إن الاستثمار في الطاقة المتجددة يشهد انتعاشا كبيرا في الشرق الأوسط،إذ تداخلت جملة من الأسباب لانبلاج فجر الطاقة المتجددة،منها النمو السكاني المتسارع في المنطقة،والتنمية الاقتصادية،والتطور التكنولوجي،وتصاعد مخاطر استخدام الوقود الإحفوري على البيئة،والبشر بشكل عام،كل ذلك أدى إلى زيادة في إجمالي احتياجات الطاقة خصوصا النظيفة .

تقول كيري أندرسون مستشارة المخاطر السياسية،والتجارية في منطقة الشرق الأوسط "كانت هناك العديد من التغييرات الأساسية أدت لبناء أساس جيد للطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،منها التطورات التكنولوجية،التي جعلت الطاقة المتجددة أكثر عملية،وبأسعار معقولة،وبدأ صناع السياسة،والمستثمرون في التحول من الشك إلى الاهتمام،وبدأت بعض الدول ترى مشاريع الطاقة المتجددة كمشاريع علاقات عامة مفيدة تساعد في بناء علامة تجارية كمركز للابتكار. في منطقة تحتاج بشدة إلى المزيد من الوظائف ، بدأ بعض صانعي السياسة في رؤية مصادر الطاقة المتجددة كمجال يمكن أن يطور فرص العمل" وفي هذا الصدد توقع تقرير صادر عن شركة "سيمنس" آواخر العام 2018 تضاعف حصة مصادر الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط ضمن مزيج الطاقة المستقبلي بمعدل يصل إلى 3 مرات، ويرتفع من 5.6% (16.7 جيجاوات في 2016) إلى 20.6% (100 جيجاوات في 2035).

هناك إمكانيات كبيرة للطاقة المتجددة في الشرق الأوسط،ويتمتع العالم العربي وحده بموارد وفيرة للطاقة المتجددة،كالطاقة الشمسية،والرياح،والطاقة المائية،فبحسب تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الصادر في عام 2011 إن المنطقة العربية تمتلك قدرة كهرومائية تبلغ نحو 10.7 ميغاوات،وبوسع دول الشرق الأوسط الاستفادة من الرياح،إذ أن معدل سرعة الرياح فيها مناسب جدا لاستغلال طاقة الرياح كمصدر بديل لإنتاج الطاقة النظيفة،ويمكن لهذه الدول أيضا الاستفادة من الطاقة الشمسية،نظرا لتمتعها بموارد هائلة لهذا المصدر من مصادر الطاقة المتجددة،بحكم موقعها الجغرافي الفريد،والذي ينفرد بأعلى معدل سطوع شمسي مقارنة بباقي أجزاء الكوكب .

- الطاقة الشمسية

بحسب أبحاث أجرتها شركة (بوز آند كومباني) تبين "أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لديها ميزة جغرافية،و مناخية ستمكنها من توليد كمية من الطاقة الشمسية تتعدى 35 بالمئة من إجمالي كمية الطاقة الشمسية التي يمكن إنتاجها في العالم. تتمتّع منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا بالقدرة على أن تصبح أحد أكبر منتجي الطاقة المتجدّدة في العالم"

ويعتمد هذا النوع من الطّاقة على طاقة الاندماج النووي الذي يحدث في مركز الشّمس، ويتم جمع وتحويل الطّاقة الناتجة عن هذا الاندماج بعدّة طرق مثل،استخدامها بتسخين الماء عن طريق المجمّعات الشمسيّة،أو علب التبريد التي تستخدم الطاقة الشمسيّة عن طريق المراوح،بيد أن هذه الطريقة مفيدة للتدبير المنزلي كتسخين الماء،والإنارة ،"وغيرها من الاستخدامات التكنولوجيّة المعقّدة الأخرى التي تعمل عن طريق تحويل الطاقة الشمسية إلى كهربائية بشكلٍ مباشرٍ باستخدام المرايا، أو المسخّنات، أو الخلايا الفولتيّة الشمسيّة،ومن المتوقع أن تضيف الطاقة الشمسية قدرات إضافية تصل إلى 61 جيجاوات بحلول عام 2035،كما ورد في تقرير شركة (سيمنس)،إلا أن الامكانيات الحالية، لن تمثل إضافات كبيرة متوقعة خلال تلك الفترة.

- طاقة الرياح

تتم الاستفادة من الرياح لإنتاج الطاقة باستخدام التوربينات،حيث تعمل هذه التوربينات بشكل معاكس لحركة المروحة،بدلاً من استخدام الكهرباء لإنتاج الرياح، تعمل الرياح على قلب الشفرات ، والتي بدورها تقوم بتحريك المولد لإنتاج الطاقة المطلوبة .

تعمل التوربينات على تحويل الطاقة الحركية للرياح إلى طاقة كهربائية باستخدام القوة الديناميكية الهوائية الناتجة عن العجلة الدوارة للتوربين . 

المشكلة الأساسية في الرياح هي تقطّعها، فهي لا تهب باستمرار،خصوصا في أوقات الحاجة إلى توليد الكهرباء، ويمكن معالجة هذا الأمر جزئياً عبر توزيع توربينات الرياح على منطقة جغرافية واسعة،وفي هذه الجزئية يقول المهندس عبدالرحمن الأحمدي المختص في شؤون الطاقة المتجددة في اليمن : " بوسع مخططي المشاريع أن يحلوا مشكلة تقطع الرياخ من خلال ربط توربينات الرياح بالمصانع القائمة على الطاقة الكهرومائية،وبالتالي يحصلوا على مزيد من طاقة الرياح "

- الطاقة الحرارية الأرضية هي طاقة حرارية تحت سطح الأرض يتم استخراجها إلى السطح كماء،أو بخار،وبالاعتماد على خصائصها يمكن استخدامها لتوليد الكهرباء النظيفة ، أو في تطبيقات الاستخدام المباشر مثل التدفئة والتبريد والأعمال الزراعية والتطبيقات الصناعية،ويتميز هذا النوع من مصادر الطاقة بقابليته للتجديد،وصغر مساحته،ولايحتاج إلى وقود من أجل الإنتاج،إضافة إلى نظافته .

الطاقة الحرارية الأرضية تعد من أهم الموارد في منطقة الشرق الأوسط عموما،ولكن في دول الخليج العربي يُحصر استخدامها على التطبيقات ذات درجة الحرارة المنخفضة .

يقول ستيف غريفيث ، نائب رئيس الأبحاث في معهد مصدر في أبو ظبي "أن موارد الطاقة الحرارية الأرضية في دول مجلس التعاون الخليجي مناسبة فقط للتطبيقات ذات درجات الحرارة المنخفضة ، حيث يبلغ متوسطها حوالي 100 درجة مئوية "

- الطاقة الكهرومائية

الطاقة الكهرومائية تشير إلى تحويل الطاقة الوضعية للمياه،إلى طاقة كهربائية متجددة،بسبب استمرار دورة المياه في التجدد عبر الشمس،وتتم عملية التحويل بانهمار الماء من مرتفع،ليدور التوربين تبعا لذلك،وهذا التوربين بدوره يدير مولدا كهربائيا،وبالتالي تنتج طاقة كهربائية .

تستخدم الطاقة الكهرومائية في طحن الحبوب كما في العصور القديمة،واليوم تستخدم في إنتاج الكهرباء باستخدام التوربينات،والمولدات،حيث تنشأ طاقة ميكانيكية عند دوران الماء حول التوربينات،وبتوصيل التوربينات بمولدات كهرومغناطيسية تنتج الكهرباء أثناء دوران هذه التوربينات.

على الرغم من أن الطاقة الكهرومائية هي واحدة من أهم مصادر الطاقة المتجددة في المنطقة،والعالم،إلا أن لها آثار سلبية بالغة على البيئة،والكائنات الحية،إذ تتسبب في هجرة الأحياء البحرية،وتعد سببا في الكثير من الفيضانات الكارثية .

إجمالا إن الاستثمار في الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط يخطو خطوات جبارة نحو مستقبل واعد،وعمليات التحول تتسارع فيه،إلا أنه لحد اللحظة لم يصل بعد إلى مرحلة النضج،ويستلزم مزيدا من الجهود،والخطط الحديثة،التي بوسعها تجاوز جل العقبات أمام هذا المشروع العملاق .