التهميش الاجتماعي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

التهميش الاجتماعي

إنسان بلا إنسانية

  نشر في 25 مارس 2019 .

حاول الفكر الإنساني على مدى العصور القديمة، ثم العلم الإنساني والاجتماعي في العصور الحديثة توضيح وتفسير قيمة المساواة وأهميتها. حيث حلمت الشعوب بالعدل الاجتماعي. وأدخلت ذلك في مذاهبها و رؤاها الطوباوية، ثم في فلسفاتها ونظمها الدينية والأخلاقية والقانونية. ومازالت المساواة ومازال العدل بعيدين عن الواقع وعن أفراد المجتمع. لكن علم الاجتماع المعاصر حاول وضع مؤشرات صادقة تعبر عن المساواة. فالمساواة حسب علم الاجتماع هي اندماج أفراد في مجتمعهم على صعيد الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والعمل السياسي والتفاعل الاجتماعي أي على صعيد الحقوق والواجبات. أما اللامساواة تعني التهميش والاستبعاد والحرمان والإقصاء عن هذه المشاركة. وعلى العموم شغلت قضية التهميش بال الكثير من علماء الاجتماع لأنها تعد سبباً مباشراً لانقسام المجتمع وظهور بؤر التوتر والانقسام والعنف وغياب العدالة الاجتماعية بشكل أساسي.

لغوياً تعتبر كلمة التهميش ( هـ م ش ) مصدر هَمَّشَ أي كتب على حاشية الكتاب: ما يدون من تعاليق وبيانات على الهامش، حاول تهميشه: جعله على الهامش، أي عدم إعطائه أهمية. ويعيش على هامش المجتمع أي خارج سياق المجتمع. والمفهوم بطبيعة الحال ليس جديداً في اللغتين العربية والإنجليزية، ففي اللغة الإنجليزية يوازي مفردتي marginalization، والتي تعنى حرفياً وضع الأشخاص أو الجماعات على هامش الأحداث والأفعال ومصطلح social exclusion، والذي يعني العزل أو الإقصاء أو الاستثناء أو عدم الشمول. أما اصطلاحياً يعتبر التهميش نمطاً اجتماعياً سياسياً سائداً في المجتمع ما طبقاً لاعتبارات تقررها وتفعلها المنظومة المسيطرة، وتعيد إنتاجها بصور مختلفة. ففي نطاق الحياة الاجتماعية واليومية للأفراد والجماعات قد يُحرم كثير منهم من فرص الوصول والمشاركة في المرافق الاجتماعية والسياسية، من خلال حرمانهم من حقوق المواطنة المتساوية على كل المستويات، مما يؤدي إلى عدم قدرة المجتمع على تفعيل كل أفراده بالدرجة التي يحققون فيها ذواتهم ويفعلون فيها مقدراتهم وقدراتهم ومواهبهم وطاقاتهم. ويوافق مفهوم التهميش مفهوم الاستبعاد الاجتماعي، الذي هو نقيض الاندماج أو الاستيعاب، فهو موضوع حيوي وكاشف لطبيعة البنية الاجتماعية في أي مجتمع، وهكذا فالاستبعاد ليس أمراً شخصياً، ولا راجعاً إلى تدني القدرات الفردية فقط بقدر ما هو حصاد بنية اجتماعية معينة ورؤى محددة ومؤشر على أداء هذه البنية لوظائفها. والنتيجة الحتمية المترتبة على التهميش هي الاضمحلال فإنه حين تهمش مجموعة من غير سبب عملي وموضوعي فإنك تدفع بها نحو الاضمحلال وذلك من خلال تحجيم فرص ارتقائها ومن خلال محاصرتها على الصعيد الثقافي.

وتتعدد مظاهر التهميش لتصل إلى أعلى مستوياتها من خلال مفهوم الإقصاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي، إذ تتنوع بين الإبادة والتطهر العرقي وبعض الممارسات التي تظهر كراهية الغرباء في أكثر اشكالها تطرفاً، أو قد تظهر في هيئة مصاعب تتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الفردي أو الجماعي. كما يظهر مفهوم التهميش في لب كل مسائل الصراع الاجتماعي، التي تختلف تسمياتها باختلاف مظاهرها وتمثلاتها.

وفي النهاية يمكنا لنا تعريفه بأنه جملة الإجراءات والخطوات المُنظَّمة التي على أساسها تُوضع الموانع أمام الأفراد والجماعات, حتى لا يتحصلوا على الحقوق, والفرص, والموارد, وخدمات السكن، الصحة، التوظيف، التعليم، المشاركة السياسية, وغيرها من الحقوق المتاحة للمجموعات الأخرى, والتي هي أساس التكامل الاجتماعي.

من أهم عوامل وأسباب التهميش الاجتماعي العوامل السياسية التي تتجلى في غياب ثقافة المشاركة والديمقراطية مما يؤدي إلى انعدام مشاركة غالبية أفراد المجتمع في إدارة الشأن العام. أما الاقتصادية فإنها تقوم على نموذج الندرة الذي ينظر إلى ضحايا التهميش على أنهم أعداد فائضة من البشر أو أشخاص فاشلين يصعب تصنيفهم وهم عالة على الدخل القومي ويجب إقصائهم أو التخلص منهم نظرية مالتوس نموذجاً. وتشير العوامل الثقافية إلى أنه عندما تحدد الجماعات البشرية انتماءاتها من خلال الرجوع المطلق إلى بعض الأطر الثقافية الخاصة تكون بذلك قد أقصت وهمشت كل من لا ينتمي إلى تلك الأطر، وقد شهد التاريخ الإنساني العديد من حالات التهميش التي ارتكزت على عوامل ثقافية وأدت إلى إلغاء الآخر ونفيه مثل الهنود الحمر في أمريكا. أما اجتماعياً نجد أن بعض الأعراف والتقاليد والقيم السائد في المجتمع التي المستمدة من مفهوم التدرج الاجتماعي تلعب دوراً مهماً في تهميش بعض الفئات الاجتماعية.

ويمكن تصنيف المهمشين في مجتمعاتنا عموماً من خلال الفئات الضعيفة من أفراد المجتمع ( فقراء والمساكين في المدن والأرياف )، وفئات الأقليات المحرومة والسكان المشردين، وفئة الشباب، وأطفال الشوارع. وأغلب من يوصفون بالهامشين يتجلى العنف في شخصيتهم وسلوكهم للتعبير عن ذاتهم. فعلى سبيل المثال نجد أن الشباب العاجزون عن الاندماج بالمجتمع والعاطلون عن العمل يعانون من فراغ الذي يدفعهم إلى إتباع سلوك العنف ضد الآخر في أغلب الأحيان للتنفيس عن الاحتقان والضغوطات التي تعاني منها تلك الفئات المهمشة سيكولوجياً واجتماعياً.

بالإضافة إلى تهميش مكانة المرأة في المجتمعات العربية، حيث تعاني مجمل النساء العربيات بشكل عام من مشكلة التمييز بالجنس وعدم المساواة بسبب العادات والتقاليد البالية، بالإضافة إلى عدم السعي الجاد إلى تمكين المرأة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً على اعتبار أنها تشكل نصف المجتمع.

نستنتج مما تقدم وباختصار شديد إلى أن الإنسان الهامشي هو إنسان مقهور بكافة الأبعاد مسلوب الحقوق والكرامة الإنسانية، التي هي أبسط حقوقه كما عبرت عن ذلك الديانات السماوية والقوانين الوضعية. فعن أي إنسانية نتحدث وعن أي حقوق الإنسان، فالظاهر لنا أن الإنسانية تتجزأ وهي حق مكتسب للقوي دون غيره. لذا كان التهميش الاجتماعي في عصر الإنسانية دون الإنسان في علاقته مع أخيه الإنسان.


  • 1

   نشر في 25 مارس 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا