قهقهة بهلوان - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

قهقهة بهلوان

الجمهور يرقص

  نشر في 29 شتنبر 2017 .

مللت الحضور..ما المثير الذي سوف أشاهده؟! ما المدهش الذي سوف أستمع إليه؟! هل هناك غير الكذب؟!

إبتسامات زائفة..قهقهات سمجة..تصفيق حار..أبيات شعرية صاخبة.. بروتوكول معتاد من النفاق..الكل يرفع الصور، ويعلق لافتات الحب الزائف. لا أحد يجلس؛ سوى العجزة، والعواجيز؛ الذين دأبوا على تقديم فروض الطاعة، والولاء حتى الرمق الأخير.. يقوم ذوي الخبرة، من أولئك الأتباع، وأتباعهم بالواجب المتفق عليه في كل مرة، دون إجتهاد..لا زيادة أو نقصان؛ وإلا خسروا شرف إستدعائهم مستقبلا..لا مجال للخروج عن النص في مثل تلك المناسبات، أو داخل تلك القاعات المخصصة لأصحاب المعالي، والفخامة.

ربما يتشابه ذلك المشهد القبيح، مع مشهد أخر لطيف، نراه في حفلات الزفاف..فالمعازيم الذين لا يرون أنفسهم يكذبون؛ وإنما يقسمون أنهم يتجملون، عندما يتجمهرون انتظارا لمجيء العروس؛ يبادلونها زيفا بزيف.. يطوقونها بحزمة فلكولورية متناغمة من الرقص, والغناء, والزغاريد..تظهر هى متخفية خلف طبقة سميكة من مساحيق التجميل..ماكياج مبالغ فيه –عادة- كلما كانت قبيحة, لتزداد قبحا مضحكا كالبهلوان. أوركسترا متكررة، يقودها الكذب؛ ولكنه مباحا إجتماعيا, إعتاده الناس، فقط على سبيل مجاملة العروس، وشحن معنوياتها لتتمكن من قضاء ليلة العمر في سعادة، بعد خلع الماسك, وخفوت الأضواء, إيذانا بإنتهاء سيمفونية الخداع المتبادل؛ لتحل الحقيقة، وتحتل أرجاء المكان، ولا تجد مقاومة؛ بعد أن يرحل الجميع، ويبقى العروسان طرفا الحقيقة..أبطالا لمشهد لا يبرح ذاكرتنا.

غاية ما كان يطمح إليه البهلوان في السابق؛ هو لفت أنظار المتفرجين بشتى الطرق؛ محاولا -بدأب شديد- إستجداء إعجاب من يشاهدونه؛ حتى يظل واقفا على المسرح؛ ليمارس حركاته البهلوانية الفارغة. فهو يستمد وجوده، ويضمن إستمراره من قدرته على إحتلال أنظار الجماهير المتجمعة أمامه. كان كذبه مباحا، كالكذب الذي تمارسه العروس، في مواجهة كذب صديقاتها..بمعنى أخر؛ لعبة الكل فيها رابح..عليك أن تدفع لكي تضحك؛ وعليه أن يضحكك لكي تدفع..

أما الجيل الجديد من فصيلة البهلوانات؛ لا يحتاج إلى بذل جهد، أو إلى محاولة تسول إعجاب الجمهور. فهو يحصل على إهتمامهم مجانا، وبدون مصاريف إدارية، من خلال حملات الدعاية المدفوعة؛ من جانب أصحاب المصالح الحاليين، او من صغار المنافقين المتطوعين، الطامحين في ورث كبرائهم، وشغل أماكنهم مستقبلا؛ لتبقى راية الإفك مرفوعة، وتظل قهقهة البهلوان تملأ أرجاء القاعات. تبدلت الأدوار..لم يعد البهلوان فقير حتى يظل مرتديا ذات الزي في كل عرض بهلواني..لم يعد ينتظر ملليماتك، أو قروشك، أو حتى دولاراتك..أنت الفقير الذي تنتظر عطاياه، ومكرماتهه من مالك الذي بات بيديه..صار سيدك الذي عليك طاعته؛ سواء رضيت أم لم ترض..أصبح ولي أمرك رغمًا عنك.

البهلوان أصبح ذا سلطة، وثروة، ومحاسيب. لم يعد بحاجة إلى إحتراف الحيل الخادعة، الساذجة؛ مثل السير فوق الحبال، أو تخطى الإطارات المشتعلة للفوز بإعجابك، أو حتى لمجرد إثارة إنتباهك. لماذا يطبع وجهًا فوق وجهه الذي قد يكون حزينا، ليرسم الضحكات فوق وجهك الذي صار ضئيلا بنظره؟! لا يعبأ بك..ربما لا يراك..لا يحتاج إلى تشجيعك..أنت تحصيل حاصل..هو يحقق ما يريد بدونك الأن. عليك أن تستفيق أيها الأحمق..قواعد اللعبة قد تغيرت، وأنت لا تدري.

أصبحت أنت المثير لقهقهاته، وأحيانا سخريته..صرت أنت الملزم برسم البسمة على شفتيه، حتى وإن كنت غارقًا في الهم..أنت الذي بحاجة إلى دعمه، ومساندته، ورضاه كي تظل محتفظًا بالبقاء تحت ضوء الشمس في أرضك التي كنت تملكها. أرضك صارت سركًا لا يمنح ضحكًا..لا يقدم بهجة..يقبع فوق جزيرة معزولة، وسط بحر متلاطم الأمواج..سكانها صامتون..خائفون..مترقبون. أوغادها يتسابقون..يرقصون..ينشدون..يكذبون..يتآمرون..يحتالون..يسرقون..يقتلون..يتصببون عرقًا..يلهثون لإرضاءه ليظل يقهقه..ويقهقه..ويقهقه، وتظل أنت تبكي..وتبكي..وتبكي..


  • 3

  • محمود روبي
    الحرية حق لي. فأنت لم توجدني فوق سطح هذا الكوكب
   نشر في 29 شتنبر 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا