سألت مرة أحد الأصدقاء هل تجيد اللغة العربية؟ أجابني: بالتأكيد إنها لغتي الأم

قلت له: إذا فأنت بالتأكيد تستطيع أن تعرف مدلولات الكلمات – قال: تقصد معاني الكلمات ؟ قلت له: بل مدلولات الكلمات.

فسألني متعجبا وهل هناك فرق؟ قلت: نعم فالكلمات لها مدلولات وليس معاني ، لأن المدلول يأتي من السياق والمعنى ثابت مجرد.

قال: في الحقيقية لم أفهم ، هل تستطيع أن تقرب لي الأمر ؟ قلت: نعم سأضرب لك أحد الأمثلة لتوضيح المدلول والمعنى.

ما معني كلمة ضرب ؟ صمت قليلا ثم قال:ضرب يعني ضرب من فعل الضرب .

قلت: وكيف تفهم ما قلته لك منذ قليل بعبارة سأضرب لك مثلاً – وكيف تفسر أيضا مصطلح جدول الضرب.

هذا ما أعنيه بمدلول الكلمة، فالمدلول قد يتغير وفقا لسياق الجمل والعبارات، حتى الكلمات ذات المدلول الواحد فإن فهم المدلول أعمق بكثير من مجرد المعنى المباشر

قال صديقي : لم أفهم ذلك.

قلت له : هل تعرف الفرق بين القسط والعدل ؟

فكر قليلا ثم قال: أظن الكلمتين لهما نفس المعنى.

قلت له مازحا: يبدوا أنك بالفعل تجيد اللغة العربية.

قال وقد فهم مغزى عبارتي لا تسخر مني وأوضح لي إن كان هناك فرق.

قلت له : قبل أن أوضح لك الفرق أريدك أن تعرف أن فقه المدلولات في اللغة سواء كانت مدلولات جامدة أم متحولة يمثل الإجادة الحقيقية لأي لغة.

إن الفارق بين مدلول كلمة القسط ومدلول كلمة العدل فارق كبير وعميق .

 يقول تعالى في كتابه الحكيم ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ۞ النساء - 58

ويقول تعالى۞وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ۞ هود-85

إن عدم فهم مدلول الكلمات يجعلنا نقف عاجزين عن الفهم الحقيقي لتأويل الآيات القرآنية السابقة.

وباختصار وحتى لا أطيل عليك فإن الفارق الحقيقي بين مدلول الكلمتين أن العدل لا يتضمن المساواة والدقة ويهتم بالجوانب المعنوية ، بينما القسط يتضمن المساواة والدقة ويهتم بالجوانب المادية وإيفائها إلى مستحقيها.

ولذلك فإننا نستخدم العدل عند الحكم بين الناس ، ونستخدم القسط عند الوزن والكيل.

عندما تحكم بين الناس فإن حكمك العادل لا يعني أن تساوى بين الأشخاص ولكن يقتضي أن تراعى الظروف المحيطة لهؤلاء الأشخاص سواء كانت ظروف مكانية أو زمانية أو نفسية أو شخصية – وهذا ما لا يفهمه كثير من الناس.

يعني حكمك بالعدل بين أولادك لا يقتضي أن تمنح جميع أولادك نفس الأشياء – ولكن يقتضي مراعاة ظروفهم فيما يحتاجه  أحدهم  في ذلك الظرف وقد لا يحتاجه الاخر.

وحكم القاضي في قضية ما يجب أن يكون وفق لظروف تلك القضية وليس وفقا لنصوص قانونية جامدة لا تراعي الظروف المحيطة  -- هذا هو العدل.

أما القسط فإنه كما ذكرت يقتضي المساواة والدقة ولذلك يستخدم عند الوزن والمكيال عند البيع والشراء وهو يعنى الدقة والإيفاء.

ولذلك فإن الله عز وجل يوم القيامة يطبق القسط والعدل على عباده.

القسط في جعل وزن الاعمال بكل دقة وإن كان مثقال ذرة من خير أو شر ، والجميع سوف يوفون أعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

و العدل حين يقضي ويحكم بين العباد فتكون مراعاة الظروف والاحوال فلا تكلف نفسا إلا وسعها ولا يظلم ربك أحداً.

فالظلم هو مضاد العدل – أما القسط فإنه مضاد الجور وهو انتقاص الحقوق وعدم استيفائها.

قال لي صديقي : هذا كلام جميل وأريد أن أعلم المزيد عن مدلولات الكلمات المختلفة – فهل لديك المزيد ؟

أجبته وأنا أنظر في ساعتي هناك العديد والعديد من المدلولات - والكلام في هذا الموضوع  يطول ، ولذلك فلناجل استكمال الحديث حول هذا الموضوع إلى وقت لاحق.

غادرت المكان وانا أفكر عن ماذا سوف أحدثه في اللقاء القادم.

هل أحدثه عن مدلول كلمة القضاء ومدلول كلمة القدر – أم مدلول كلمة الإسلام ومدلول كلمة الإيمان – أم مدلول كلمة النفس ومدلول كلمة الروح – أم مدلول كلمة الجسم ومدلول كلمة الجسد – أم .......  .