جرعات حنان(2)
وكأن قدر لمس قلبها وأحست بأن هذا العالم لا يليق بها، كما وشعرت بفراغ يملئ روحها، وتذكرت أمنيتها وهي صغيرة بأن لا تترك هذا العالم إلا وجعلت لها أثرا.
نشر في 29 ديسمبر 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
طل الصباح و"توليب" لم يغمض لها جفن، بقيت تفكر طوال الليل بموضوع "رهف"، حيث انهالت عليها الأسئلة بغزارة... كيف تحتفظ بها، وكيف يمكن لتلك الصغير أن تكون مقطوعة من شجرة، وبأي كنية ستدخلها الحضانة، وبماذا سيفكر الناس بها عند عودتها إلى الشام، وكيف ستهتم بها ومشروع التخرج أشرف على الأبواب، والمزيد المزيد من الأسئلة.
نهضت من الفراش وغسلت وجهها بالماء البارد وقالت في ذاتها سأترك الوقت يقرر ولن أتعب نفسي بالتفكير الآن.
رفعت الغطاء عن وجه الصغيرة وإذ بها نائمة كالملائكة، أوقظتها وشعرت بالدفء في كنفها، كما ودت عناقها لكي يهدئ بالها وتشعر بالأمان.
استيقظت "رهف" وبدأت تلعب بشعر "توليب" إذ يبدو لها أنه دمية، قالت لها "توليب" ضاحكة: كفى أطلقت العنان لنفسك بسرعة يا صغيرتي، حسناً سوف أحضر لك الحليب مع الموز، قالت لها "رهف": أريد "أوسا".
"توليب": من "أوسا" أنتِ تذكرين هذا الاسم باستمرار،هل أسم أمك "أوسا"؟.
"رهف": بابا اسمه "أوسا".
"توليب": وهل تلقبين "ريان" بأوسا" ما ألطفك من فتاة، ألم أقل لك أن "ريان" بين النجوم الآن.
"رهف" : "أوسا" بابا.
"توليب": كفي عن ذلك أرجوكِ إنك تُحرقين قلبي، حسناً سوف أخذك لنشتري بعض الثياب ثم ستأتين معي إلى متحف الشوكلاته وأطعمك ألذ مذاق بالعالم.
فرحت الصغيرة بحماس "توليب" مع أنها لم تفهم كلامها كثيرا.
وصلت "توليب" إلى مكان عملها، أجلست "رهف" على المقعد بجانبها ثم ارتدت ملابس العمل وبدأت بصنع الشوكلاته، غفلت "توليب" عن الصغيرة بضع دقائق إذ برهف توقع قدر الشوكلاته الساخنة على الأرض، انهالت "ليا" زميلة "توليب" على الصغيرة بالصراخ. أسرعت "توليب" إلى "رهف" مذعورة قائلة: هل أصابك شيء من الشوكلاته الساخنة، هل أنتِ بخير، انهالت "رهف" بالبكاء، قامت "توليب" بحملها لتطمئنها.
واصلت "ليا" توبيخ "توليب" قائلة: ماذا تظنين نفسك فاعلة تأتين بالأطفال إلى هنا، هل تحول هذا المتحف العريق إلى حضانة ولم أعلم! أأنتِ مدركة بتلك الخسارة التي سببتها هذه الطفلة الغبية.
دمعت عينتا "توليب" ثم قالت لليا: كفي عن الصراخ أرجوكِ أنها لا تتجاوز الثالثة من العمر لا تدرك ماذا تفعل.
"ليا" غاضبة: سنرى المدير ماذا سيفعل. ردت عليها
توترت "توليب" بعض الشيء لأنه مديرها أبخل رجلاً في المدينة.
دخلت "توليب" مكتب المدير وبدأت تتوسل ليسامحها على الخسارة التي سببتها "رهف"، ولكنه كان قاسياً لا يعرف للرحمة طريق, قال لتوليب بغضب: ستخرجين من المتحف أنت والصغيرة حالاً لا يوجد لك عمل هنا.
قالت له "توليب" باكية: سيلعنك العالم ذات يوم.
أخذت "توليب" الصغيرة وبدأت تتمشى في شوارع المدنية قليلاً، تفكر وتفكر وتحدث ذاتها، هذا الشعور لم أعشه سابقاً يا لك من مسؤولية كبيرة يا "رهف"، يجب أن أجد عملاً ولا يمكن لأي عمل قبول وجودك معي، كما أن مصاريف المنحة للجامعة لن تكفينا وحدها، ثم أطالت المشي قليلاً إلى أن وجدت نفسها أمام باب دار الأيتام الألمانية، ابتلعت أنفاسها بصعوبة ثم قالت: "رهف" حبيبتي انتظريني هنا سأعود بعد قليل.
رحلت "توليب" مسرعة رافضة النظر للخلف ودموعها تنهال عليها كالشلال، حيث شعرت أنها مربطة اليدين، لم تستطع أن تعتني بالصغيرة وبنفس الوقت احتلت رهف جدار قلبها، حيثُ تعلقت بها بسرعة كبيرة، كما شعرت أنها تحت رحمة الظروف القاسية.
بقلم سهام السايح
-
سهام السايحمؤلفة كتاب كأنه سديم وكتاب عمر مؤجل