من جهة أخرى، يسجّل لهذه المبادرة سابقة إيجابية بخصوص التسيير؛ وتتعلّق بتعيين مخاطَب واحد هو "بريد المغرب". فحسب المادة 11 من القانون التنظيمي رقم 2.15.258، والتي جاءت تفصيلية لما نصّت عليه المادة 11 من القانون 114 - 13؛ تتحمّل وكالات بريد المغرب التي يتم تعيينها، عبر التراب الوطني، من قبل الإدارة المركزية لنفس المؤسّسة، مسؤولية تسيير العمليات المتعلّقة بالسجل الوطني للمقاول الذاتي، ولا سيما:

• تلقي طلبات التسجيل في السجل الوطني للمقاول الذاتي وإرسالها إلى الإدارات والهيئات المعنية؛

• قبض الاقتطاعات الضريبية والاشتراكات الاجتماعية التي يؤديها المقاول الذاتي والعمل على تحويلها لفائدة الدولة والهيئات المعنية، طبقا للنصوص التشريعية المتعلقة بها،

• تتبع التسجيلات والتشطيبات وإعادة التسجيل في السجل الوطني للمقاول الذاتي،

• تتبع تصاريح رقم الأعمال المحصل عليه،

• تولي الخدمات المتعلقة بالإعلام والتحسيس، بشراكة مع المؤسسات العمومية والإدارات المركزية والمحلية والقطاع الخاص ومؤسسات القروض وكل مؤسسة تمارس اختصاصات أو مهام يمكنها المساعدة في الارتقاء بهذا النظام وتطويره.

وتعتبر هذه الخطوة في مجال التسيير قيمة مضافة تُحسَب لهذا النظام، كآلية ذكية لتنزيل المشروع على أرض الواقع، من خلال تذليل العقبات البيروقراطية (بوجود مؤسّسات ومتدخّلين كُثُر)، كما ترمي إلى تيسير المساطر والإجراءات الإدارية الروتينية على المقاول الذاتي، بتعيين "بريد المغرب" كوسيط تسييري يتولّى التواصل، التنسيق وإمداد باقي المتدخّلين بما يلزم من معلومات، أو اقتطاعات ضريبية، تأمينية واجتماعية.

في ذات السيّاق، وفي إطار تتبّعي لتفاصيل تنزيل هذا الورش الوطني، من خلال الاطّلاع على المتاح من النصوص القانونية المؤطرة له وبالتواصل مع مسؤولي "الوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولة الصّغرى والمتوسّطة"، قصد معرفة تفاصيل أكثر بخصوص طريقة احتساب الاشتراكات الاجتماعية التي سيؤديها المقاول الذاتي لمؤسّسة الضمان الاجتماعي؛ لم أعثر على نص وآلية تطبيق الاتفاق الذي تمّ عقدُه مع ذات المؤسّسة، وبالتالي فنسبة الاقتطاع وطبيعة الخدمات التي من المفترض أن يستفيد منها المقاول الذاتي في إطار التأمين الاجتماعي تبقى مجهولة تماماً وتُحيط بها علامات استفهام إلى حين الإفصاح عنها بشكل واضح ودقيق من قبل الجهات الرسميّة المعنيّة ؟!

هذا إلى جانب الشراكة التي عقدتها الجهة الوصيّة مع المؤسّسات المالية، قصد تيسير استفادة المقاول الذاتي من عروض تمويلية بامتيازات خاصة، والتي تبقى بدورها مُبهَمَة. وتبقى التساؤلات التالية مطروحة:

في غياب ضمانات مادية يدلي بها المقاول الذاتي، كيف لمؤسّسة مالية هدفها الرئيسي من خدماتها ربحيّ بامتياز، أقول كيف لها أن تثق في التزامات المقترِضِين منها من المقاولين الذاتيين من أجل تأدية أقساط القروض بانتظام ؟!

اللهم إلاّ في حالة أنشأت اللجنة الوطنية للمقاول الذاتي صندوقاً خاصاًّ بتمويل القروض في حالة تعذّر الأداء من قبل المقترِضين منها، لاعتبارات موضوعية، ولنفترض جدلاً أن اللجنة ذهبت في هذا الاتجاه وخاطرت بفتح هذا الباب؛ فما هو السقّف المحدد لسد هذا العجزفي حالة وقوعه ؟ وما شروط استفادة كل مقاول ذاتي أقدم على تأسيس مشروعه وتسويقه وبعد استفادته من منتوج بنكي معيّن تعذّر عليه الوفاء بالتزاماته لاعتبارات فرضتها السوق ؟!

وهل ما تمّ إدراجه في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة (2016)، والذي سيقَدَّم للبرلمان غداً، الثلاثاء 20 أكتوبر 2015، قصد التصويت عليه في الغرفة الأولى، من سقف تمويلي مخصّص للنهوض بالمقاولات الصغرى ودعم المقاول الذاتي كافٍ لسدّ الثغرات التّسييرية المحتملة أثناء تنزيل النظام المذكور ؟!

وفي سياق متّصل، ومنذ أن تمّت المصادقة على القانون الإطار والقانونين التنظيميين، لوحظ خروج إعلامي لجهات خاصّة (شركات خدماتية، جمعيّات مهنية .. وأخرى)، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقرّات عملها، تزعم أنّها تقدّم خدمات (منها المجّاني، ومنها المؤدّى عنه) لحاملي الشهادات من الشباب بمختلف جهات المملكة، وأخصّ بالذّكر مدينتي الرباط والدار البيضاء. طبيعة الخدمات المقدّمة ترتكز أساساً على "الإمداد بالمعلومات الضرورية" للمهتمّين من الشباب المؤهَّل، والتي تكون في أغلبها مغلوطة (كما عاينت شخصياً من خلال تواصلي مع جهتين منها، واحدة بالرباط والأخرى بالبيضاء)، كما تسعى ذات الجهات لجمع المعلومات الشخصية والمهنية الخاصة بالمقاولين الذاتيين المحتملين، بهدف استثمارها سواءً باعتبارهم زبائن محتملين مستقبلاً، أو ببيع معلوماتهم لمؤسّسات وشركات أخرى تستغلّها في تسويق منتجاتها وخدماتها للمقاولين الذاتيين المحتملين باعتبار تخصّصاتهم ومجالات نشاطهم، مرتكزة في ذلك على الامتيازات المهمّة التي يتيحها النّظام المذكور.

ختاماً، لا يسعنا إلاّ أن ننوّه من جديد بالمبادرة الجرّيئة والشّجاعة التي أقدمت عليها الدولة، بمعيّة مختلف شركائها، في صياغة وإخراج برنامج تشجيعي لحيّز الوجود بشكل رسمي موجَّه للشباب المغربي أساساً من أجل الإقبال على سوق الشّغل من بابه الواسع، وتجاوز النظرة التقليدية المتمثّلة في انتظارهم للوظيفة العمومية، أو العمل كأُجَرَاء غالماً ما يكتفون بالأداء العادي داخل المنظومة التي ينتمون إليها، بدل الأداء المرافِق لإحداث الفرق وتقديم قيمة مضافة للسوق وبالتالي الإسهام النّوعي كما الكمّي في إنعاش الاقتصاد الوطني. كما لا يفوتنا كذلك أن نلتمس من الجهات الوصيّة على تدبير مختلف ملفّات "نظام المقاول الذاتي" وأليات تنزيله بما ينسجم والسياق الاجتماعي والاقتصادي الوطني، العمل الدقيق بفعّاليّة وسرعة في ما يخصّ التواصل مع الرأي العام الوطني والإجابة على مختلف الأسئلة المعلَّقة والتي تحتاج لإجابات دقيقة، بشكل شفاف وواضح يُيسِر الولوج للمعلومة، ممّا يعزّز الثّقة الوثيقة بين المؤسّسات والأفراد في علاقة تشاركيّة قصد الدفع بعجلة هذا المشروع الوطني الطّموح للأمام وتيسير بلوغه للهدف المنشود.