مذكرات روح ثائرة في جسد متهالك

امصنصف كريم بن محمد بن لحسن بن المعطي الشاوي/1979 م

- تقديم وتعارف:

أنا ذكر مغربي أربعيني عزب، ماذا تسألونني عن سبب عدم زواجي بعد، لا أجد جوابا يبعد عني فضولكم غير قول الشاعر: فأما الحسان فيأبينني ... وأما القباح فآبى أنا.  

أنا ذلك الرجل الذي مازال طفلا، أنا ذلك الطفل الذي فجأة وجد نفسه صار رجلا في الأربعين سن اليأس من الحياة والإقبال على الممات، حيث استرجاع الفيلم القصير لذكريات الحياة نذير بنهايتها، لذلك أكتب هذه القصة القصيرة قصر حياتي نفسها بين الناس، أظن أني صرت حكيما الآن بما فيه الكفاية لأدرك سر كتابة المذكرات، إنها ليست مجرد نعي وتأبين للذات، كما أنها أهم من أن تكون سيرة ذاتية تؤرخ للأحداث، إنها إرث روح متمسكة بالحياة، وبصمة إنسان علامة على مروره بهذه الحياة، إنها قصة حياة قصيرة عنوانها لقد مررت من هنا قبلكم، ومغزاها لا تجعلوني طي النسيان، لقد صدق من قال: لا يعود المرء للكتابة وهو بخير؛ الذي يكتب هو في الأرجح يعالج نفسه من شيء ما.

أن أكتب بعين شائب تملكه اليأس عن أحلام الطفولة وأمال الشباب لهو معضلة بحاجة إلى معجزة، ومع ذلك لبد لي من المحاولة.

لكن قبل ذلك لنتفق ما سأخطه هو ما أظن أنه حدث لا كما حدث، لأن العقل بوعي منه أو بدون وعي سيُعمِل برنامج الفوتوشوب تارة، وتارة أخرى مقص الرقابة في شريط الذكريات تحت مصوغ إن الله يأمر بالستر.

[ أفلام قديمة بالأبيض والأسود ]

لنبدأ من أول مشهد محفوظ في أرشيف الذكريات بالرف الخامس، إنه شريط بالأبيض والأسود من أيام الطفولة تظهر فيه سيارة أجرى صغيرة ورجل بقصة شعر بوهيمية يضع نظارات شمسية والسيجارة بفيه .. بقية الشريط تالف لا يصلح للعرض، وهناك أكثر من نسخة منه لكنها كلها بها نفس المشكل، لكن بعد تحليل الشريط في المختبر تبين أنه يتعلق بذكرى متكررة تعود إلى مرات إصابتي بالحمى وحمل والدي لي بين ذراعيه في سيارة أجرة صغيرة إلى المشفى وأنا مدثر بمنشفة كبيرة رسم عليها بمربعات باللون الأبيض والأسود وجه رجل بقصة بوهيمية ويضع نظرات سوداء وهو يدخن سيجارة.

الرف السادس به شريط يحتوي على لقطة طفل بالروضة يمر أمامه جمع من الناس يحملون خشبة كبيرة فوقها شيئا مغطى، فيقول الطفل: "أنظري أمي كم رجلا يحملون لوح الخبز إلى الفرن، وأنت تلومينني إذا أسقطت لوح الخبز"، فتنهره قائلة: "أسكت إنها جنازة امرأة وليست لوح خبز ...".

المشهد التالي لطفل ببستان وهناك فتاتان (مراهقتان) تتحرشان به وهو لا يفهم ما يحدث، ربما لو كان بالغا لسره الأمر أما الأن فهو فقط لا يدري ما يحدث معه [ رقابة مشهد 18+ ] ...

ماذا فعلت! ... لقد أسقطت مجموعة من الأفلام من على الرف السادس وللأسف فهي غير مرقمة أو مؤرخة وسيصعب علي ترتيبها لكن سأبذل جهدي لأفعل ذلك.

(يتبع)