نتمسك نحن بنو آدم بشعور الطمأنينة و إن شابه الزَيف ،و إن كان مصحوبًا بأمنٍ مؤقتٍ فنحسب أننا بعيدون كلَ البعد عن الموت إذا اعتزلنا الحروب و تجنبنا صوت الرصاص...ثم يأتي كورونا لينذرنا و يُعلِمنا بأن الموت قريبٌ منَا قرب الهواء من الأنف يحرمنا فرك العين و لمس الجبين ، وأن الحروب _حتى يومنا هذا_ نوعان : حرب نارها تُخلِف الجثث ، وحرب تحرق فيها الجثث ، و أن نارًا هي الأولى تحمل الموت و أن نارًا هي الأخرى تحمل الموتى ،و أننا في سجنٍ كبير .... محجورين خوفًا منَا أو علينا ....و أننا نخوض حربًا لا سبيل لتفاديها بالهجرة أو اللجوء ...لن ننصب المخيمات على الحدود فعدونا لا يعرفها.
يأتي كورونا حاملًا معه حقبة تاريخية مليئة بالأحداث وحقيبة مليئة بالتعليمات والتوجيهات و إن أقعد الطلاب من مدارسهم فقد علَمنا و علَمهم أن جمال الطبيعة لا يُمل وأن شاشات مضيئة لم ولن تكون يومًا مصدر تسلية و إبهاج وها هي أيدينا اليوم تُفلتها و ها هو الشوق يداهمنا للتفاصيل الاعتيادية....لكلِ ما اعتدنا عليه و بهتت نظرتنا إليه....لأزمة السير، للواجبات المدرسية، لقبلةٍ نطبعها على جبين والدينا بلا خوفٍ... بلا قلق ،لتشابك أيدينا مع الأصدقاء ،و أن نضحك لصوت عطسةٍ مفاجئ دون البحث وراء مسبباتها ، أو نبتسم لأنف أضحى محمرًا لنزلة برد عابرة...أن يتزاحم الأطفال للصلاة في الصف الأول، أن يتزاحموا في المدارس والحضانات.. أن نتزاحم نحن أيضًا في المباني والمؤسسات بلا كمامات ...أن نرتقب عطلات الأعياد والمناسبات و ننتظر يوم الخميس ليمسح عنَا تعب أسبوعٍ مُرهِق عطلةً مغموسةً بالبهجة والانتظار لا عطلةً خشية فيروس مُمرِض.
أن نخرج من حربنا هذه بذكرى الانتصار و ببضع ذكريات ونتائج صنعناها واستخلصناها حين قضينا وقتًا أطول مع العائلة و عرفنا أنها حضنٌ دافئ و أن البيت حصنٌ منيع إذا نحن حفظناه و لزمناه ، وأن حرب الوباء كانت محنة ومنحة وهبتنا فرصة لنسعَ في سبيل العلم ففيه حياتنا ونجاتنا وفي سبيل السلام فعدونا واحد ومصيرنا واحد و حربنا واحدة لا تعرف الدبابات والطائرات ، فيها جيوش لا تقنع ببدائل للأوطان ...تستوطن الإنسان وتنتقل بلا جواز سفر... بلا تأشيرة لا تعرف جنسًا ولا جنسية ...لا تعرف لونًا أو دينًا ، لن تصنفنا تبعًا لمواقفنا السياسية أو توجهاتنا الفكرية ....حرب صلَينا فيها للنجاة على اختلاف تمتماتنا واتحدت فيها دعواتنا و إن لم نتحد يومًا .....حرب لا ترى فينا سوى الإنسان .. ولعل فيروسًا يعلمنا أن ندرك قيمة الإنسان من منظورنا نحن .....أن نسعى لحفظ حياته وحقوقه أن نستاء لوفيات حروب الأسلحة كما نستاء لوفيات حروب الأوبئة ، ألا نخشى الموت إذا ما ارتدى قناعًا جديدًا ونحن عرفناه وحفظناه في إهمال بعض السائقين وبضع مستشفيات ....عرفناه في سجون المعتقل وفي الثورات والمجاعات ....عرفناه بلا سبب ولربَما جهلنا الأسباب.
في نهاية مقالي أذكركم ألا ننعت نشرات الأخبار بالكئيبة فنحن من صنعنا تفاصيلها ولربما أخبرتنا عمَا قريب عن رحيل بعض أسباب الموت وعلى رأسها معلمنا الفيروس بعد أن لقننا بضعة دروسٍ لم تلقَ اهتمامنا لأننا و كالمعتاد ......راقبنا الساعة وانتظرنا قرع الجرس!
-
سعاد السيّدمدوِّنة وكاتبة قصص قصيرة موجهّة للأطفال.