دعوة إلى البؤس - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

دعوة إلى البؤس

عزيزي ساكن هذه الأرض البائسة .. إليك هذه الرسالة الكئيبة والواقعية في نفس الوقت.

  نشر في 20 يناير 2016 .


عزيزي .. دعك اليوم من كل دعاوي التفاؤل ومن كل تلك الكلمات الرنانة التي لا صدي لها علي أرض الواقع ... عزيزي الجالس الآن ويظل يردد كلمات من عينة أن السجن أمل ونور وأن الدماء هي ما تبني الأمجاد وقواعد المجد .. كل هذا الكلام جميل جداً إن كنا نتحدث عن أحد أفلام الخيال العلمي .. ولكن اليوم واليوم فقط يجب أن نكون واقعيين.

فاليوم أصبح لك الحرية المطلقة في أن تبتأس .. إبتأس واكتئب .. خيراً لك من أن تخدع نفسك بآمال واهية تدرك في نهايتها حمق نظرتك إلي هذه الدنيا البالية .. لك أن تدرك تماماً أن حياتك عبارة عن عدة إختيارات جبرية .. عبارة عن إختيار بين ممكن وممكن.

ليس لك الحق في غير الممكن أو المأمول .. ليس لك ولم يكن لك يوماً الحق في المستحيلات ...

دعك من أحلامك وأوهامك وقم بذكر كم حلم حلمته وقمت بتحقيقة ... وقبل أن تذكر أحداهم .. ركز جيداً في سؤالي .. لقد سألتك عن إحدي "أحلامك" وليس إحدي حقوقك التي وبواقع الحياة البائس أصبح مجرد "حلم" .. أتدري يا عزيزي لقد توصلت الآن إلي حقيقة واضحة .. ألا وهي أننا كمن يمتلك أرض زراعية في بيئة معينة تحمل جو معين ويناسب تلك الأرض وتلك الظروف الجوية محاصيل معينة ليس لك أن تخرج خارج هذه الإختيارات .. وعند إختيارك "جبراً" لأحد هذه المحاصيل يخرج لك هذا المنتج البائس مُجبراً عليه دون إختيار منك له ..

يظن أحدهم حالماً أنه كد وتعب وإجتهد وفي النهاية أخرجت له الأرض ثمار تعبه وجهده .. ولكن هذا المسكين لا يدري أن كل ما هنالك أنه كان عبد للظروف وللممكن .. وما يظهر أمامه الآن ماهو إلا أثار لإنكسار شوكة أحلامه وآماله علي أرض الواقع القاسية .. فما كان للحياة إلا أن وضعت له عدة إختيارات جبرية دون النظر أو الإهتمام أو الرجوع إلي آماله أو مطالبه أو أحلامه المنشودة .. إختيارات جامدة لا حياة فيها.

ومسكين هذا من ظن يوماً أنها هي الحرية فإنه يقوم بذلك بما قام به من حٌكم عليه بالإعدام .. ورأفة بحالة جعلوه يختار أداه إعدامه فظن واهماً أنه حر .. فقام بإختيار نهايته بيديه .. ولم ينتبه أنه وإن كان حراً بحق لكان إختار حريته وإستكمال حياته .. ولكن هكذا هي الحياة .. تسقي أحدنا كأساً فارغاً ولكن كل العجب لهذا الكأس .. علي الرغم من أنه فارغ ولكنه يصيب ساقيه بالسكر والترنح ضاحكاً وهو ينزف أخلامه علي أرض ميتة لا حياة فيها ..

لذا فلتعلم جيداً أن الحزن وعدم الرضي والإكتئاب أًصبحوا الآن هم أوجه كمال حرية الفرد .. علي الأقل من إختارهم فقد إرتضي لنفسه أن لا يرضي بالممكن المرسوم له جبراً في هذه الحياة البائسة .. الآن فقط تعلم أن تخالف قطيع الفرحين وهُم يساقون إلي ذبحهم .. حتي وإن كان طريقك وطريقهم إلي نفس النهاية المحتمة والمكتوبة ألا وهي الذبح .. ولكنك بذلك سلبت من قاتلك ما كان يريد أن يسلبه منك .. ألا وهو الحزن وعدم الإنصياع إلي مخدراته الفكرية ... أصبح الحزن هو المعني الحقيقي للسعادة.

إعلم جيداً أن مخالفة الوهم هو أصل الحقيقة ... ضحكك في وجه ما يبكيك .. وبكائك في وجه ما يسعدك هو أعلي مراتب الحرية .. إنتزاعك لرداء سربلتك به الدنيا رغماً عنك هي الحرية ... حتي وإن نظر إليك الآخرون علي أنك عاري .. ولكنك الآن ترتدي رداء الحرية المطلقة .. حتي وأنت تعلم أنك داخل نطاق الجبر .. ولكنك حر داخل هذه القيود .. تعلم مصيرك ونهايتك المكتوبة لك قدراً .. ولكنك علي الأقل بداخلك ساخط عن هذه السيناريوهات البالية .. تعلم أن الذبح قادم لا محالة ..

ولكن كن علي يقين تماماً أن إنتزاعهم لروحك لن تكون بها النهاية ... دمائك الآن أصبحت ترياق شفاء لكل ثمل وكل مترنح .. كلما إستنشق أحدهم رائحة دمائك الزكية أفاق وأدرك .. تبدأ الغشاوة في الزوال تدريجياً من علي عينيه التي لطالما كانت يعميها وهم الحياة .. ويبدأ في النظر إلي السماء بعين الحق فلا يجد إلا سقف لسجن ضيق .. طريقه المفروش بالورود .. هذه الورود التي لم تكن سوي غطاء لواقع قبيح يريدون به محو آثار دماء الأحرار ..

كل قطرة دم تروي هذه الأرض تخرج نبتاً جديداً من نبات الحرية المجبر .... علي أمل أن يخرج أحدهم يوماً ما ويقولها صراحة إلي العلن ... يٌبشر بها شعب الأرض المجبور .. يقولها لهم بكل وضوح ...

"يا أيتها الخلائق .. أنتم لستم أحراراً .. أنتم مجبورون .. أفيقوا ... أفيقوا وأعلموا مصيركم المكتوب لكم .. لا ترضوا عنه .. إسخطوا علي هذه الأرض الضيقة ... إنزعوا الغشاوة عن أعينكم وأدركوا قُبح الواقع ... كونوا أحراراً ... تحركوا إلي نهايتكم المكتوبة التي لا يد لكم فيها بحرية"

إعترفوا بها وأنتم علي المشهد تذبحون ..قلها ولاتخف .. وقلها ورأسك بين يدي من يذبحك قُل تلك الكلمات الخالدة :

أعلم أنني لست حر ... أعلم خدعتكم جيداً ... ولكنني حر في عدم قبولي لخداعكم .

وكن علي يقين أنه يوماً ما ستصرخ بها الأرض ويعلنها أحدهم صراحة للعلن ... ولكن إلي أن تأتي هذه اللحظة ... دعك من الأحلام وكن واقعي .. وابتأس.


  • 1

   نشر في 20 يناير 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا