لما السفر ؟

لماذا ننتقل من مكان الى آخر ؟ لماذا نخرج من دائرتنا التقليدية ونلقي بأنفسنا في دائرة أخرى لا نعرف عنها شيئا ؟ لماذا المخاطرة؟

قد يكون السفر للدراسة، وقد يكون للعلاج لكن ليس هذا المقصود، بل لماذا نسافر لمجرد السفر؟ هذا هو السؤال.

يقول البعض أن السفر للمتعة ، والبعض الآخر يقول أنه يساعدك في التعرف على نفسك ويزيد من ثقتك بها والاعتماد عليها من خلال الاحتكاك بمحيطات وثقافات مختلفة عنك، والبعض يقول أنه يحسن من الحالة النفسية للأفراد، وغيرها من الأسباب كاستكشاف العالم، فقد خلق الله لنا عالمًا واسعًا يستحق استكشافه والتأمل فيه.

والآن لننتقل الى الحديث العملي وهو صلب هذا المقال، فإذا كان سبب السفر مجهولًا فإن فوائده النفسية العلمية مثبتة وهي كالآتي :

أولًا : يجعلنا نتعرف على ثقافات جديدة وأماكن وأشخاص.

ولعلك تسأل الآن هل هذا له علاقة بالصحة النفسية أو له فائدة نفسية من الأساس ؟!

بالطبع له فائدة نفسية لأن ذلك يكسب الشخص مرونة في التعامل مع الأشخاص بشتى أنواعهم وثقافاتهم وبل وشخصياتهم المختلفة مما يزيد من ثقة الفرد بنفسه وبقدرته الغير محدودة.

وكما اتفقنا سلفًا أن الإنسان يجد في السفر مخاطرة فهو خروج عن المألوف والآمن لما قد يجده فيه من صعوبات ومفاجآت قد تجعله في مأزق وبالتالي فإن عند تعامل مع مثل تلك الصعوبات فإن الثقة تزداد وتتعزز.

ثانيا : يخلق ما يسمى بالذاكرة السحرية هل سبق أن سمعت عنها ؟

عزيزي قارئ هذا المقال دعني أخبرك بإختصار ماهي الذاكرة السحرية ..هي تلك الذكريات السعيدة التي يستدعيها عقلك عندما يحتاج إلى الهدوء والاسترخاء.

كما يساعد على تكوين تلك الذاكرة مع ابقاءها حاضرة في العقل عندما يحتاج جسمك إلى هرمون السعادة ستجدها تتسارع الى ذهنك، ففي السفر من المؤكد أنك سوف تصنع العديد من الذكريات.

ثالثا: يساعد على تعزيز الإبداع والإبتكار لدى الأفراد.

السفر هو خروج عن المألوف، هو توسيع للمدارك، هو تغيير قد يكون مطلوب في بعض الأحيان..ففيه تجد البيئة الجديدة والبيئة الجديدة تأتي معها التجارب الجديدة.

ولأن العقول حساسة تجاه التغيير فيصبح العقل المحاط بكل المتغيرات تلك قادرًا على الإبداع والابتكار لأنه يرى العالم من باب جديد يفتح أمامه لأول مرة، باب لم يكن ليوجد لولا السفر لولا الإنتقال لولا الخروج عن المألوف والمضمون والمريح وتجربة الجديد، فكيف سيبدع الإنسان ومداركه محدودة لم ترى ولم تسمع سوى نمط واحد، مناظر واحدة، لغة واحدة وشخصيات متشابهة.

ومثال على أن السفر يساعد على الإبداع والابتكار فقد وجد أن مصممين الأزياء كلما زاروا عددًا أكبر من الدول كلما ازداد إبداع خطوط إنتاجهم ولكن الأمر يختلف باختلاف عدد الدول التي استكشوفها وطول الفترة التي قضيت فيها، فقد وجد أن المصممين الذين عاشوا في أكثر من 3 دول لم يكونوا على ذات القدر من الإبداع الذي تمتع به من عاشوا في 1-3 دول مختلفة.

ويرجح الباحثون أن يكون السبب في ذلك هو عدم قدرة المصممين الذين سافروا لأكثر من 3 دول على الاندماج بحضارة البلد الجديد كما يجب، فحتي يتحقق الإبداع يجب أن يتحقق الاندماج والانغماس في الحضارات فتتوسع المدارك ويرى الإنسان أشياءا غيره عاجزًا عن رؤيتها واستيعابها.

رابعًا: يحقق الاستجمام والراحة العقلية والجسدية.

فالسفر هو خروج من دائرتنا المألوفة بما في هذه الدائرة من ضغوطات ومشاكل وأزمات، فنحن عندما نسافر نكسر روتين حياتنا اليومية ويصبح كل الشاغل هو تجربة كل ماهو جديد وغريب وبالتالي فهرمون التوتر يصبح إفرازه أقل وهرمون السعادة يزداد إفرازه.

خامسًا: يغير بعض الحالات المزاجية.

في السفر الاهتمامات وأولويات الإنسان تتغير وينصب التركيز كما ذكرنا على تحدي جديد وهي تجربة كل ماهو مختلف، وهنا فإن السفر يستطيع أن يغير بعض الحالات المزاجية، والاضطرابات النفسية مثل الإكتئاب، والقلق، والتوتر، وبعض التصرفات غير المفهومة مثل العنف الزائد، الأفكار والميول الانتحارية، والإدمان فمن المتوقع أن السفر قد يساعدك على التأقلم، والتغلب على هذه الاضطرابات ويعطي كل تركيزك للتجربة بجد ذاتها .

سادسًا: سيجعلك أكثر مرونة.

سوف يعلمك السفر أن المخططات ليس بالضروري أن تكتمل وأن كثيرًا ما قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فالمواعيد كثيراً ما سوف تتغير في اللحظة الأخيرة..

مثل: طائرة تأجل موعدها أو تلغيه، مشوار غير مخطط له في مدينة جديدة يقودك الي مكان لم تخطط إلى الذهاب إليه بل لم تعلم من قبل بوجوده أو لمقهى رائع وهنا ستصنع ذكرى سحرية جديدة ولعلك تسأل هل سوف ينعكس هذا على فائدة في حياتك اليومية ؟

بالطبع فسوف يعلمك السفر أن تصبح أكثر مرونة في حياتك اليومية وأقل توتر مما قد يزيد من إنتاجيتك لأنك سوف تستغل اليوم بشكل أفضل حيث ستخصص المزيد من الوقت للتمعن بكل ما حولك من تفاصيل.

سابعًا وأخيرًا : يساعد على تحقيق الأهداف.

الأهداف قد تكون أمور كثيرة من بينها أماكن ترغب بزيارتها، فتقوم بتدوينها في قائمة ما لتذكيرك من حين لأخر، فعندما تبدأ بشطب تلك الأماكن من القائمة التي قمت بإعدادها بنفسك سيثير هذا بدخلك شعوراً بالإنجاز والقدرة على تحقيق أهدافك الكبيرة والصغيرة وسيمحنك شعور بالثقة فأنت خططت وأنت نفذت إذن انت المسيطر.

كما رأينا أن السفر ليس مجرد ترحال وتنقل من مكان لأخر بل أنه نشاط بشري له فوائد نفسية كثيرة ..وقد يكون العلاج النفسي لبعض الحالات فلماذا لا نسافر؟