تنظيم المجتمع فــــي مواجهة الجائحــــــة كورونا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تنظيم المجتمع فــــي مواجهة الجائحــــــة كورونا

فيروس كورونا المستجد

  نشر في 23 مارس 2020 .


      استكمالا للمساقين الاول و الثاني ضمن برنامج " بناء وانتاج وتشارك المعرفة حول تنظيم المجتمع من خلال المشاركة " الذي يقدمه معهد الفضاء المدني عبر منصته التفاعلية التي تتيح للعديد من مواطني و مواطنات شمال افريقيا و الشرق الاوسط الاستفادة من الدروس و المواد المقدمة التعليمية المقدمة. كان لي شرف المشاركة من جديد و لمدة ثمانية اسابيع في المساق الثالث تحت عنوان "بناء العلاقة بين ومع أصحاب المصلحة" الذي تناول اهمية بناء العلاقات بين و مع اصحاب المصلحة و دور منظمي المجتمعات و كيفية التواصل و الاتصال معهم لمعالجة القضايا المجتمعية.

     مما لا شك فيه ان جائحة فيروس كورونا الذي ظهر في مدينة ووهان بالصين اواخر سنة 2019 و انتقل الى العديد من الدول حاصدا بذلك الاف الموتى و مئات الالاف من المرضى دون ايجاد علاج فعال الى حد الان هو مشكلة مجتمعية عالمية تسبب فيها كائن مجهري. هذا الفيروس الذي لا يفرق بين دولة و اخرى او بين حدود اجتماعية او انظمة سياسية او قيم ثقافية ، فهو يضرب الجميع بنفس القوة ويجعل الجميع متساوين في مواجهة ضرباته الموجعة التي شلت الاقتصاد العالمي وكسر منطق العولمة، فلا القوة العسكرية اوقفته و لا الانظمة الصحية المتطورة وقفت زحفه و تفشيه و لا التقدم التكنولوجي استطاع حسب جيوشه، لا شيء من هذا و لا ذاك فقط بانتهاك حقوق الفرد الشخصية و فرض اغلاق كامل للمدن و الاحياء والدول, و هذا ما عمدت الصين على تطبيقه رغم انتقادات الدول الاخرى لها بانها تنتهك حقوق الانسان، لكن التوازن بين حقوق الانسان و السلامة العامة هي معادلة متغيرة، يعمل الشخص خلالها على استبدال القليل من حريته الشخصية من اجل الصالح العام الوطني و العالمي.

     لكن الملفت للنظر خلال ظهور هذا المشكلة الاجتماعية الصحية العالمية هو طريقة تعاطي بعض الدول و المواطنين لها و كيفية التعامل معها، فقد عمدت امم و دول على توفير الحماية لمواطنيها و نقلهم من المدن الصينية الموبوءة الى بلدانهم الاصلية مسخرين لعملية الاجلاء كل وسائل النقل المتاحة غير مبالين بمحنة السكان الصينيين و لا بقياداتهم الحاكمة ضاربين عرض الحائط التضامن الدولي و مواثيق منظمة الصحة العالمية. لكن التنظيم المجتمعي القوي للشعب الصيني ابان على قوة و مسؤولية و مشاركة فعالة لكل اصحاب المصلحة من سكان و سلطات و مختبرات و مستشفيات و شركات في التصدي لهذا الوباء العالمي، رغم كل الانتقادات التي وجهت لهم من طرف دول تعطي دروسا في الديمقراطية، لتجد نفسها الان جالسة تستخلص العبر ممن كانت بالأمس توبخها و تلومها على قراراتها التعسفية اتجاه مواطنيها و اتجاه الشركات العاملة على اراضيها.

      ان الدول القوية على مستوى العالم التي تتغنى بالقيم العالمية لحقوق الانسان والحفاظ على الحريات الفردية و الجماعية لمواطني سكان الكرة الارضية و غيرها من الاخلاق العالمية التي ترددها كل مرة و التي لم يجسدها قاداتها بعد في ممارساتهم الواقعية و سياساتهم التجارية و التنموية اتجاه باقي الدول خاصة الفقيرة منها رغم كل المعاهدات و الاتفاقيات التي ابرمت و صادقت عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية و حتى بعد نهاية الحرب الباردة. فأمام كل ازمة اقتصادية او صحية او امنية عالمية تجد هذه الدول نفسها متجهة نحو الحماية الوطنية لمصالحها القومية وحماية مواطنيها و شركاتها وفرض رسوم جمركية حماءيه على منتجاتها و لو على حساب الامم الاخرى، و هو ما رأيناه خلال ظهور فيروس كورونا المستجد الذي ابان على ان تلك العلاقات الديبلوماسية و الاقتصادية و علاقات التعاون بين الامم ليست مبنية على اسس و قيم الانسانية كقيمة نبيلة يجب الحرص على جعلها عملة بين الافراد و المجتمعات و الامم، حيث الكل يبحث عن حماية نفسه بعيدا عن الاخرين و على حسابهم احيانا.

     ان هذا النظام من العلاقات العامة و الاخلاق التي تسير النظام العالمي نجدها ايضا داخل نفس الدولة حيث يسعى الكثير من المواطنين الى حماية انفسهم و شركاتهم ومصالحهم الشخصية و العائلية و لو على حساب الاخرين و بطرق غير اخلاقية و غير قانونية خلال كل ازمة او دونها، معبرين بذلك عن غياب المسؤولية الجماعية التي تعتبر من مبادئ تنظيم أي مجتمع، كما يعمل اخرون على تحقيق مصالحهم الشخصية عن طريق استعمال السلطة والمحسوبية، أو العلاقات العائلية، أو السياسية، أو استغلال النفوذ أو غيرها من طرق الفساد الذي اصبح عملة سائدة سواء في الدول النامية او المتقدمة مع اختلاف في التفسيرات و التبريرات التي اعطيت لهذا الفساد.

     فما رأيناه في مجموعة من الدول من تهافت السكان حول اقتناء المواد الغذائية وتخزينها و احتكار بيع الكمامات الطبية و بيعها بأثمنة جد مرتفعة من طرف بعض تجار المآسي و غيرها من مواد التعقيم الاساسية، و محاولة الرئيس الامريكي اغراء احد الشركات الالمانية لاحتكار لقاح للفيروس للشعب الامريكي ، كلها تصرفات وتجليات مجتمعية عالمية كانت ام محلية تدل على وجود خلل مجتمعي عالمي يجب معالجته. و يندرنا بضرورة اعادة ترتيب و انتاج بنية مجتمعية جديدة ذات ابعاد دولية تقوم على اسس اخلاقية عالمية تأخذ الانسان كأساس لها عوض المصالح القومية و الفردية للأشخاص، لان أي دولة لا يمكنها ان تعيش بمفردها بمعزل عن العالم و لا يمكن للإنسان ان يعيش وحده بمعزل عن الاخرين، ولا يمكنه حماية نفسه الا بحماية الاخرين خاصة في ظل مجموعة من المشاكل العالمية العابرة للحدود كالتغيرات المناخية و الجريمة المنظمة و الارهاب و الاوبئة غيرها من الظواهر التي نتجت عن النظام العالي الحالي.

       ان اعادة تكوين بنية مجتمعية عالمية لا يمكن ان يتأتى دون البدء على مستوى كل قطر و كل مدينة وحي و أسرة، حيث يعتبر تنظيم المجتمع و اعادة هيكلته على اسس وقيم نبيلة تجعل افراده قادرين على معالجة قضاياهم بأنفسهم في اطار من المشاركة المجتمعية التي ينخرط فيها كل اصحاب المصلحة المعنيين بالقضية و تقوية قدراتهم وتنمية مهاراتهم المشتركة.

     و قد اظهر تنظيم المجتمع و المشاركة المجتمعية كأحد مبادئه اهمية كبيرة في الحد من انتشار الجائحة في المغرب من خلال الانخراط الفعال لكل اصحاب المصلحة من السطات و السكان و المجتمع المدني و القطاع الخاص عبر مجموعة من الاجراءات المشتركة بين كل مكونات المجتمع المغربي و التي صنفت من احسن الاجراءات التنظيمية التي تم تطبيقها الى حد الان.

      حيث ساهم الانخراط الفعلي لجميع اصحاب المصلحة و نظام العلاقات الذي تم تبنيه في هذه القضية العالمية في تحقيق مجموعة من الاهداف التي تركز عليها المشاركة المجتمعية و منها:

 رفع مستوى الوعي العام في إطار القضية المستهدفة : حيث تمت تعبئة مجموعة من المؤسسات العامة و الخاصة عبر مجموعة من القنوات الاعلامية و وسائل التواصل الاجتماعي و القنوات التقليدية. كل هذا ممن اجل تحسيس السكان افرادا و جماعات و مؤسسات و توعيتهم بالإجراءات الصحية التي يجب اتباعها خلال هذه المرحلة الحرجة و كل مرحلة مستقبلية.

 تعزيز الثقة بالذات: المسؤولية الاجتماعية و الجماعية التي تحلى بها المواطنون امام هذا الوضع زاد من ثقتهم بقدراتهم في مواجهة المشاكل المستقبلية خاصة في ما يتعلق بالتنسيق العام و القدرة على التعبئة و التأثير.

 زيادة القدرة على التدخل: الانخراط الفعلي لكل اصحابا لمصلحة في مختلف المجالات من اجل توفير مستلزمات العيش بشكل منتظم و تعليق الدراسة بالمؤسسات التعليمية و تقليص الموظفين في الادارات و اغلاق المقاهي و المطاعم ، كلها اجراءات زادت من القدرة على التدخل و احتواء الوضع الصحي الخطير.

 توفير وسيلة للتأثير على صانعي القرارات وواضعي السياسات: ان استصدار قوانين الحجر الصحي و فرض حالة الطوارئ الصحية كان لها وقع كبير على مجموعة من المواطنين الذين لو يستوعبوا بعد خطورة الوضع.

 ضمان التوزيع العادل للخدمات: تعتبر الاجراءات التي تم تبنيها خاصة صندوق الازمات الخاص بمكافحة اثار فيروس كورونا و الذي سيمكن من تخفيف الاضرار على العمال و فاقدي الشغل بسبب الاجراء الصحي، كما سيمكن من توفير المعدات الطبية اللازمة لتجاوز هذه الافة العالمية.

       و كما قال رئيس الوزراء البريطاني الاسبق : " إن توفرت الإرادة الحقيقية يمكن ان يصبح المستحيل ممكنا وان انعدمت الرغبة والإرادة قد يصبح الممكن مستحيلا " فان التصدي لاي مشكلة مجتمعية محلية او وطنية او دولية لا يمكن يان يتم دون توفر الارادة المجتمعية لذلك، و هذه الارادة لا تخص السلطات الحاكمة في الدول فحسب بل كل اصحاب المصلحة من قطاع عام و خاص و مجتمع مدني و بالأخص السكان الذين هم مفتاح كل تنمية و نجاح أي استثمار.

محمد زني : معهد الفضاء المدني 



  • 1

   نشر في 23 مارس 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا