الأصـــل .. في زمن التقليــد !
إن كنت تبحث عن الأصل فلا تيأس إن لم تجده في لحظتها , فالغالي دوماً نصل له بعد عناء شديد , والغالي في حضرة الأصل يتضح قيمته ..
نشر في 18 ماي 2018 .
" ع الأصل دور "
تلك هي الجملة التي توارثناها عبر أثير موجات الزمن المُتسارعة ولم نكن نعي معناها أو قيمتها على خير إدراك وفهم .. حدثونا أجدادنا منذ القديم عن مفهوم لطالما أردنا فهمه , مفهوم لم يكن مألوفاً على أذن من يقع على مسامعه حينها , وجدناه مألوف مُحبب لنا لكثرة وقوعه على مسامعنا ولكننا وعلى الرغم من ذلك ومن تلك الألفة القوية لم نكن نرى منه الوضوح في المعنى ولم نستطيع أن نلامسه بإيدي مداركنا ووعينا !!
إنه الأصل ..
قديماً كانت تجلس الجدة بجوار الحفيدة في ليلة شتائية وهي تصنع بإيديها المنكمشة ذات العروق البارزة المبعثرة المعالم قطعة من الشال الثقيل لتدفئ به حفيدتها المرتشعة المضطربة الحرارة , وتُحدثها عنه قائلة : يا عزيزتي خذي حذرك , ستكبرين وتقابلين مصادفة هي كانت أم عن عمد أشخاصاً كُثر في طريقك , منهم من يقف بجوارك ويشد ازرك في محنتك ومنهم من يراكي كأنما رأى خيالاً على حائطه لا يبالي بأمره , بل ستجديه يُطفئ مصدر الإنارة حتى يختفى هذا الظل ويفنى إلى حيث جاء !! وهذا الظل هو أنتي يا مسكينة ..
قد تجدي من يتبادل معكي قهوتك السادة على روحي بعدما أرحل عن عالمكم هذا في سلام مُتمنية أن ترحلوا عنه بسلام أيضاً , وقد تجدي من يقل لكي : وماذا حدث لكل ذلك الحزن فيكي , فلتأتي معنا إلى حفلتنا الراقصة فتحلو لنا ليلتنا بدلاً من إحتساء قهوتك المُره !! , وقد تجدي من لا يقول لكي شيئاً من الأساس !! .. تلك هي أصناف البشر يا عزيزتي وأخشى عليكي أن تواجهيهم بمفردك فلا أكن مطمئنه عليكي في نومي الأبدي الهادئ , فكيف لي أن أهدأ وحفيدتي فلذة كبدي تُصارع وحدها في حلبة مصارعه الحياة دون أن تجد تشجيعاً عن قرب في صفوف المُشجعين يخبرها أن كل شئ سوف يكون على مايرام , يصيح وسط الجماهير آمراً : لا لا تسقطي الآن , كوني قوية فمباراة الحياة لا زالت مستمرة وجوالاتها لا تكف عن السريان واحدة تلو الأخرى ..
هل ستقوي على تلك المعركة وحدك , أخشى من الإجابة , ولكني لن أدوم لكي ولن أبقى , وإن بقيت اليوم قد أرحل غداً أو بعد ما أنهي معكي جملتي تجدي أنفاسي تتقطع ثم تخفت ثم تهدأ للأبد .. وأظل أنا في سباتي حائرة بشأنك ولن أستطيع أن أشعر بهدوء سكوني الجديد ..
هذه هي كلمات القتها الجدة على مسامع عقل وقلب الحفيدة , ولم تكن الحفيدة تشعر وتدرك بماهية تلك المعركة , ماذا تكون يا ترى يا هل ترى ؟ ..
عزيزتي , فلتنتقي الأختيار ..
لا تدعي أي بشري يدخل حياتك دون أن تُفتشي داخله أولاً عن كنز " الأصل " , فدونه ستيكن كأنما لم يكن في حياتك وسيصبح مجرد سد خانة لا أكثر أو أقل , أتعلمين أمراً يا عزيزتي ؟ , الأصل هو مفتاح بقاء الشخص في حياتنا من عدمه , إن إستطاع أن يحمل ذلك المفتاح في جيوب إنسانيته فحتماً سيبقى إلى أن يضع جسدك البالي المُتهتك بنفسه في تلك الرقعة المستطيلة يسمى قبرك في يوم حار وشمسه قاسية يسمى يوم دفنك , بل وستجدين من يدق على باب مسكنك الجديد هذا كل صباح ليأتي ويضع الورود عليه داعياً من الله أن يتغمدك برحمته وأن يُلحقه بك في أعلى المساكن , ولن يمل من الدعاء ولن تجدي أقدامه جزعت من المجئ يومياً فقط ليطمئن عليكي في وضعك الجديد , وقليلاً من الفضفضة وكثيراً من البكاء وبعضاً من السكوت ستجديه يفعل .. والأهم أنه قد عثر على مفتاح " الأصل " داخله واستطاع أن يفتح به أبواب لطالما كانت مغلقة بجدارة , أبواب البقاء الأبدي حتى وإن رحلتي عنه ..
إن وجدتي ذلك الشخص فلا تُفرطي فيه لحظة , فهو لن يُفرط فيكي لعمر بأكمله .. فكما أخبرتك أن البشر أنواع ومراحل مصادفتك لهم تلك هي المعركة الكبرى , فمن ستختاري ليستكمل معك المسير ومن ستُلقيه جانباً ؟ .. قالتها الجدة في حيرة حيال إجابة حفيدتها وظلت الحفيدة صامتة تعيد صياغة ما سمعته من كلمات ونصائح ذهبية في مداركها وبعد فترة كانت كفيلة أن تبعث اليأس في صدر الجدة حيال عدم إدراك الحفيدة لمضمون النصائح والكلام سارعتها الحفيدة بالإجابة التي أثلجت صدر الجدة من جديد وبعثت فيها النشاط لتستكمل من جديد صُنع الشال في حرفية شديدة قائلة : سأختار الأصيل يا جدتي , وحده من سيستطيع إكمال مشواره معي دون عناء ..
وإن كانت تلك نصيحة الجدة فنصيحة الإنسانية لك الآن قارئنا المميز :
إن أردت استكمال مسيرك لنهايته مع بشري مثله مثلك ما عليك سوى أن تختاره بعناية شديدة , أن تختار من تجد فيه روح أقسمت على البقاء حتى آخر لحظة دون تهديد مُهدد أو أمر آمر , فقط هي من أرادت البقاء وستبقى وهذا هو الفوز الكبير لك في معركة مصادفتك لكل أنواع البشر ..
فالبشر على كل شكل ولون ولكن وحده من يحافظ على مفتاح الأصل داخله ويُزيد من تلميعه ويحرص على إبقاء بريقه حياً هو من سيحظى بمرافقتك على طول درب الحياة .. وإن كنت لا تجد ذلك المفتاح في جيوب إنسانيتك فعد البحث من جديد , حتماً ستجده في أحدى تعرجات وإنكماشات الجيب العميق , وإن لم تجده بعد بحثاً طويل فاصنعه أنت الآن كما صنعت تلك الجده شالاً بسيطاً ولكن هدفه عميقاً , فهل لك أن تُدفئ إنسانيتك كما أدفئت الجدة أكتاف حفيدتها ؟ .. سنرى ..
وتذكر : الأصل هو إنعكاس لإنسانيتك , فإن لم ترى إ
التعليقات
كلام رائع .فالله سبحانه وتعالى قد خلقنا ع الفطرة السويه السليمة.
ربنا يبارك فيكى
إن كنت تبحث عن الأصيل فلا تيأس إن لم تجده في لحظتها , فالغالي والاصيل دوماً نصل له بعد عناء شديد ... .حتى لو طال الزمن لابد لنا أن نجده ... فالاصيل هو من يبحث داىما عن الاصيل ..مثله