يعتقد الكثيرون أن الاجرام يرتبط بفعل القتل أو السرقة أو تبييض الأموال أو العنف أيا كان شكله ، ناسين أن الاجرام في خفايا مظهره قد لا يترك و لا أثر ، فلا يستطيع المختصون و لا الأطباء تقييم الضرر بنسب معتبرة لجسامة الفعل المرتكب .
تتوالى قضايا الناس بالترتيب في ثقل الأذى الملحق بصاحبها بحسب جسامة الضرر ، فينأى المتضرر بمحاميه مستدعيا إياه للدفاع عن حقه المسلوب ظلما وجورا ، و قد كان من اليسر و الأجدر أن يطلب من الشهود تخفيف التكييف بمجرد قول الحقيقية مع ربط الأقوال بالأدلة المادية المتحصل عليها من مسرح الحادث ، و كم غصت تعبا في فهم خفايا مسرح جريمة القتل المعنوي حتى أني لم أجد تشريعات تردع هذا النوع من الاجرام الخفي و المعاصر بقوانين صارمة ، نعم اجرام معاصر لأن الجاني يفضل عدم ترك أثر لجريمة قتل زوجته معنويا حتى لا يخضع لاستجواب التحقيق و مطاردات المحاكم له في ظل تغير ظروف العيش عن سابقاتها في أزمنة خلت حيث كان الزهد و القناعة يسودان مجتمعات لا تعرف الانتقام بأسلوب مستحدث تدفع له الحاجة الى الثأر في صمت و بعيدا عن أنظار الشهود ، في ان يعبث الزوج بعقل زوجته و قلبها لدرجة الجنون أو الانهيار العصبي و أفتح قوسا هنا لهذا المصطلح الأخير ،( اذ يرجح بعض القائلين أن التسمية ليست انهيار عصبي بل تعب معنوي) ، و الأفضلية التي تهمنا هنا هي جسامة الضرر على المرأة الضحية في جرائم زوجها العابث بمشاعرها و قداسة و طهر وفائها ، حقيقة تتعبني قضايا الاجرام في تحليلي لملابساته و تخيفني القراءة ليلا في بواطن الحقد الدفين لصنف من الرجال و هو ينفث سمومه القاتلة بلا رحمة و لا شفقة ليشفي غليله في زوجته الغير واعية من الأساس أحيانا أن زوجها مريض أو في نموذج الأخ مع أخته أو الب مع ابنته ،و الأمثلة عديدة حيث يكون طرفا الجريمة جاني و مجني عليه من الأركان الأساسية في الاجرام .
ففي احدى مدونات الجزيرة تحت عنوان : "القتل المعنوي ، هكذا نقتل دون أن نشعر" ، يذكر المدون طارق علي أن أثر هذا المرض (القتل المعنوي) على الفرد والمجتمع هو تدمير البشرية إذا لم يتم مواجهته والقضاء عليه بل سيدمر روابط المجتمعات ويفتك بأفرادها حتى ينهار المجتمع بلا وعي منا ولا إدراك ، فيسأل سائل هل القتل المعنوي يدمر مجتمعات؟ والرد على ذلك بمثال ، فالأمل واليأس والفرح والحزن ما هي إلا مشاعر وأحاسيس نتيجة التفاعل مع الآخرين سواء سلوكيات الأفراد أو الحديث معهم ، فإذا تم الاعتداء على تلك المشاعر تؤدي بطبيعة الحال إلى تغيير سلوك الفرد وبالتالي على المجتمع .
فلا بد للإنسان من انفعال بعد كل موقف وحديث وتلك الانفعالات هي أساس تشكيل شخصية الفرد وتفكيره وبالطبع سوف يؤثر علي سلوكه ومن ثم يبدأ المجتمع في الانهيار أو البناء الحضاري المتكامل وذلك كله يعتمد على سلوك الفرد الذي تأثرت مشاعره وأحاسيسه بسلوك أفراد آخرين ثم تفاعل معها ، ثم أخذ بتشكيل وبناء سلوكه حسب الانفعالات التي قررها العقل أن تكون منهجاً حياتياً للفرد ، ثم تصبح أفكاراً راسخة في الوجدان ثم تصير سلوكاً فردياً من ضمن سلوكيات أفراد آخرين يشكلوا نواة المجتمع.
شخصيا أرى في تحليل المدون أنه ربط القتل المعنوي بمدى تأثيره على المجتمع ككل ، و اهتمامي يرتكز تحديدا على الضحية التي لا تجد معينا و لا متفهما تشرح له ما تعانيه من قسوة زوجها عليها مثلا ، على سبيل المثال و ليس الحصر و يمكن يكون العكس أي تأثير الزوجة على الزوج و هذه حالات نادرة لأن قوة الرجل أكبر بكثير من قوة المرأة في أن تكون مجرمة بحرفية عالية في القتل المعنوي نظرا لما تتميز به من ليونة في المشاعر و تأنيب الضمير ان ما كانت مؤمنة بما يمليه عليها دينها في أن تكن مطيعة لزوجها و لا تصل لدرجة الغضب منها للانتقام ، فتبتلع في تحمل القسوة و العنف محاولة بذلك التقليل من أخطار انكسار العلاقة الزوجية بالطلاق .
صدقا و في غياب القوانين الرادعة لمثل هذا الصنف من الاجرام أعتقد أن صحيفة السوابق العدلية بالنسبة لجرائم القتل المعنوي ستكون غير مبررة بدقة في غياب آثار الجريمة من طعنات بالسكين أو القتل رميا بالرصاص ، لأن القتل المعنوي هو صامت مخفي مدروس الركن المادي جيدا ، لكن تكفي إقرار الزوجة المتضررة بشهادة اعتراف واحد لإدانة الزوج خاصة ان ما تم الكشف عن المرض الذي ألحقه به ،ا فالعصبية و الضغوطات الزائدة يمكن أن تحدث علة لا يعالجها الطب وبقدر ما يعالجها الردع و السجن في شفاء غليل الضحية المغلوب على أمرها .
المجتمع لا يرحم الضحية في بعض الأحيان في غياب الأدلة الساندة ، و الضمير لن يصحو مع هكذا نوع من المرضى نفسيا خاصة منها الشخصيات السادية التي تستمتع بأذية الغير ، و عليه أفضل وضع نقطة ختام دون أن أصل لنتيجة دقيقة و قد تعمدت عدم الوصول الى نتيجة ختامية لأفتح مجال الحوار و النقاش معكم أنتم أيها القراء فلربما كان قارئا واحدا عاين حالة قتل معنوي أو عايش جريمة قتل معنوي كشاهد يمكنه أن يكون برأيه إضافة الى ما كتبته .
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية
التعليقات
ع فكرة... هناك قوانين لديها علاقة بالاضرار المعنوية في بلادي... يكفي فقط تقرير من طرف الطبيب لإثبات ذلك مع دلائل و قرائن.
لكن.....
ربما هي ليست فكرة جيدة...لأن العلاقات الانسانية لابد أن تبني على الاحترام المتبادل و المودة المودة -كما ذكر الأخ و الاستاذ جزاه الله خيرا ماهر باكير في مقال من مقالاته على مقال كلاود-
إن الزوجة التي تصبر على أذى زوجها المعنوي فهي إما امرأة صابرة محتسبة ذلك لله...أو أنها امرأة "مغفلة " لأنها تصبر على الاهانة ... و الله أعطاها الحق في الطلاق "أنا لا أشجع الطلاق " و لكن أقول "لماذا ستترك هذه المرأة نفسها حتى تموت معنويا" بكل تحفظ على "الموت المعنوى" ...
حسنا. لنقل أن هناك قانونا يحدد "الموت أو الضرر المعنوي للزوجة" دون أن تطلب الزوجة ذلك... كيف ستصبح علاقة هذين الزوجين بتدخل القانون؟
و لنطبق ذلك على كل الحلات... كيف ستصبح علاقة الام بابنها الذي أذاها معنويا بعد تدخل القانون؟ و علاقة صديقين؟ و و و ...
أنا أرى أن الفكر لابد أن يتوجه للتربية السليمة للمجتمع على قيم الاخلاق و العلاقات بين الناس منذ النشأة ... أما أن نتحدث عن قانون وضعي فسيصبح المجتمع في تضارب مستمر و قتال و محاسباة لا نهاية لها.
إن قانون الله الاسمى مثلا... هل أقام حدودا على استهزاء المرء بأخيه؟ أو عن الكذب؟ أو عن عدم اهتمام الزوج بزوجته؟ لا... لكنه دعا لمكارم الاخلاق و وعد من أخل بها إلى عذاب يلحقه بسبب ما أذى به الناس من أذية معنوية.
في حين نجد أن الاسلام أقام حد السرقة و حد القتل بل و حتى حد قذف المحصنة...
و بالتالي ... التحدث عن قوانين للضرر المعنوي نعم "إن كان ظاهرا جليا" و هو كائن في كثير من الدول ...لكن تركه عاما فأظن أنه يبقى كلاما فلسفيا نأخذ منه العبرة لكن لا بد أن نسعى لتغيير أخلاق المجتمع للأفضل بدل زيادة الاحتقان بقوانين وضعية نصفها يؤذي الضحية أكثر مما ينفعه.
شكرا لك و دام مدادك
دمت بود أختي الفاضلة الكريمة