العاشرة مساء بتوقيت مكة ، و لا زال كل شيء يدعو إلى السرعة يا أحمد ، و لا زالت الساعة في معصمي تدفع المقابل تلو الآخر لعقاربها كي تسرع أكثر ، غير أنها في هذا اليوم يا سيدي ، تحدت ناظري بشكل أعنف ، فقد انظمت إليها كل ساعات العالم ، فانقلبت الدنيا اليوم إلى ما يشبه سهما من سهام أهل بدر!
و لا زالت أعين المخبرين تصادر تحركات العقارب التي أعلنت تمردها العفوي ، و زادت من سرعتها ، و لهم العذر يا أحمد ، فالذي أعطى مقابلا لعقارب أن تتحرك قادر على تهييج الأقلام ، و هم في غنى عن ذلك كله يا أحمد !
أوه ، و لا زلت يا مولاي ، أراقب هذا العجل الفضي أمامي ، و شريطه الأحمر ، الذي تفوح رائحة الموت منه كل لحظة ، كمشكاة يفوح عطرها ، مهما حيل بينها و بين الشم ، فأسقط مجددا في بحار اللامبالاة ، كأنما المقتول يا سيدي نملة ، و لك أن تعد على أصابع يديك ، مدنا للنمل كاملة تم بالأرض تسويتها في بلاد أمتك ، حرقا ، قتلا ، و اغتصابا ، و لأن الشيء بالشيء يذكر ، فقد قدمت استقالتي من ميادين الشهامة ، و شربت الشاهي ، و أنا على إخواني من النمل كل ليلة أتفرج ! فالذي لا يملك قلب المسلول يا سيدي ، لا يستحق مقعدا أماميا في مهرجان الرجولة !
من لنا يديه نقبل يا أحمد ، لتنسينا من تفاهتنا بعضها ، و من هواننا علينا بعضه ، و ماذا تعني هذه الخربشات على أوراق تنتهي آخر المطاف مقطعة الأوصال تغمرها دماء سوداء ؟ لم أكن و أمثالي إلا أصفارا على اليمين ، و اليمين على أمثالنا كثير ، غير أني أخاطبك ، و اعتقدت أدبا أن أقدم على الشمال اليمين يا أحمد !
فاز حسان و رب الكعبة ، كان يملك المداد بين يديه سهاما ، و حين خاطبته : اهجهم فداك أبي و أمي ! يا رب السماء ، أي شاعر كان ؟ حتى فاز بهذه الجملة ، و أيم الله لو قرأت ما نكتب يا أحمد ، لأقمت على بعضنا الحدود ! ندخل في معارك يومية مع كل شيء ، و ضد كل شيء ، و هي في عرف أهل قرنك ، الهوان بعينه ، ثم نتمطى و نقول :
أن الحمد لله ربنا ، قد حاربنا ، و كنا مع الفائزين ! تبا لفوز ، لم يركع على فراش الأقصى يوما ! إنما هو هوان و ذلك في عقولنا بلون الفوز !
نحن أمة لا نستحق يديك ، فكيف لنا يديك نقبل يا أحمد ؟
من لنا يديه نقبل يا أحمد ؟
طاب قبرك الشريف يا سيدي ، و طاب مثواك ، فالعربان من المسلمين اليوم لا حاجة لهم في زيارة مدينتك الفاضلة ،و لا حاجة لهم في السلام على بقيع أهل الخير ! فقد باعوا الأقداس لكلاب بني قريظة ، و ذئاب بني النظير ، بحفنة من الأفاعي المتفرقة ، و كومة من مال ، قبضوا الثمن يا مولاي ، و صارت القدس مأوى لكلاب اليهود ! إي و الله يا مولاي ، داسوا و جاسوا أرض السلام ، و صاروا يستنشقون بكل وقاحة رائحة خيبر ، و عيونهم على المدينة ! غلت أيديهم أبخل أهل الأرض ، و لعنوا بما اشرأبت إليه أعناقهم ، فلو أنا علينا حتى الهوام ولولت ، و في وجوهنا حتى القطط المسالة غيرة زمجرت ، فللبيت ، و لساكن المدينة رب يحميه
ويكأني على الله أتمنى ، أن لا تكون قدما كلب من كلابهم داست مكان ركوعك يا أحمد ، و إلا فلا نامت أعين الجبناء !
باع العربان القدس يا مولاي ، و قعدوا على القيان يتفرجون ، سبايا بني الأصفر يا سيدي ، أصبحن في زماني يغنين ، بثقلهن من الذهب ، و شعارهن ، إنما الذهب غناء ساعة ! و يرقصن شبه عرايا بمباركة عيون أمتك! و يضرب على رقصهن بالمزامير ، و في القدس يا أحمد تذبح مزامير صاحت ضد كلاب بني قريظة ، أن الأرض أرض أحمد ، و خيبر خيبر أحمد ، و إن أمس لناظره قريب !
رقصت سبايا بني الأصفر ، و تغنجت ، و شرب العربان الأنخاب و لو رأى منظرها أبو جهل ، لرماها بإزار ، رمي الوجل الماء على نار متقدة ، أن استتري يا جارية !
باع العربان القدس ، و اجتمعوا في دار الندوة العربية يقتسمون الغنائم ، و لا زالت الدائرة يا سيدي تدور عليهم ، باعوا الأقداس يا سيدي ، و أقبلوا علينا عشاء يبكون ، أن قد أكل الذئب الأقصى ، و ما أنتم بمؤمنين لنا و لو كنا صادقين ، و لسان حال دموعهم يا سيدي ، أن كلاب بني النظير شروه بثمن بخس دراهم معدودة ، و لم يكونوا فيه من الزاهدين ! فنجيبهم ، بصوت رجل واحد ، و الرجل كثير : بل سولت لنا شهواتنا أمرا ثم أتينا على قميصنا بدم كذب !
من لنا يديه نقبل يا أحمد ؟
تحالف العربان يا مولاي مع العنسي ابن السوداء ، لا سود الله لمحبك بحق وجها ، و قاموا يذبحون الشياه ، كرما حاتميا ، و يحلبون كل يوم له بقرة ، حتى آخر قطرة من دم ! و أتوا له بالنوق و الجمال ، و شيئا من تمر و كثيرا من مال أسود ، وهبوه كل ذلك ، مقابل حفنة من نفاق ! و دخل دار الندوة يا مولاي ، و أرعد ، و بني النظير ببني قريظة توعد ! ثم أزبد ! ثم دخل دار بني النظير ، باشا فرحا : إنا معكم إنما نحن مستهزؤون ! و شرب العربان الخدعة يا مولاي ، و ناموا ملئ جفونهم ، لا أقلق الله لهم جفنا !...
من لنا يديه نقبل يا أحمد ؟ ويكأن شوقنا إيك مجرد كذبة كبيرة ، فلو قدر لك يا مولاي أن تأتي إلى شطآن زماني ، و طلبت البيعة منا حكما نبويا تعيده ، لانهال عليك بعض حكام أمتك بتهمة الإرهاب ، و لطاردوك ، و لأوعزوا إلى كلابهم ، دونكم و مرهب العالم ، هذا الذي تزوج طفلة ، و اغتصب الطفولة ، هذا الهمجي الذي أعاد الجلد و الحدود في زمن الطائرات ، ذاك الإرهابي الذي قتل بني قريظة و بني النظير في خيبر !! ثم إلى ابن السوداء يذهبون ، و يأتون إليك في مائة ألف ، تحسبهم جميعا و قلوبهم شتى ! سيحاولون قتلك يا أحمد كما فعل بنوا النظير ، و إن كنت في عرف كفار قريش يا سيدي صادقا أمينا ، فأنت في عرف بعض أمتك اليوم سارقا للحرية مشينا ! و الله يا مولاي و سيدي أعلم !
من لنا يديه نقبل يا أحمد ؟
باع العربان كل شيء يا مولاي ، و بعد الأقداس ، باعوا مياه الفرات ، و دخلوا دخول الفاتحين ، يشابكون أيديهم بأيدي الروم ، و بعضهم ظهورهم يمتطي ، كما حمار يا مولاي يا شريف القدر ! ويكأن الحمار يشتكي من قلمي في كل مر’ أستعيره فيها من أجل تبيان حقيقة العربان من أمتك ! فعلى الأقل حمار هو ، و حينما ينظر إلى المرآة حمارا يبقى !
و دخلوا يا سيدي عراقنا ، و أسالوا ما تبقى من دماء في قلوبنا ، و أوصدوا أبوابها الصدئة ، بعد أن ملؤوها بالحر و الحرير و الخمر و المعازف ، و أوصدوا ، و تركوا على ضفافها حراسا ، يشون بكل من مناعته الداخلية غلبت سلعتهم ... ثم يوسعونه فتنا !
و قتلوا بغداد يا مولاي شر قتلة ، و اغتصبوا نساءنا ، و دمروا حتى ظل السراب ، ثم عاد العربان يا مولاي في قلوبهم غصة تماسيح بقلب النشوة ، سلموا مفاتيح بغداد لمغول ابن السوداء ، و ناموا ، لا أقلق الله لهم جفنا !
ثم إنه يا سيدي ،
لنا إن شاء الله رب أحمد من اللقاء ما دخل تحت خانة الثلاث !
أبيع كل حروفي ، من أجل قبلة على يديك أطبعها يا أحمد
مهدي يعقوب
-
يعقوب مهدياشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة