس : الجميلات "ألفة " و "عيشة" و "فضيلة"، و الفتاة الأردنية المحبّبة "رنا " التي تشرّفت بمعرفتها جدا جدا رغم أنّني لم أتحدّث معها كثيرا إلا أنّها احتلّت مكانة في قلبي أرجوا أن تجمعني بها لقاءات أخرى، كان هناك أيضا حضور للعنصر الرجالي ثلاثة من الأصدقاء الرائعين : حسن من المغرب "زيدان" من الجزائر و "بسام" من فلسطين أرض الصمود و المقاومة و العزة و الكرامة.
لم تكن الرحلة مملّة مع تلك الرفقة الرائعة تبادلنا الأحاديث غنّينا أغاني من تشكيلات متنوّعة و لعلّ تلك الأغنية التي ردّدها أخونا بسّام الأبرز فهي أثارت زوبعة من الضحك أترككم مع كلماتها :
"يا شوفير دوس دوس..
الله يبعثلك عجوز..
يا شوفير اطلع هالطلعة
الله يخليلك هالصلعة..
يا شوفير ادعس بنزين..
على المية وتسعه وتسعين..
يا شوفير دوس دوس..
الله يبعثلك عجوز.."
المضحك أن سائق اللوّاج لم يكن أصلع و بدل أن نقول " الله يبعثلك عروس" استبدلنا العروس بالعجوز لأنّ عمره من المؤكّد تجاوز الخامسة و الأربعين إن كانت نظرتي صائبة و زوجته لن تسامحنا ان دعينا بأن يبعث الله له بعروس.
المفاجئ أن فضيلة و عابد غنّوا أيضا و الحق يقال أن الجميع غنّى أو شارك في الغناء و مزجنا بين الأغاني الدينية و الطربية و الدبكة.. و على جانبي الطريق تطالعنا المناظر الخلاّبة: أراضي فلاحية، غابات من أشجار الفلين و الصنوبر و البلوط، منازل بيضاء مسقوفة بالقرميد الأحمر، حيوانات منتشرة هنا و هناك و كلاب سائبة في كل مكان للأسف، سهول و جبال متعانقة، إنها جنّة على الأرض و لكنّها منسية مقصية فيها مطار للأسف لا يستعمل هي أيضا مسقطة من كل جوانب التنمية رغم ما تحفل به من طبيعة و معالم أثرية و منتوجات تقليدية، إنها ثروات غير مثمّنة و مهدورة... ربما يأتي اليوم الذي أرى فيه طبرقة منارة مضيئة و قلبا نابضا بالحياة و إسما يعرفه القاصي و الداني في كل الأقطار و البلدان، مكانا يقصده محبّي الهدوء و الجمال و الحياة..
توقّفنا في طريقنا بمكانين الأوّل "عين دراهم" ذاك المكان الساحر بخضرته التي تخطف اللّب و البصر، هذا المكان كان مكتضّا بالزوار لأنّه معروف جدا فمن زار طبرقة من المؤكّد أنّه قد عرّج عليه. المكان الثاني كان سد بني مطير في هذا المكان صادفنا زوّارا قادمين هم أيضا للتمتّع بجمال الطبيعة من ضمنهم مجموعة من الشباب تدقّ على "الدربوكة" جعلت رفاقي يطلقون العنان لأنفسهم ، سحرتهم تلك الأصوات فرقصوا بكل عفوية و أنا أطلقت عقيرتي بالزغاريد.
المكان الثالث كان « بلاريجيا » ذاك المعلم الأثري الذي يقع قرب مدينة جندوبة شمال غرب البلاد التونسية و تحديدا على سفح جبل ربيعة، للأسف لم يكن هناك مرشد سياحي أو شخص مكلّف بالتعريف بهذا المعلم و يفيدنا بمعلومات عنه غير تلك اللافتة التي تعطي لمحة تاريخية بسيطة تحتوي على بضعة أسطر مرفقة بصور لا تسترعي الإهتمام للوقوف أمامها و قراءة ما تحتويه و للأمانة لاقتنا إحدى العاملات هناك و نحن في طريقنا لإنهاء زيارتنا و عرضت علينا أن نعود أدراجنا لتستعرض و تحكي لنا عن تاريخه، و لأن وقتنا ضيّق لم نوافق.
لهذا عدت إلى الشيخ "جوجل" كما يسمّيه أستاذي فوزي لكي أستخرج منه ما يشفي نهمي المعرفي و يسدّ حاجتي للتعرّف على ذلك المكان المنسي الذي لم يُذكر في كتب التاريخ المدرسية، تلك الكتب التي تغافلت عن ذكر الكثير و الكثير عن عمق و تجذّر البلاد التونسية في التاريخ القديم ما أذكره فقط قصّة عليسة مؤسّسة قرطاج التي يقول بعض الباحثين أنّها كانت أسطورة و ليست حقيقية لا أدري عن صحة ما يقال لأنّني لست ضليعة في التاريخ و لست بباحثة..
المعلومات التي تحصّلت عليها كانت كالآتي : بيلاريجيا يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد و تعاقب عليها عدة حضارات كالحضارة القرطاجنّية و الرومانية و النوميدية و البيزنطية و الإسلامية.. كلّ حضارة مرّت عليها تركت آثارها الجليّة و لعلّ التأثير الأبرز كان للحضارة الرومانية إذ أنّ بيلاريجيا تحتوي على جميع مكوّنات المدينة الرومانية : مسرح و حمامات و معابد...
أهمّ ما شاهدته في ذلك الموقع الأثري هو :
جولة رائعة قد تبدو ترفيهية لكنّها بالنسبة لي جولة لكسب المعرفة: معرفة بالمكان فرغم أنّني تونسية إلا أنّها كانت فرصة لي للتعرّف على معلم تاريخي بهذه الأهمية، و معرفة أعمق برفاق رحلتي و بالمشاركين في الرحلة بصفة عامة، ذاك الشباب النابض بالحياة الملمّ بمشاكل مجتمعه الدائب على المساهمة في تغيير ما يمكن تغييره من مكانه، دامت جمعتنا و كان النجاح و التوفيق رفيقنا..
آه تذكرت شيئا أخجل من ذكره، لقد وقعت من على مسرح بلاريجيا ذاك المسرح التاريخي شهد سقوطي يا لهويتي.. يا لهويتي.. و كما يقال لا يقع إلا الشاطر و اشهد يا زمان سجّل يا تاريخ انا بنت مفيش منّي ولا حتى في أرض و لا في مريخ..
لكن الصراحة بالرغم من إن الموقف كان محرج قليلا إلا أنّه كان لطيف جدا لمّا تطوّع أحد رفاق الرحلة و مدّ يد المساعدة للأسف نسيت من هو بالضبط و نسيت أيضا ان كنت شكرته حينها أم لا و أيضا صديقة هبّت لنجدتي للأسف الشديد أيضا نسيت من تكون فشكرا لهما من القلب و كان بودّي توثيق تلك اللحظات يكفي أنّها ستبقى في الذاكرة.
و هكذا عزيزي القارئ انتهت رحلتنا..
إلى لقاء قادم..
دمتم بكل الود..
-
نجاة علي الأخضررائدة بمعهد الفضاء المدني