الحب في زمن الكورونا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحب في زمن الكورونا

  نشر في 12 غشت 2021 .

اكيد ان العنوان يرسو بنا بمرفأ روائع الادب العالمي، ويذكرنا برواية غابريال غارسيا ماركيز في زمن تبادل الادوار بين الكوليرا و الكورونا ولو بحدة اكبر، و لكن الحال يفرض التمحيص و التدقيق في واقع الأمور، فعندما تدلهم الخطوب يتسلل شعاع من دهاليز مقتنيات الضمير، حاملا اليافطة والمطالب وقد يجرأ على الصراخ والعويل الصادق صادحا بأفكار متناثرة منبعثة من رحم الالم و الحسرة، و هي تصد امواج التحضر اوما يعتقد انه تحضر في عهد اختلال المقاييس وصولا للمثال الوهمي في المجتمع او بالأحرى ما يعتقد أنه الرجل الناجح.

فالحب هو تلك الكلمة التي تدغدغ المشاعر و تبعث عادة لمخازن الذكريات، فيسطع بذكرها الحلو والمر، فمنهم من تخرج من اعماقه ابتسامة اسى على ما ضاع ، ومنهم من تنهمر العبرات على وجنتيه حزنا على اتباع سبيل فلان الذي اضل الجميع عن الذكر، ومنهم من تصدمه بجروح سلم القيم الذي تصدع و عاد يحارب الثوابت والأخلاق، و هناك من يسيح قلمه راسما لوحات الجرائم الاخلاقية التي وقعت تحت اسم الحب بين المتحابين بقوانين الشيطان .

فبذكرها يندفع جنون هاوي اللحن والكلمات والطبلة لتلاعب احبال المغني الفلاني بالسلالم والتوزيعات الحديثة وحتى الغابرة، فتراه يكاد يفرض علينا ان نجمه هو المخلص للعالم وحامي الوطن. وترى المحب الاخر يتفنن في وصف الضربة الحرة التي نفذها معشوقه، وكيف اهتزت الشباك وتأهل الفريق محاولا بدوره اقناع البشرية اوبالأحرى محاولة خداعها ان التأهل اقصى و اسمى انجاز يمكن للبلاد تحقيقه.

و انا استجمع الانفاس من خلال الكمامة مفارقا الاهل والأحبة ومطبقا لتعاليم الوقاية الصحية، عصفت بخلدي صرخة الطبيبة الايطالية في عز ازمة الوباء، وهي تدعو حكام البلد للمطالبة من نجوم كرة القدم، الذين يتقاضون الملايين، ايجاد المصل واللقاح  والعلاج، في وقت يتم صب الفتات اخر الشهر لأهل العلم والبحث والمخابر، وكأن صرختها اعادت للسطح ما جنته براقش على اهل العالم المتخلف عندما آثر احاطة القينات والراقصات والمتباكيات على الاطلال بالعناية الدقيقة والمكانة الرفيعة، مقننين آليات وسبل التكريم التي تمر عبر التعري والوضاعة و اللسان الفاحش، وان ارتقاء المكانة مرتبط بوثاقة بالتفاهة، اما العلا فلا ينال بسهر الليالي بقدر اغنية تتكرر فيها كلمتين بذيئتين ملامستين للجانب المظلم للذات البشرية، فترى تسابق القنوات وتنافس الصفحات و المجلات ...فقط ...لان الراقصة تلاسنت مع المطبل ولان المزمر اقتنى قميصا اصفرا.

هل جنينا على انفسنا ام ان الحب هو من اجرم في حقنا اذ اقنعنا ان الطاهر منه هو الذي يجمع البطل بالبطلة في الافلام المدبلجة التي لا تنتهي، ام ان الوهن والضعف جعل من الغثاء يعشقون كل شيء إلا العلم وأهله، ويقفون احتراما لكل مار إلا المعلم والشيخ والدكتور والكاتب والباحث، فعبثنا بالقيم حتى اصبح الميناء الام التي توفر لنا كل ما نحتاج منتظرين الغرب ايجاد الدواء، ونتقاتل متمنين وساطة العدو مقابل التضحية بخيرات البلد وحتى القرار والكلمة في البيت.

اولم يصنع الحب المزعوم آلاف الاطفال بلا هوية وتم ايجاد الغطاء باستحداث منصب الام العازبة، اولم يزرع حب المسلسلات التافهة في قلوب الناشئة التأقلم مع العلاقات المحرمة و الالبسة الفاضحة و التسريحات الحقيرة، اولم يصنع الاعلام من الحقراء مشاهيرا ملكوا قلوب الناس بأغنية او جملة او بسروال ممزق فعلى راي - كارلوس ثافون لن يفنى العالم بسبب قنبلة نووية، كما تقول الصحف، بل بسبب الابتذال والإفراط في التفاهة التي ستحول العالم الى نكتة سخيفة. هي صور من صور الحب المسوّق له بشتى اللغات، و بأحدث النظريات للمصادقة على منهج الضياع  والاختلال، و معاداة قواعد الاخلاق و دروب النجاح و الاطمئنان و الاهتمام بالمظاهر دون الجوهر لدرجة الغرق في التقليد الفارغ.

فالحب الحقيقي هو ذاك الذي يتقيد بقواعد الميثاق الغليظ، و يخضع لاملاءات القواعد التي اختارها المولى عز وجل، هو ذاك الذي يقف احتراما وتبجيلا للمعلم و اهل العلم و الباني لبيوت لا عماد لها، و في النهاية هو سبيل التسجيل في قائمة خدام البشرية بما يرضاه الله لنا ، ومعاداة كل ما يسجلنا في سجلات الغياب.

فما علينا اليوم سوى العودة لمخازن الحضارة والبحث بين دفات امهات كتب ألأجداد، والمطابقة بين الحقيقة و الواقع وأمر الله عز وجل الذي حمله سيدنا جبريل عليه السلام حاملا رسالة ملك السماوات للبشرية جمعاء، عبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ان اقرا وتعلم ومجد العلم و اهله، فهو السبيل لبناء الذات و المجتمع و معرفة رحمان الدنيا و الاخرة و رحيمهما، فمن اراد الرفعة فعليه بحب العلم، و من اراد الحضارة فعليه بحب العلم ايضا، و من اراد كل شيئ فعليه بالإيمان و العلم معا (يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ المجادلة: 11

فما الحمى و الكوليرا.. و.. الكورونا.. إلا رسائل الاهية لإعادة ضبط الامور، وتوزيع الحب على من يستحق، قيا ليتنا عشقنا المخابر، و يا ليتنا غازلنا النظريات، و يا ليتنا وقعنا في غرام المكتبات، ويا ليتنا انشدنا قصائد الحب للمعلم و الباحث و طاعة لملك السماوات.

محمد بن سنوسي

12-08-2021 


  • 2

   نشر في 12 غشت 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا