قال ابن إسماعيل السنبسيّ الطائي: ثم دخلت السنة العشرون بعد الألف الثانية من السنين النصرانية ، وكانت سنة مشؤومة ومن كل خير محرومة ، حيث انتشر فيها الوباء ، وعم فيها البلاء ، وقد جاء الفايروس اللعين من الصين ،وقلب في البلاد كل الموازين ،وتقطعت بالناس السُبل ،فلا الطائرات في السماء تطير ، ولا السفن في البحار تسير، وقلت المؤن في الحوانيت والأسواق ، وكانت من كل فج عميقٍ تُساق، واشتكى الناس من قلة الأرزاق ، وزاد التجارُ الفسقةُ في الأسعار ، لمَّا توقفت الوارداتُ من الأمصار، وأُغلقت بيوتُ الرحمن ، واكتفى الناسُ بالأذان ، وعُطِّلت الجُمَع والجماعات ، و راقب الشُّرط الزوايا والخلَوات، وفُرضت على من يخالف الغرامات.
وحُبس الرجال مع ربات الحجال ، ومُنعوا من الخروج والتجوال ، وحُرموا من التنقل والترحال ،فقرّوا في البيوت ولزموا الضِياع ، وأمضى البعض وقته في اللهو والسماع ، وأرهقوا النساء من كثرة الوقاع.
وشقت هذه الجائحة على العُزّاب ،فقد حيل بينهم وبين الأهل الأحباب ، فلا زيارات هناك ولا اقتراب ،وأصبح الناس كلهم في ارتياب .
وقد حدثني أحمد بن حجاج -ذات يوم- وهو منتفخ الأوداج قال: قال أهل الصعيد ، أهل النجدة الصناديد : دخول القبور أهون من حبس الذكور ، و حمل صخر الجبال أهونُ من ربطة البغال.
ثم دخل شهر رمضان ، شهر الرحمة والغفران ، وما زال الوباء في ازدياد ، وكل يوم يفتك بالأجساد ، بالرغم من إجراءات الحبس والإبعاد ، والناس في ألم وتباريح ، حزنا على صلاة التراويح.
-
جهلان إسماعيلأبحث عن الحقيقة وأنشد الصواب في عالم اختلطت فيه أفكار البشر بهدايات السماء وظلمات الباطل بنور الحق.